تحت هذا العنوان المثير، نشر الكاتب والصحفي الفرنسي الشهير تيري ميسون بتاريخ 18 يوليو علي موقع إنفرميشن كليرنج هاوس مقالاً غاية في الأهمية يفضح فيه المؤامرة المنحطة بين الأمريكيين والإخوان المسلمين لإعادة ترتيب أوضاع وحدود المنطقة بما يحقق مصالح أمريكا نظير حمايتها لحكم الإخوان المسلمين. وإطلاق يدهم في حكم مصر. وميسون كان أول صحفي غربي تواتيه الشجاعة في تحدي حقيقة أحداث 11 سبتمبر 2001 وأنها من صنع المخابرات الأمريكية لتبرير غزو أفغانستان والعراق. ووضح الحقائق في كتابه الموثق الشهير: «الأكذوبة الكبرى» الذي صدر 2001 يقول ميسون إن الانسحاب السياسي الفجائى لدولة قطر من المسرح الدولي أعقبه بعد أسبوع إسقاط حكم محمد مرسي في مصر. ومع أن هذين الحدثين يتصادف تزامنهما بدون سبب أو أثر مباشر، فإن حدوثهما قد غير مستقبل العالم العربي تغييراً جذرياً. فخلال أسبوعين فقد الإخوان المسلمون الذين وعدتهم أمريكا بزعامة العالم العربى، اثنين من أعمدة قوتهم الرئيسية، فالأمير حمد آل ثانى في قطر قد اضطر إلي التنازل عن عرشه يوم 25 يونية وسقط معه رئيس وزرائه حمد بن جاسم، ويوم 3 يوليو أسقط الجيش المصري الرئيس مرسى من الحكم، وصدرت أوامر ضبط وإحضار من النيابة ضد رموز جماعة الإخوان الرئيسيين بما فيهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع. ولا يبدو أن أمريكا عندما دفعت بأمير قطر إلي منفاه كانت تتوقع تغييراً آخر لنظام الحكم في مصر، فأمريكا التي لم تكن تحتمل متاعب سياسية ومالية قررت وضع قطر في مكانها المناسب كدويلة صغيرة، لم تناقش أمريكا المساعدات التي قدمها أمير قطر للإخوان المسلمين أو الدور الذي سيؤديه في مصر. كان الأمر بمثابة دعاية ومظهرية لإمارة قطر. أما دور الإخوان المسلمين، فعلي أي حال كان صعودهم غير المتوقع للسلطة في مصر في يونية 2012 يغطي علي الهدف الحقيقي للربيع العربى، وهو بدء عصر جديد في المنطقة من الاستعمار، مبني علي الصفقة السرية بين الإخوان المسلمين وأمريكا وإسرائيل، فبالنسبة للإخوان المسلمين كانت الصفقة تعني الأسلحة الإجبارية لشمال أفريقيا والشام، وبالنسبة لأمريكا كانت الصفقة تعني العولمة الاقتصادية وضمنها الخصخصة علي نطاق واسع جداً، وبالنسبة لإسرائيل كانت الصفقة تعني استمرار معاهدة السلام المنفرد في كامب ديفيد. ومن المهم أن نفهم أن نتيجة لذلك أن الإخوان المسلمين قد أصبحوا رأس الحربة للصهيونية العربية كما سماها المفكر اللبناني حسن حمادة، وقد تأكد هذا الوضع باعتراف المستشار الروحاني لقناة الجزيرة القطرية الشيخ يوسف القرضاوي بطريقته الخاصة عندما أعلن أنه لو كان النبي محمد صلي الله عليه وسلم حياً الآن لعاش في سلام مع الإسرائيليين ولبارك وأيد حلف الناتو. وقد سهلت أيديولوجية الإخوان المسلمين الوصول لهذا الاتفاق السري مع أمريكا وإسرائيل نتيجة طبيعة تركيبة الإخوان المسلمين، فرغم أن هناك تنسيقاً دولياً بين روافد الإسلام السياسي فإن تنظيم الإخوان لا يتكون من منظمة واحدة، بل من مجموعات عديدة مختلفة، فضلاً عن أن هناك عدة مستويات للعضوية، ولكل منها أيديولوجيته الخاصة، ورغم ذلك فكل المجموعات تلتف حول الشعارات الخمسة الشهيرة: «الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمي أمانينا»، فضلاً عن أن كل المجموعات تلتزم بفكر حسن البنا وسيد قطب. ومن الناحية الواقعية فحركة الإخوان المسلمين هي التشخيص الأعلي للحركة السلفية التي تسير علي خطي صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم والحركة التكفيرية التي تحارب الخارجين علي الدين. والتي تتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية، والتي خرج أيمن الظواهرى، وزعيم تنظيم القاعدة الحالى من بين صفوفها، وكعمل أمريكي مخلص عمل علي تسهيل وصول حسني مبارك للسلطة بتبرير اغتيال أنور السادات، وقد أصبح الظواهرى حالياً الزعيم الروحي لقوات الثورة السورية. لقد كان الإخوان المسلمين دائماً أقلية في كل الدول التي أنشأوا بها تنظيماتهم ومنها مصر، التي حصل الإخوان فيها علي نصرهم الانتخابي نتيجة تخلف ثلثي الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم. وقد حرضت كل المجموعات المعادين للديكتاتورية من مجموعات سياسية وأخري مسلحة حاولت الوصول للسلطة بالقوة أو نتيجة تشتت خصومها. وما تحسمه تصرفات الإخوان المسلمين هي أن الغاية تبرر الوسيلة، لذلك فمن الصعب التميز خلال تطورهم الأيديولوجى بين ما هو تابع حقيقي عن عقيدة وبين ما هو مواقف ناتجة عن انتهازية سياسية. والحالة المصرية خاصة تظهر لنا أن التطور الديمقراطى للإخوان المسلمين كان مجرد خديعة زائفة خلال وقت الانتخابات. فقبل كل شيء، ورغم أن حركة الإخوان المسلمين كانت في مبدئها تحارب الاستعمار البريطاني، فقد تصادمت فوراً مع القومية العربية التي كانت العدو الرئيسى للاستعمار البريطاني في المنطقة، وقد أدرك البريطانيون مغزى إمكان الاستفادة من الإخوان المسلمين، فقام خبراؤهم المختصون بالتعاون مع الطوائف باختراق صفوف تنظيمات الإخوان وتحويلهم لضرب القوي الوطنية بدلاً من محاولة القضاء علي تنظيمات الإخوان، ولذلك فلا عجب أنه حتي اليوم فالمكتب العالمي للتنسيق بين جماعات الإسلام السياسي مازال مركزه لندن. إن الربيع العربي منذ ديسمبر 2010 هو أساساً عملية إحياء الثورة العربية التي فجرتها بريطانيا وفرنسا ضد الإمبراطورية العثمانية 1916 والفارق الأساسي أن الهدف هذه المرة لم يكن وضع صنائع ذوي استقلال صورى مكان الإدارة العثمانية القديمة، فالهدف هذه المرة هو استبدال حلفاء منتهي الصلاحية بعملاء عذارى من أنصار العولمة. أما تراجع قطر الاستراتيجي، فبعد تغيير «طاقم القيادة» توقف تدفق الأموال القطرية علي الإخوان المسلمين سواء في سوريا أو مصر أو فلسطين أو ليبيا أو أي مكان آخر، فالإمارة حالياً تركز جهودها علي طموحاتها الداخلية وخططها لإنفاق مائتي مليار دولار للإعداد لمباريات كأس العالم بعد خمس سنوات. وهذا الاختفاء الفجائى من المسرح الدولي ترك المسرح خالياً للسعودية والإمارات اللتين سارعت كلتاهما بتأييد النظام المصري الجديد. ومن ناحية أخري فالمنافسة بين السعودية وقطر قد دفعت إيران إلي تأييد محمد مرسي في مصر وتأييد بشار الأسد في سوريا، وبذلك وجدت طهران نفسها في حلف مع مشروع الإخوان المسلمين لأسلمة المجتمع. أكثر من حلفها مع الناصريين لتحرير فلسطين من الاحتلال الاستعمارى. وفي النهاية فإن انسحاب قطر من المسرح يعني إعادة ترتيب موازين القوي في العالم الأنجلو أمريكي. ونتيجة لذلك فإن لجان إدارة النشاط السري لأمريكا التابعة للكونجرس، والبريطانية التابعة لمجلس العموم، قد عارضت إرسال أسلحة للمتمردين في سوريا. إن سقوط حكم الإخوان المسلمين ليس مجرد فشل للإخوان، ولكن أيضاً فشل لهؤلاء الذين يحكمون في لندن وواشنطن، والذين ظنوا أنهم يستطيعون إعادة تشكيل شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وعندما فشلوا في ذلك إذ بهم يفضلون أن تسود الفوضى في المنطقة ماداموا قد فقدوا سيطرتهم عليها. وإلي هنا ينتهي مقال ميسون الذي حلل الوضع بدقة الطبيب الماهر، ونحمد المولى أن يقظة الشعب العظيم الذي فجر ثورة 30 يونية لاستعادة ثورته التي خطفها المتأسلمون، وحماية جيشه الوطني النبيل لها قد وصلت في اللحظة المناسبة لقلب المخطط الشرير رأساً علي عقب.. ولرد كيد الخونة والأعداء ومن واللاهم إلي نحورهم. نائب رئيس حزب الوفد