سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. خالد أبوزيد وزير الموارد المائية بحكومة الوفد الموازية: استكمال العمل فى قناة جونجلى أفضل رد على المشروع الإثيوبى
مصر ليس أمامها سوى رفض إقامة سد النهضة من الأساس حتى لا ندفع الثمن فى المستقبل
قال الدكتور خالد محمود أبوزيد، وزير الإدارة المتكاملة للموارد المائية بالحكومة الموازية للوفد، إن استكمال مصر والسودان العمل فى مشروع قناة جونجلى سيكون رداً واضحاً على الجانب الإثيوبى الذى أعلن بناء سد النهضة. وقال إن مصر كانت قد اتفقت مع السودان على تنفيذ مشروع قناة جونجلى، وساهمت بالفعل فى حفر حوالى 70% من القناة التى كان من المتوقع أن تضيف لإيراد نهر النيل 4 مليارات متر مكعب سنويا لتقسم بالتساوى بين مصر والسودان آنذاك؟! هذا وقد توقفت الأعمال نتيجة للاضطرابات السياسية فى جنوب السودان خلال السنوات الماضية، وأشار إلى ضرورة تنفيذ المشروع الآن. وأشار أبوزيد إلى أن مصر مطالبة بوقف المشروع من الأساس حتى لا تتأثر حصة مصر من مياه النيل فى المستقبل.. وإلى الحوار: قيل إنك صاحب استخدام مبدأ المياه الخضراء والمياه الزرقاء والحوض والنهر في حل النزاعات فى الأحواض المائية المشتركة، ما هذا المبدأ، وكيف ترى تطبيقه على المستوى الدولي وعلى مستوى حوض نهر النيل؟ - لقد بدأت بالفعل فى عام 1996 بتقديم ورقة بحثية فى أحد المؤتمرات الدولية، مفادها ضرورة التقييم الدقيق لكل الموارد المائية المتاحة فى حوض النهر المشترك، وأن التقدير الدقيق للاستخدامات الفعلية لكل دولة من كل مورد مائي بحوض النهر، يمكنه أن يساهم كثيرا فى حل النزاعات المائية فى الأحواض المائية المشتركة. وتم من خلال هذه الورقة عرض تقييم سريع للمياه المتاحة والمستخدمة فى دول حوض النيل، والذى قمنا فيما بعد فى بحوث لاحقة بتفصيله إلى ما يسمى بموارد واستخدامات من المياه الزرقاء والمياه الخضراء بحوض النيل، وهذا المبدأ مبنى على تقدير حجم المياه المتساقطة من الأمطار على حوض النهر، وتحديد ما يصل منها إلى النهر وإلى المياه الجوفية وهو ما يطلق عليه المياه الزرقاء، وتقييم حجم ما يستخدم مباشرة من هذه الأمطار بواسطة الزراعات المطرية والمراعى والغابات وهو ما يطلق عليه المياه الخضراء. وبدأ العالم مؤخرا بتقدير حجم هذه الكميات من المياه الخضراء والتى تفوق بكثير المياه الزرقاء فى الأنهار التى يتنازع عليها كثير من دول الأحواض المشتركة. فإذا نظرنا للمياه المتاحة والمستخدمة بكامل حوض النهر المشترك بدلا من النظر الى المياه المتاحة والمستخدمة بالنهر فقط، فهذا يتيح حجماً أكبر من المياه تتشارك فيه الدول المتشاطئة كل حسب أولوياته وحسب قربه من نوع المصدر المائي. ما رأيك فيما يثار من أفكار حول نقل المياه من نهر الكونغو الى مصر أو لزيادة إيراد نهر النيل؟ - هناك محددات فنية واقتصادية وسياسية تجعل البدائل الأخرى أكثر جدوى، فإذا كانت الفكرة هى تحويل كميات من مياه نهر الكونغو إلى نهر النيل لزيادة إيراده ومن ثم زيادة حصة مصر، فإن أقرب مكان لنهر الكونغو هو جنوب السودان، الذى يوجد به فواقد مائية كبيرة من المستنقعات، ويمكن إجراء مشروعات لاستقطاب الفواقد تسمح بإمكانية زيادة إيراد نهر النيل بحوالى 18 مليار متر مكعب سنويا. ومن هذه المشروعات، قناة جونجلى المعروفة لدى الكثير، فمن باب أولى الاستفادة من الإمكانات المائية المتاحة فى حوض النيل نفسه قبل النظر فى الاستفادة من أحواض الأنهار الأخرى والتى سوف تكون أقل تكلفة، لاسيما أن التضاريس المرتفعة فى المسار المحتمل لنقل المياه من نهر الكونغو، وعدد الدول التى سوف تمر بها القناة والنقل والاحتياجات الأمنية المطلوبة لتأمين مسار القناة الناقلة وحمايتها من التعديات تجعل من المحددات الفنية والاقتصادية والسياسية ما يحول دون التفكير فى نقل مياه من نهر الكونغو فى الوقت الراهن. وماذا عن مشروع جونجلى، ولماذا لا ينفذ هذا المشروع إذن؟ - مصر كانت قد اتفقت مع السودان على تنفيذ المشروع وساهمت بالفعل فى حفر حوالى 70% من قناة جونجلي التى كان من المتوقع أن تضيف لإيراد نهر النيل 4 مليارات متر مكعب سنويا لتقسم بالتساوى بين مصر والسودان آنذاك؟! وقد توقفت الأعمال نتيجة للاضطرابات السياسية فى جنوب السودان خلال السنوات الماضية. والسؤال، لماذا لا ينفذ المشروع الآن، خاصة أن مصر كانت حريصة على توطيد علاقاتها مع جنوب السودان وشماله وعلى تقديم المساعدات فى كثير من المجالات لجنوب السودان ولا سيما فى مجال الموارد المائية التى تقدر حجم المساعدات فيه من مصر لجنوب السودان بحوالى 26 مليون دولار. وكان قد قام بزيارة جنوب السودان وزراء الموارد المائية المصريون فى حكومات متعاقبة كما قام مؤخرا السيد رئيس الوزراء المصرى أيضا بزيارة كبار المسئولين فى جنوب السودان، وأعتقد أن مشروع جونجلى أكيد كان على قمة الموضوعات التى تحدثوا فيها جميعهم، ولكن لماذا حتى الآن لم يستكمل العمل فى مشروع جونجلى؟ أعتقد أن مشروعات استقطاب الفواقد لابد أن تطرح بصراحة وبوضوح فى المداولات مع جنوب السودان. ونحن ليست لدينا رفاهية الوقت لنضيعه في المزيد من بناء الثقة، فأعتقد أن نوايا مصر الحسنة تجاه الرغبة فى التعاون الوثيق مع دول حوض النيل كافة معروفة لدى الجميع، وكذلك يجب أن تكون الرغبة فى زيادة إيراد نهر النيل ومن ثم زيادة حصة مصر فالعلاقات بين الدول يجب أن تكون مبنية على المصالح المشتركة وليس هناك عيب فى ذلك، وعلى هذه المبادئ يجب أن تصاغ علاقة جديدة مع جنوب السودان. وفى هذا الصدد لابد أيضا من الحصول على موقف واضح وصريح من شمال السودان تجاه مشروع جونجلى ومشروعات استقطاب الفواقد بصفة عامة، ولاسيما سد النهضة ذاته. وما تصورك عن مستقبل العلاقة مع إثيوبيا خاصة وقد شرعت فى بناء سد النهضة، وما هو تأثير هذا السد على مستقبل مياه النيل فى مصر؟ - أتمنى أن تظل علاقة مصر بإثيوبيا قوية، فهما معا يمكن أن يمثلا قوة اقتصادية كبيرة فى حوض النيل وأفريقيا ككل. فإن إثيوبيا تمثل فى نظرى أهم الدول التى يجب أن تكون لمصر علاقة وطيدة معها، ليس فقط لأنها تمثل المصدر ل 85% من مياه النيل التى تصل لمصر، ولكن لأن هناك علاقات تاريخية وأزلية تجمع شعبى البلدين. ولكن ما يحزننى هو ما شرعت فيه إثيوبيا من اطلاق بناء سد على النيل الأزرق، والذى يمثل المصدر الرئيسي للمياه بمصر، دون حتى استشارة بلادنا أو السودان اللذين يمثلان دول مصب هذا النهر. فكانت إثيوبيا تستشير مصر عند بناء سدود سابقة وتحصل على عدم ممانعة مصرية حتى عند بناء محطات لمياه الشرب على مياه النيل، فلماذا الآن تتخذ هذا القرار الانفرادى على نهر مشترك وحيوي بالنسبة لدول المصب كنهر النيل، وتشرع فى بناء سد بهذا الحجم قبل التشاور مع مصر. وأرى أنه إذا كانت إثيوبيا حريصة فعلا على علاقتها مع مصر أن تعلن عن استعدادها لإبرام مثل هذا الاتفاق الذى تتفق فيه مع مصر والسودان حول كل هذه الأمور وليتضمن أيضا الاتفاق استضافة بعثة مصرية سودانية دائمة لمراقبة التصرفات والاستخدامات كما هو متعارف عليه دوليا وكما اتبع عند بناء السد العالي بين مصر والسودان، وفى حالة سد أوينز بين مصر وأوغندا, حيث إن لمصر بعثات دائمة لوزارة الموارد المائية بالسودان وأوغندا حسب الاتفاقيات المبرمة حول هذه السدود. إن الشفافية حول كل الأمور المتعلقة بهذا السد هى الوسيلة الوحيدة لتفادى ما قد يترتب على مخاوف الخبراء والمواطنين فى مصر حول احتمال نقص المياه الواصلة لمصر بمقدار 9 مليارات متر مكعب فى العام، أو نقص الكهرباء المولدة سنويا من السد العالى بمقدار 20% ، أو غيرها من المخاوف المتعلقة بالآثار التى قد تحدث فى حالة انهيار السد. بفرض سعة تخزين 72 ملياراً مكعباً، وبفرض أسوأ السيناريوهات وهى فترة ملء 6 سنوات لكامل سعة التخزين، فهذا ينتقص من تصرف النيل الأزرق 12 مليار متر مكعب سنويا، وبفرض تصرف متوسط 40-45 مليار متر مكعب سنويا من النيل الأزرق، فهذا النقص يمثل كمية كبيرة، وإذا قسم النقص بالتساوي بين مصر والسودان (شماله وجنوبه)، يصل النقص فى المياه الواصلة لمصر خلال سنوات الملء الست المفترضة إلى 6 مليارات متر مكعب سنويا. وهذا بالطبع قد يمثل نقمة على مصر. وقد تتفاقم هذه النقمة إذا فكر الجانب الإثيوبي فى استخدام مياه التخزين لأغراض أخرى غير توليد الطاقة. وماذا إذا لم توافق إثيوبيا على الالتزام الرسمى من خلال اتفاقية بهذا الشكل، وبالاشتراطات والضمانات التى تطالب بها مصر؟ - أتصور أن هذا سيمثل تعنتاً لا يعكس حسن النية ولا يضمن بشفافية ووضوح حقوق مصر مما سيثير الشكوك والمخاوف لدى الشعب المصرى وبعض الخبراء الذين أحيانا ما يدعون إلى ضرورة اتخاذ حل عسكري أو اللجوء للتحكيم الدولى فى قضية سد النهضة. وعليه أتمنى أن يتفهم الجانب الإثيوبى أنه ليس من الصالح خلق مثل هذه التوجسات والشكوك والعداوات بين شعبين عريقين يجمعهما نهر واحد وتاريخ مشترك، فالشعوب والرأي العام لهم تأثير كبير على متخذى القرار الآن ولابد من أخذ ذلك فى الاعتبار. وهل هناك دور لمصر على الصعيدين الإقليمى والدولي يمكن له أن يساهم فى تعضيض موقف مصر فى هذا الشأن؟ - بالطبع هناك دور، ولكن لابد أولا من تضافر الجهود على المستوى الوطنى وتوحد الآراء والاستفادة من الخبرات الوطنية دون النظر إلى الانتماءات الحزبية، والبعد عن سياسة إقصاء الآخر، والتنسيق بين الوزارات والجهات السيادية المعنية لوضع استراتيجية موحدة للتعامل مع دول النيل، والتى لابد أن تبنى على المصالح المشتركة وليس على المساعدات والمعونات فقط، فيمكن لمصر أن تتوجه لدول النيل كمصدر لوارداتها من اللحوم والشاى والبن والسكر وغيرها من المنتجات ذات الميزة النسبية بهذه الدول. ولذا فتنسيق السياسات المائية والزراعية والتجارية له أهمية خاصة فى هذا الشأن. وعلى الصعيدين الإقليمى والدولي، فمصر الآن تترأس المجلس الوزارى الإفريقي للمياه وهى عضو فاعل فى إقليم شمال إفريقيا بهذا المجلس وتستضيف مصر مقر الأمانة الفنية لإقليم شمال إفريقيا لهذا المجلس والذى كان لها دور هام فى نشر المبادئ الأساسية للحفاظ على الحقوق المائية لدول المصب والدفاع عن هذه الحقوق على المستوي الإفريقي وفى المحافل الدولية. ولكن هناك محاولات حثيثة خارجية تعمل على نقل هذه الأمانة الفنية من مصر، وللأسف قد نسمع قريبا عن نقل هذه الأمانة الفنية من مصر إلى شرق أفريقيا أو المغرب العربي، ولابد من التصدي بقوة لهذه المحاولات. وعلى الصعيد العربى فقد استجابت جامعة الدول العربية لتحفظات مصر على بعض البنود باتفاقية الأممالمتحدة الإطارية للاستخدامات غير الملاحية للأنهار الدولية التى لم تدخل حيز التنفيذ بعد، وقامت بصياغة اتفاقية عربية حول المياه المشتركة تعالج هذه التحفظات وتشمل بعض المبادئ التى تضمن حقوق دول المصب, وأرى أنه بعد إضافة بعض التعديلات على المسودة الحالية وتصديق الدول العربية عليها ستضيف للقانون الدولى ما يعضض من موقف مصر على المستويين الإقليمى والدولي. ولابد أيضا من العمل على صياغة رأى موحد رسمى حول النواحى الإيجابية والتحفظات المتعلقة باتفاقية الأممالمتحدة الإطارية للاستخدامات غير الملاحية للأنهار الدولية وتجميع المجتمع الدولى حول هذه التحفظات لتعديل بعض البنود فى الاتفاقية التى لم تحظ بالحد الأدنى من التصديق الدولى لدخول حيز التنفيذ والذى يتطلب توقيع 35 دولة.