أزمة (سد النهضة ) الأثيوبى جاءت كاشفة عن غياب الذكاء السياسى , وتدنى مستوى الفكر والرؤية وحتى الوعى بأبعاد الأمن القومى , لدى رجال جماعة الإخوان المسلمين القابعين على كراسى الحكم فى الأغلب الأعم , إلا من رحم ربى . أتوقف هنا أمام مشاهد عدة للعبث الإخوانى رافقت أزمة السد الأثيوبى , وهى مشاهد تؤكد فى معانيها ودلالاتها أن الفشل قادم لامحالة , وتبشر بما يمكن أن تتنتهى إليه الأزمة من عواقب وخيمة تضر بالبلاد لسنوات طوال قادمة : أولا : عقدت رئاسة الجمهورية يوم الخميس ( 30مايو ) مؤتمراً صحفياً , بشأن الأزمة .. وقد ظننت مما سمعت وتابعت , أننى مسؤلين إثيوبيين يبذلون قصارى جهدهم , تبريراً لتحويل مجرى النهر الأزرق , لولا أن الفضائية المصرية تبث من القصر الرئاسى المصري , وأن الشخوص مصريين , وكان من أخطر مصائب هذا المؤتمر هو إعلان الدكتور محمد بهاء الدين وزير الرى بالفم المليان بأن :" الخيار العسكرى مستبعد", ولست أدرى ماهى صفتة كى يستبعد هذا الخيار ؟ فلا هو الرئيس , ولا رئيس الحكومة , ولا القائد العام للقوات المسلحة .. وإذا كان هذا قراراً إخوانياً أو رئاسياً .. فلماذا يتطوع الوزيربالكشف عنه , بما يضعف الموقف التفاوضى المصرى فى أى مباحثات قادمة ؟ أو هكذا تقول أوليات السياسة والعلاقات الدولية , والتى توجب عليه بأن تكون إجابتة روتينية بالعبارة الصائبة الشهيرة بأن :" كل الخيارات مفتوحة", أو ان الامر لايزال محل الدراسة . ثانيا : أن وزير الرى كان مرافقا للرئيس الدكتور محمد مرسى قبل أيام إلى إثيوبيا , وهناك أدلى بتصريح خطير أيضاً , حيث قال : (إن مصر لم تعترض على مشروع سد النهضة ) , بمعنى أن النظام السابق كان موافقاً على السد , ولم يكن هذا صحيحاً .. إذ أن مصر مبارك هددت بضرب إثيوبيا ونسف أى مشروعات من هذا النوع , وجاء التهديد على لسان مبارك نفسه , ومن قبله على لسان الراحل المشير محمد عبد الحليم أبوغزالة وزير الذفاع الأسبق , الذى قال فىتصريحات مسجلة فيديو ومتداولة , بأن الأمن المائى لمصر, و الحفاظ على حصتها القادمة من منابع نهر النيل , هى من أهم أهداف العسكرية المصرية .. فإذا عدنا لتصريح وزير الرى الإخوانى , فهو يبدو كما لوكان ( إشارة خضراء ) للحكومة الأثيوبية , بأن تفعل ما تشاء , وليذهب شعب مصر إلى الجحيم عطشا وبواراً لملايين الأفدنة الزراعية التى يقتات منها بالكاد , وكأنما القضية هى تحميل المسؤلية للنظام السابق , رغم كذب هذ الزعم .. ويكون طبيعياً بعد هذا التصريح الكارثى , والصمت الرسمى على إهانة رئيسنا بإستقباله المهين هناك بالمطار , وقطع الصوت عنه وهو يلقى كلمته امام الرؤساء الافارقة ,ومنح الكلمة لرئيس آخر .. أن تعلن إثيوبيا فى اليوم التالى لعودة الرئيس منها ,عن تحويل مجرى النيل الأزرق , والبدء بتنفيذ الأعمال التحضرية للسد , وبالبلدى كده , فقد عرفت إثيوبيا آخرنا . ثالثا :الإخوانى الدكتور عصام الحداد مساعد الرئيس , الذى يدير ملف العلاقات الخارجية, بدلا من وزارة الخارجية المُبعَّدة , نشرصباح الخميس الفائت ( 30مايو) على موقع (المدونة المصرية للعلاقات الدولية ) , مقالاً طويلاً يتناول فيه ( سد النهضة) , و أقل مايوصف به المقال أنه مذكرة ( دفاع عن إثيوبيا) , وإلتماس المبررات والأعذار لها , فيما أقدمت عليه , وإذا إنتبهنا إلى أن (الحداد) عندما يتكلم أو يكتب , فإنه بحكم السوابق ومنصبه , يخاطب (الخارج) الذى ينشغل به الإخوان بأكثر مما يشغلهم شعبنا المبتلى بهم , فهذا بدوره يعنى أن الحداد يريد توضيح و تأكيدً ً رسالة وزير الرى التى اشرت إليها قبل قليل , وكليهما – الحداد والوزير - يعنى بإختصار أننا لانعترض على السد , ربما لأن أسمه - النهضة - غالى علينا .. وهناك نظرية الدور الخفى لإسرائيل , القائلة بأنها تدعم إثيوبيا وتقف وراء هذا السد , وهى نظرية لها ما يؤكدها فى الفكر الإستراتيجى الإسرائيلى و دراسات إسرائلية منشورة , ترتبط بحروب المياه القادمة وأطماعها فى مياه النيل وتوطين الفلسطنيين بسيناء , وغير ذلك من التفاصيل التى لايتسع لها المجال هنا ..إذا سايرنا هذه النظرية , وربطناها بمقال الحداد ورسالتة , يكون علينا أن نتحسس رؤوسنا , لان هذا يعنى أن الحداد يقصد تطمين إسرائيل بأننا لانريد إغضابها , وأن جهودها فى إثيوبيا لن تضيع هدراً , حتى ولو تعرض شعبنا للعطش والجوع فى الازمان المقبلة , بأكثر مما هو جائع الآن وشارب للمياه الملوثة .. أتمنى بالتأكيد أن أكون مخطئاً , لكن رسالة الحداد شديدة الوضوح . رابعاً : فى خطابه يوم الأربعاء ( 29 مايو ) أمام ما يسمى مؤتمر ( تكامل) للجمعيات الأهلية الإخوانية وما شابه .. تجاهل الرئيس مرسى تماماً كارثة سد النهضة الإثيوبى , وكأن الأمر لايعنيه , أو كأنها مشكلة صغيرة ثانوية لاتسحق إهتمام الرئيس , و أولى منها أن يشركنا معه فى إنتشائه بسماع كلمة هانى البنا أمين عام المؤتمر, وهى قصيدة غزل فى الرئيس مليئة بالعبارات الرنانة , على طريقة العبارة فى الدوبارة والعملية فى النملية , ومن نوعية تلك القصائد التى كان يدبجها بعض الشعراء ( الأرزقية ) , مديحا لسلاطين الازمان الغابرة, مثل زماننا هذا .. على أن خطبة البنا , لم تخلو من فائدة فهى مسلية لمن أسعده الحظ وشاهدها , فقد أضحكتنا على خيبتنا متعددة الاوجه والمجالات , فى هذا الزمن الإخوانى الكئيب والملئ بالمصائب والكوارث , وساهم المؤتمر ووقائعه وحضور الرئيس وتجاهله الإشارة للأزمة , فى تأكيد الرسائل السابقة المبطنة لإثيوبيا , بأن قضية السد لاتهمنا كثيراً . إننا بطبيعة الحال لاندعو إلى الحرب , لكننا ضد سياسة حرق كروت أو أوراق اللعب التى نملكها , ولنا أن نتسائل هل يصلح هؤلاء - الرئيس والحداد وبهاء الدين - لإدارة ملف كارثة بهذا الحجم ؟ وهم الذين لم يتوقفوا عن ضرب موقفنا التفاوضى وإضعافه ,وإحراق الأوراق والكروت بأيادينا ؟ , كاشفين جميعاً عن ضعفنا وهوان أمرنا .. الإجابة طبعاً بالنفى ..لا يصلحون , وعليهم قبل فوات الآوان المسارعة بتشكيل فريق من الخبراء الاكفاء المتخصصين فى مجالات التفاوض, والمياه ,و القانون الدولى ,والسياسة ,والدبلوماسيىة , والعسكرية والمخابراتية , على أن يتم إختيارهم بمعيار الكفاءة بعيدا عن مكتب الإرشاد والجماعة , حتى يستطيعوا إعمال عقولهم وإيجاد مخرج آمن من هذه الأزمة .. نسأل الله السلامة لمصر التى تضيع على يد الجماعة . ( كاتب وصحفى)