على مر الزمان والأحوال يمثل الجيش المصرى القلب الصلب للدولة المصرية يشاركه فى بعض الأحيان قوى سياسية تتراوح بين من يؤمن بالديمقراطية وحقوق الشعب مثل حزب الوفد فى الفترة الذهبية لمصر الحديثة منذ 1919 وحتى 1952 وقوى أخرى ديكتاتورية تتراوح بين الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى ثم الحزب الوطنى الفاسد ثم جماعة الإخوان الفاسدة أيضا! يعتقد البعض أن الدولة المصرية منذ مينا موحد القطرين وحتى الآن أنها جيش طلع له شعب؟ وبالرغم من غرابة هذا الطرح إلا أن التاريخ والجغرافيا والدراسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تثبت أن الجيش المصرى منذ قديم الأزل هو أكثر الجيوش حروباً وأن الشعب المصرى هو من أكثر الشعوب ثورة, وهى أمور تحتمل أن طول عمر الدولة المصرية منذ آلاف السنين قد أتاح لها هذه الخاصية من التغيير والتبديل فى الحكام والحدود والإمكانيات. ما يحدث الآن ليس صراعا بين قوى سياسية وحسب ولكنه فى حقيقة الأمر صراع بين القلب الصلب وهو المؤسسة العسكرية المصرية والقوى السياسية الحاكمة. منذ محمد على وحتى مبارك أيقن الحكام جميعهم عدا السادات فى أواخر سنوات حكمه ورجال مبارك بمشروع التوريث هذه الحقيقة وهذا الواقع. وبالرغم من أن القوى السياسية الحاكمة متمثلة فى جماعات سياسية متأسلمة وعلى رأسها جماعة الإخوان وحزبها العجيب الذى يتظاهر ضد حكومته فى سابقة فريدة من نوعها, قد بدأت حكمها بتأثير شعبى يتمثل فى 51% من الشعب إلا أن هذا التأييد فى تدهور مستمر ومتوالية تناقص بدأت حسابية وتنتهى هندسية مما يجعل صورتها سلبية بشدة عندما تفقد مقاعد الحكم؟ المؤسسة العسكرية المصرية تدير الصراع بذكاء حربى واستنزاف حقيقى لهذه القوى السياسية المتأسلمة وهى حتى الآن تكسب جولات الصراع بالنقاط ولا تحتاج إلى ضربة قاضية إلا إذا اضطرها الخصم لذلك حيث إنها تتحسب جيدا لنتائج الضربة القاضية وردود أفعالها محليا ودوليا. المشكلة الحقيقية ليست فى الطرف الذى يكسب النقاط وهو المؤسسة العسكرية ولكن كل المشكلة فى الطرف الذى يخسر بالنقاط وهو الجماعات السياسية المتأسلمة حيث إنها تعتقد أن استقطاب فئات من الشعب مثلها حدث فى عيد العمال والوعد بالسير فى طريق الرئيس عبدالناصر هو نوع من الفكاهة لأن ذلك يعنى اعتقال واعدام الكثير من هذه الجماعات وهو كان الطريق المفضل للرئيس عبدالناصر بجانب حماية حقوق العمال؟! يبدو أن البعض لايدرى عن التاريخ والسياسة شيئاً ولكن الحقيقة المرة لديهم انهم فى حال خسران بين مما يجعلهم يتشقلبون ويدعون مالا يؤمنون ؟! إن الموقف السياسى الحالى ليس فقط مرهونا بصعود التأييد للمؤسسة العسكرية و جبهة الانقاذ الوطنى وفى قلبها الصلب حزب الوفد الليبرالى العنيد ولكن أيضا سقوط الهالة الكاذبة حول الجماعات السياسية المتأسلمة وعلى رأسها جماعة الإخوان و هو يعنى أن السلطة الحائرة فى القاهرة الساحرة تسير بخطى ثابتة نحو استعاده المؤسسة العسكرية هيبتها وثقلها ووضعها الطبيعى والتاريخى والحقيقى وهو أنها القلب الصلب للدولة المصرية وأن الوفد وجبهة الإنقاذ بما يمثلونه من السياسة الحكيمة والحقيقية يمثل الرئة الصحيحة والصحية لتنفس هذا القلب ولحياة هذا الشعب. إن الجماعات السياسية المتأسلمة لم يعد أمامها سوى طريق واحد يجعل من خسارتها المحققة مكسبا مستقبليا لها ويوقف تدهور النظرة لهم وهو أن تقوم بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ممايسمح لها بالانسحاب الشرعى والدستورى والقانونى و يجعل من النظرة الشعبية المتدنية لها تتوقف عند فضيلة انسحابها من الصراع المحتدم الآن والذى إن فكر البعض فى استنساخ ماحدث فى ليبيا أو سوريا فإنه قد حكم على نفسه بالنفى المعنوى أو المادى أو كليهما. نعم إن المخرج الوحيد الآن أمام الجماعات السياسية المتأسلمة لتظل موجودة حتى وإن كان وجودها فى الهامش أو الظل هو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة بالرغم من تأكدهم من خسارتهم لها ولكنه يسمح لها بفضيلة واحدة وهى أنها عملت لصالح المصريين وصالحها ايضا بدلا من هذا الهراء الذى يفعلونه الآن. ربنا لا تؤخذنا بما فعل السفهاء منا.