خلف الجنائز نسير نودع أيامنا الحلوة. ندفن كل يوم قيمة نبيلة، ونسكب دموعنا بقدر دماء اخواننا المسفوحة على أسفلت الوطن. رصاص عشوائى، وجثث بين الجثث، وحلم ينهار ويخفت. وعلى الشاشات نخب مشوشة، وقامات مقوسة، وكلمات متلفحة بأردية الكراهية. إرهاب لا ثورة. وعنف لا سلمية، وفتن كقطع الليل المظلم ينقلب الباطل حقا والحق باطلا، ويتحول القتلة إلى ضحايا، والشهداء إلى شياطين. وجه مصر مشوه، ملطخ، محمّل بالخطايا، شديد السواد كأنه ليل حالك، والنيل حزين على وطن أضاعه ساسته وباعه شيوخه وشوهه مثقفوه. مالا يحتمل يحدث، وما يثير الدهشة طبيعى فى زمن صار فيه الخير شرا، والشر خيرا. دعاة الاستشهاد لا يستشهدون، وتابعو التيار المتأسلم يدفعون ضريبة الذين اتبعوهم. دائما الصغار والغلابة والبسطاء يدفعون الثمن، وحتما يسقط الشباب. فى حفلات انتحار جماعى يدفع شيوخ الاخوان شبابهم وأبرياءهم وفقراءهم للصدام. بدعاوى الاستشهاد، ونصرة الدين، والدفاع عن مشروع الإسلام. يموت الصغار ليتفاوض الكبار. يرحل الضعفاء ليقرر الزعماء. يتورط التابعون فى العنف والإثم ليدعى القادة السلمية. يسقط المُحرَضون ليعلو المُحرِضون. معصوبو العينين، غافلو الذهن، مسيّرو التفكير، مضللو العقيدة. هكذا كان شباب الاخوان الذين صدقوا شيوخهم فماتوا وسجنوا وفشلوا ولفظهم الوطن وكرههم الناس، بينما علا شيوخهم وأثروا وسكنوا القصور الفخمة، وامتلكوا السيارات الفارهة، واقتسموا السلطة والشهرة. كدأب ذيولهم وأبواقهم وميكروفوناتهم القاتلة.. يقولون ما لا يفعلون، ويحرضون على ما يتجنبون. يرفلون فى حللهم ويهنأون باستوديوهات الهواء المكيفة، بينما الرعايا متورطون فى العنف والخوف واليأس. يفتح فهمى هويدى صنابير التزوير لرسم ظلال الانهيار على وجه مصر. يطل وائل قنديل كقناص ماهر يصوّب ظلمه وغروره نحو قلب مصر. يرقص أيمن نور على دماء الضحية ناثرا بذور الكراهية بين حقول الشعب. ينقلب الدكتور محمد الجوادى مؤرخ العسكرية المصرية إلى خنجر مسموم فى ظهر مؤسسة الأمن الوطنية. يخلع علاء صادق ضميره وأخلاقه ارضاء لرغبة الظهور والنجومية. الانقسام واسع، ودعاة جهنم ماهرون، ومخططات الأعداء جاهزة، وسيناريوهات التقسيم معلنة وواضحة، وتمت ترجمتها إلى أفعال: ضرب الإسلام بالإسلام، واحراق مصر بأيدى المصريين. لكن لا يمكن الصمت، ف«الصمت موت» كما يقول الروائى الجزائرى الطاهر جاووت. «إن تكلمت ستموت وإن صمت ستموت، فتكلم ومت». لذا أقول لكم: لا سبيل أمامنا سوى الاعتصام بالشعب. اللجوء إلى الناس.الاعتصام بهم. مساندة القوات المسلحة إلى آخر مدى. رفض الارهاب تماما. والصبر والصلاة.