من المؤكد أن قيادات جماعة الإخوان المسلمين تعرف جيداً ان ارادة الدولة سوف تنفذ، وأن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء تحت أي ظرف من الظروف، لأن عكس ذلك هو معناه أن ارادة الجماعة أو أي فصيل ديني أو عرقي أكبر من ارادة الدولة المتمثلة في مؤسساتها وأجهزتها وعلى رأسها القوات المسلحة والشرطة والسلطة القضائية والاعلام وغيرها من مؤسسات الدولة التي احترمت جميعها الارادة الشعبية الجارفة في 30 يونية الماضي عندما خرج عشرات الملايين في كل ميادين وشوارع القاهرة وعواصم المحافظات والمدن والقرى للتعبير عن سخطهم على النظام ومعلنين إسقاطه. هذه الحقيقة الدامغة يعرفها جيداً قيادات الاخوان الذين مارسوا العمل السياسي لسنوات طويلة بشكل علني وسري داخل مصر وخارجها طبقاً لقواعد اللعبة التي يجيدونها، ومع هذا فوجئنا بهم يدفعون أعضاءهم وشبابهم الى عملية انتحار جماعي عندما حرضوهم ودفعوهم الى أعمال العنف والبلطجة التي خلفت آلاف الجرحى ومئات القتلى، ودمغت الجماعة بالارهاب. هنا سؤال يطرح نفسه: لماذا أقدم المرشد العام وقيادات الجماعة على هذه الخطوة التي تعد بمثابة انتحار بشرى وسياسي والانتهاء الى الأبد؟! الأمر الأول: أن الجماعة كانت على علاقة قوية مع الادارة الأمريكية منذ عدة سنوات، وكل الشواهد تقول إن ادارة أوباما قد ساعدت الجماعة في الوصول الى الحكم سواء بالدعم المادي أو الاعلامي واللوجستي، وأيضاً من خلال الدعم القطري الذي لا يتحرك الا بتوجيهات امريكية، والواضح أن هناك صفقات قد عقدت بين الجماعة والادارة الأمريكية لم يتكشف منها حتى الآن سوى تعهد الجماعة بأمن اسرائيل، ومنع حماس من توجيه أي اعتداءات على الجانب الاسرائيلي.. وربما تكشف الأيام القادمة عن تعهدات وصفقات جعلت الجماعة تعتقد أن الادارة الأمريكية سوف تدعمها في حكم مصر بغض النظر عن رأي وتوجهات الشعب المصري الذي يمكن اسكاته وتخويفه وارهابه ببعض العمليات الحمقاء، ويبدو أنهم اعتقدوا أيضاً أن الادارة الامريكية يمكن أن تضغط على وزير الدفاع العظيم الفريق أول عبد الفتاح السيسي ورفاقه الوطنيين في عدم التحرك تجاه مطالب الشعب وترك الساحة لهم لارهاب الشعب، وهو اعتقاد يؤكد من جديد قصور فكر هؤلاء وانعدام الوطنية في دستور الجماعة!! الأمر الثاني: إن القيادات الحالية للجماعة تذوقت طعم السلطة بعد 85 عاما من قيام الجماعة، وبعد صولات وجولات وصفقات ومن خلال ثورة الشباب في 25 يناير.. ويعرفون جيداً أن وصولهم الى السلطة لم يكن بشكل طبيعي، وإنما في ظرف استثنائي وبمساعدات خارجية وداخلية، وبعد أن حكموا بالفعل من خلال أغلبية برلمانية ثم بالحصول على مقعد الرئاسة، وظهرت بجلاء نواياهم، وتكشف عجزهم عن ادارة شئون الدولة الى الحد الذي وصلت معه في الشهور الأخيرة الى حالة الانهيار، كما ظهر أن الدين كان بالنسبة لهم مجرد وسيلة للوصول الى السلطة، وليس غاية كما كانوا يدعون طوال تاريخهم، اضافة الى الانحراف عن المسار الديمقراطي الذي كان أحد أهم مطالب ثورة يناير.. كل هذه الأخطاء جعلت قيادات الإخوان التي تذوقت السلطة تعي جيداً أنهم لن يتذوقوا السلطة مرة أخرى.. الا أن الغريب في الأمر أن هذه القيادات فضلت ذاتها ومصالحها وملذاتها على الجماعة نفسها وعلى أعضائها وشبابها، لأنها كانت تستطيع اعلان احترامها لارادة الشعب، وتعلن أنها سوف تصحح من أخطائها وتدعو شبابها واعضاءها الى احترام ارادة الشعب، والعودة للعمل والاستعداد للانتخابات القادمة بدلاً من هدم المعبد على رأسها مقابل مصالح حفنة لا تعرف الا نفسها.