إنه حقاً زمن مليء بالعجائب، ومن أكثرها عجباً ما حدث أثناء وبعد الخامس والعشرين من يناير، لا أتحدث عن البلطجية، ولا عن الذين هربوا من السجون، ولكن نتحدث عن الانتهازيين، وعن الانتفاعيين الذين استغلوا الفراغ الأمني، واستغلوا الظروف الصعبة التي تمر بها الدولة في ترتيب أوراقها، وقاموا بعمل العديد من المخالفات التي تعرض مرتكبيها في وقت كان الأمن فيه مستتباً والكل تحت طائلة القانون، إلي السجن والغرامة المالية الكبيرة. هؤلاء النوع من البشر الذين لا خلاق لهم، والذين لا يراعون في الله إلاً ولا ذمة، هم بالفعل الانتهازيون، لقد انتهزوا الفرصة وقاموا بتعلية المباني بثلاثة وأربعة طوابق، وآخرون وضعوا أيديهم علي أراضي الدولة ولم يضيعوا الوقت، فقاموا بتقسيمها وبنائها بسرعة البرق وبقدرة قادر، ونموذج ثالث لا يخاف الله ولا يخشاه، قاموا بالبناء علي منازلهم المتهالكة التي أكل الزمن منها وشرب، التي تم تأسيسها لطابقين فقط، وعلوا فوقها طابقين آخرين، وكل هؤلاء يعلمون تماماً أن ما فعلوه يعرض حياتهم وحياة قاطني هذه العمارات والمنازل إلي خطر كبير لا يحمد عقباه. إننا أمام ظاهرة شديدة الغرابة، لذا وجب علينا أن نسأل: هل الناس انفتحت شهيتهم إلي السرقة والنصب والاحتيال بعدما سمعوا عن رئيسهم وعائلته وحاشيته يسرقون وينهبون المليارات من الدولارات؟.. هل هؤلاء الناس باعوا عقيدتهم وتحالفوا مع الشيطان؟.. أم يفعلون ذلك انتقاماً من أناس لا حول لهم ولا قوة تأسياً بما فعله الآخرون؟.. أياً كانت الإجابة علي هذه الأسئلة.. فليس هناك أي مبرر يمنح هؤلاء المنتهزين الحق في سرقة حياة الناس، وسرقة ممتلكات الدولة حتي لو كان الرئيس ورجاجيله سارقين أو فاسدين!! ولقد تحدثت مع أكثر من مواطن يمتلك بمفرده أكثر من برج في الدقي وشارع الهرم وفيصل، عن الأسباب التي جعلته يتخلي عن دينه وخوفه من الله ولا يفرق بين الحلال والحرام ويعرض الناس للخطر غير مبال بأي شيء، خاصة أنه يمتلك المال الوفير؟.. فكانت الإجابة بمنتهي السخرية، ومتشابهة إلي حد ما: عليك أن تسأل الحاكم، ومن حوله أولاً ثم تأتي لتسمع منا الإجابة! ربما هذا يقنع البعض ولا يقنع البعض الآخر، وربما هذا يكون صحيحاً في اللامنطق، وربما يكون صحيحاً في منطق الذين كانوا يعتبرون أنفسهم سادة القوم، فلا العلم نفع هؤلاء السادة، ولا الثقافة التي كانوا يتحلون ويتفاخرون بها، ولا التربية التي حاولوا أن يقنعوا الناس وقتاً طويلاً بها، فلقد ثبت أخيراً أن هؤلاء لا دين ولا خلاق ولا علم ولا ثقافة ولا تربية ولا أصول لهم، ثبت أخيراً أنهم لصوص رعاع، وهكذا هم أيضاً أولئك المنتهزون المستغلون، الذين يمنطقون الحياة علي القياس بالفاسدين!! ويبقي أمامهم وربما يحالفها الحظ في ذلك الوقت، وربما ألا يحالفها ويحدث ما لا يحمد عقباه. هذا إذا بدأت الدولة فوراً في اتخاذ القرارات الصعبة وتطبيقها كالأمر بالقبض علي كل المخالفين ومحاكمتهم وتشديد العقوبة عليهم، وبعدها تقوم كل المحافظات في الجمهورية بالطلب من رؤساء الأحياء الذين قاموا بحصر هذه المخالفات التي تعدت الآلاف في كل حي من أحياء الجيزة والقاهرة والدقهلية والإسكندرية.. إلخ.. أما في الحالة الثانية، وهي أن تؤجل الدولة النظر في هذه الظاهرة إلي بعد الانتخابات الرئاسية ومجلس الشعب مع الدستور الجديد، مكتفية بالطلب من شركة المياه والكهرباء عدم الموافقة لمد هؤلاء المخالفين بالماء والكهرباء، فهذا أيضاً أمر مشكوك فيه حيث قامت بعض هذه الشركات بمدهم بالماء والكهرباء استناداً لبعض القوانين القديمة والبالية التي تعرضنا لها في مقال سابق تم نشره في جريدة »الوفد« نهاية عام 2010 طالبنا فيه المسئولين بإعادة النظر في هذه القوانين التي لم يتم النظر إليها منذ عهد محمد علي. لذلك أنا أقترح علي السادة المسئولين في ذلك الوقت، المجلس الأعلي للقوات المسلحة والسيد رئيس الوزراء - إذا كنا حريصين علي عدم إهدار أموال الدولة - الأمر بتشكيل لجنة من وزارة الإسكان من المهندسين المتخصصين ذوي الخبرة وكذلك مهندس من كل محافظة وكل حي تابع لها المخالفة بفحص هذه الأبراج والتأكد من سلامة الطوابق التي تم بناؤها، وكذلك المنازل ذات الطابقين التي تم البناء فوقها، وكتابة تقارير مفصلة عن صلاحيتها أو عدم صلاحيتها، وبناء عليه إما يستمر الأمر كما هو عليه في حالة ثبوت الحالة بالإيجاب، وعندها تطالب الدولة المخالف بدفع 50٪ من قيمة كل شقة، فمثلاً إذا باع الشقة بثلاثة أو أربعة آلاف جنيه، فيكون نصيب الدولة نصف القيمة، وفي برج واحد تم رفعه أربعة طوابق، في كل طابق أربع أو ست شقق، يكون نصيب الدولة في هذه الحالة 8 آلاف جنيه من عقار واحد مضروباً هذا الرقم في 100 ألف شقة في أنحاء الجمهورية لتصبح بذلك القيمة الكلية أكثر من مليارين، علاوة علي ثمن تمديد الماء والكهرباء، ويطبق هذا علي الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بوضع اليد، وكذلك الأكشاك التي أقيمت في كل الشوارع، خاصة أكشاك اللحوم الفاسدة، وفي حالة عدم السداد والتهرب من الدفع، تعطي سلطات لرؤساء الأحياء بالحجز علي هذه العقارات وبيعها لصالح الدولة. أما في حالة التقارير السلبية، بمعني أن اللجنة المشكلة للفحص أقرت بعدم الصلاحية للمبني، وأنه معرض للانهيار، فلابد في هذه الحالة من الهدم الفوري للطوابق المخالفة وذلك لسلامة أمن المواطنين، وبذلك نكون حققنا الهدف دون إهدار الحديد والأسمنت والرمل والطوب وكل مواد البناء التي استخدمت التي سيكون مآلها الإطاحة بها دون نفع من ورائها، وأيضاً تكون الدولة انتفعت بما فرض عليها كأمر واقع في أوقات انشغالها بأحداث لم تكن في الحسبان، وعلينا أن نعلم جيداً أنها أولاً وأخيراً هي إرادة الله، والله علي كل شيء قدير، فعال لما يريد. [email protected]