تراجع كبير فى التبرع للمؤسسات الخيرية.. والخبراء: الظروف الاقتصادية أول الأسباب 7 مليارات جنيه حجم التبرعات سنوياً ل52 ألف جمعية أهلية فى مصر خبير اقتصادى: ارتفاع النصاب الشرعى للزكاة صدمة جديدة للجمعيات الأهلية على مدى تاريخهم تميز المصريون بالكرم والتنافس فى العطاء وبذل الخير، ولهذا كانت المفاجأة كبيرة خلال الأيام الماضية بإعلان مؤسسة سرطان الأطفال 57357 عن نقص التبرعات بشكل حاد خلال الفترة الأخيرة، ما دعا المواطنين إلى إطلاق حملة بعنوان «أنقذوا مستشفى 57357»، من أجل تشجيع وحث المجتمع على التبرع لهذا الصرح الذى أصبح مهدداً بالإغلاق. هذا الموقف أثار الجدل والتساؤلات حول أسباب نقص التبرعات خلال الفترة الأخيرة بشكل عام وليس لمستشفى السرطان فقط، وما الجهات المنوط بها مراقبة أموال المتبرعين فى هذه المؤسسات، وهل أصبحت هناك أزمة ثقة بين المواطنين وبعض المؤسسات الخيرية، وما مصير هذه المؤسسات التى تخدم ملايين المصريين إذا عجزت عن تقديم خدماتها؟ الخبراء أكدوا أن هناك أسباباً متعددة لنقص التبرعات بشكل عام وليس لمستشفى السرطان بشكل خاص، كان أهمها الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التى يمر بها الشعب المصرى خلال السنوات الأخيرة، وفقدان المواطنين المصداقية فى إدارات بعض المؤسسات الخيرية نتيجة إنفاقها أموال التبرعات فى غير مصارفها الشرعية أو الأغراض التى تم التبرع من أجلها، إضافة إلى ارتفاع النصاب الشرعى للزكاة بعد انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الذهب، الذى أدى بدوره إلى نقص أموال الزكاة، مطالبين بتشديد الرقابة على المؤسسات الأهلية والخيرية خلال الفترة المقبلة. ووفقاً لأحكام قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى الصادر بالقانون رقم 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية، تقوم وزارة التضامن الاجتماعى بالإشراف والتفتيش والمتابعة على الجمعيات والمؤسسات الأهلية المقيدة بها بصفة عامة، وبصفة خاصة على تلك التى تحصل على تمويلات أو تراخيص جمع مال من خلال تنفيذ آلية للمراجعة والمتابعة الميدانية، للتأكد من قيامها بصرف الأموال فى الغرض المخصص لها لتقييم أدائها فى هذا الشأن. وكانت نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، قالت خلال جلسة سابقة لمجلس الشيوخ إن الدولة ومؤسساتها تراقب أموال التبرعات وتتابعها وتعلن الأمر بشفافية أمام الرأى العام، مشيرة إلى أن الوزارة لديها أدوات رقابة وحوكمة وتعمل بالتنسيق مع الأجهزة الرقابة مثل الجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية لمراقبة المؤسسات الأهلية. وحول آليات رقابة ومتابعة تمويل المؤسسات، لفتت القباج إلى أنه يتم التحقق من صرف الأموال فى الغرض المخصص لها، وتقديم كشف حساب بأوجه الإنفاق، وتسجيل بيانات المستفيدين للتأكد من وصول الدعم لمستحقيه من خلال الرقمنة التى ساعدت على الحصر وتوفير البيانات. وأكدت أن متابعة العمل الأهلى يتم وفق قواعد الشفافية والعلانية والإفصاح، حيث إن الجمعيات تتعرض للفحص المالى والإدارى بشكل دورى، وتتم توعية العاملين بالجمعيات بآليات الحوكمة وأى مخالفات تحال للقضاء فوراً. ووفقاً لتصريحات سابقة لمساعد وزيرة التضامن الاجتماعى لشئون العمل الأهلى، أيمن عبدالموجود، فإن عدد الجمعيات الأهلية المسجلة فى مصر يبلغ نحو 52 ألفاً و500 جمعية ومؤسسة. وقد بلغ حجم المنح والتبرعات الواردة من الجهات المانحة إلى الجمعيات والمؤسسات الأهلية، منذ صدور اللائحة التنفيذية للقانون الجديد فى 2021، نحو 2 مليار و222 مليون جنيه، وبلغ حجم التبرعات من خلال تراخيص جمع المال على مستوى الجمهورية 4 مليارات و997 مليون جنيه، وفقاً لطلب قدمته النائبة سها سعيد عضو مجلس الشيوخ فى جلسة سابقة للمجلس. وقال الخبير الاقتصادى وائل النحاس إن الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها المواطن المصرى بالتأكيد هى أحد الأسباب الرئيسية فى قلة التبرعات للمؤسسات والجمعيات الخيرية، لكن هناك أسباباً وصدمات أخرى ستقف عقبة أمام التبرعات خلال الفترة المقبلة. وأضاف النحاس أن من أهمها ارتفاع النصاب الشرعى للزكاة بعد انخفاض قيمة العملة، وبالتالى تحصيل قيمة التبرعات ستنخفض بشكل كبير، لأنه من المعروف أن النصاب الشرعى للزكاة يتم احتسابه وفقاً لامتلاك الذهب بنحو 80 جراماً، ومع ارتفاع أسعار الذهب لأرقام قياسية بسبب ارتفاع أسعار الدولار سيكون النصاب القانونى أو الشرعى للزكاة أكبر كثيراً من نصاب الأعوام الماضية، وبالتالى قيمة الزكاة نفسها سنتخفض بشدة قائلاً «لو افترضنا تثبيت سعر جرام الذهب عند 1500 جنيه.. يبقى النصاب القانون للزكاة نحو 120 أو130 ألف جنيه.. وهو رقم صعب على كثير من المواطنين تحقيقه.. وما سيتسبب فى خفض قيمة الزكاة». وأوضح الخبير الاقتصادى أن من ضمن أسباب نقص التبرعات أيضاً فقدان المواطنين المصداقية والثقة فى بعض المؤسسات الخيرية التى يتبرعون لها، لأن المواطن وجد أن أموال تبرعاته تذهب فى غير أهدافها التى تبرع من أجلها، ووجدنا بعض المؤسسات الخيرية تمول مسلسلات تليفزيونية وترعى برامج طبخ فى الإذاعة، وتنظم مؤتمرات حكومية ليست لها علاقة بها، وغيرها من الأشياء التى ظهرت على السطح فى الفترة الأخيرة، ما أدى إلى فقدان الثقة والمصداقية فى هذه المؤسسات، لأن المواطن وجد أمواله يحصل عليها الممثل الفلانى والبرنامج الفلانى، ولا تذهب للمصارف الشرعية التى يجب أن تكون فيها. وأشار إلى أن هذه الأمور كانت نوعاً من أنواع السفه والبذخ فى الإنفاق، أدت إلى فقدان حلقة الوصل بين المتبرع والجهة التى يتبرع لها، لأنها حولت مسار التبرعات وجعلتها فى أهداف غير الأهداف المنوط بها، موضحاً أن هناك اختلافاً بين مشروعات الدولة ومشروعات تبنى الخير، فلا يصح أن تقوم جهة خيرية ما بتمويل مشروع حكومى بأموال التبرعات بدلاً من إنفاقها على المصارف الشرعية الخاصة بها، لأن ذلك ليس دورها وإنما دور الحكومة، قائلاً «أنا لو اتبرعت لمستشفى ما أو جمعية لأطفال الشوارع مثلاً.. ووجدت المستشفى أو الجمعية تدخل بفلوسى فى مشروعات إسكان أو تطوير عشوائيات لازم بعد كده مش هتبرع تانى ليها، لأنها خرجت عن الهدف اللى أنا اتبرعت من أجله». ولذلك حدث خلط بين دور الدولة ودور المؤسسات الخيرية فى التكافل الاجتماعى، حتى لو كانت الأهداف والنوايا سليمة، ما أثر بالسلب على حجم التبرعات، لأن فلسفة المواطن للخير مختلفة عن فلسفة الدولة ويجب احترامها. وحول دور الجهات الرقابية على المؤسسات الخيرية، قال إن الرقابة موجودة على الورق فقط، وطالما الورق سليم ستسير الأمور بشكل طبيعى ولن تحدث مشاكل. أما فيما يخص حلول إحياء التبرعات وعودة الثقة من جديد بين المواطن والمؤسسات الخيرية، أكد النحاس أنه يجب إعطاء المواطن دلائل ومؤشرات على أن أمواله تذهب فى المكان الصحيح، والبداية تكون من خلال البنوك والجمعيات نفسها، عن طريق إرسال رسالة تأكيد بعد التبرع مباشرة من الجهة التى تم التبرع لها بأن المبلغ وصل إليها، ثم بعد ذلك يتم إعلام هذا المتبرع بالمجال الذى تم صرف أمواله فيه، حتى يتأكد وتعود إليه الثقة من جديد. وحول التوقعات الخاصة بالتبرعات خلال شهر رمضان المقبل، قال إنه للأسف سوف يكون هناك انخفاض كبير فى حجم التبرعات المعتادة فى هذا الشهر، بسبب الحالة الاقتصادية السيئة التى يعانى منها الشعب المصرى الآن، سواء للطبقة الغنية أو المتوسطة، وسيكون للنصاب الشرعى للزكاة دور كبير فى هذا الانخفاض، وهنا يأتى دور علماء الدين فى حث المواطنين على التصدق بدلاً من الزكاة، لأن الصدقات ليست مرتبطة بنصاب شرعى، وبالتالى يمكن التصدق بأى مبلغ سواء كان صغيراً أو كبيراً. وقال الدكتور حسن الخولى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن نقص التبرعات مسألة مرتبطة بشكل أساسى بالظروف الاقتصادية للمواطنين بعد ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة. وأوضح الخولى أنه بسبب ذلك تنخفض فرص التبرع، لأن هناك ترتيباً للأولويات عند المواطنين، ومن كان يتبرع بمبلغ ما أصبح هو نفسه فى حاجة إلى هذا المبلغ، وبالتالى يقوم بإنفاقه على أسرته، وعندما يكون الأمر متيسراً بالنسبة له فإنه يقوم بالتبرع. وأشار أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إلى أن هذا الأمر مؤقت ومرتبط بظروف معينة، ومع اختفاء هذه الظروف ستعود الأمور لطبيعتها المعتادة، موضحاً أنه قد تكون هناك أزمة ثقة بين المواطنين وبعض المؤسسات الخيرية أدت إلى نقص التبرعات، لكن كثيراً من المتبرعين لا يهمهم أين تم صرف تبرعاتهم بالضبط، لأن نيتهم عند التبرع كانت لله وبالتالى الجهة التى أنفقت هذه التبرعات هى المسئولة أمام الله عنها. وأكد الخولى أن نقص التبرعات سيكون له تأثير سلبى على المجتمع لأن الخدمة التى كانت تقدمها الجهة أو المؤسسة الخيرية التى يتم التبرع لها لن تكون موجودة فيما بعد بنفس الشكل، وبالتالى سيعانى المواطنون الذين كانوا يعتمدون على هذه الخدمة، سواء كانت خدمة طبية أو اقتصادية أو اجتماعية، لأنه كلما قلت الموارد قلت الخدمات المقدمة ويضيق الخناق على المواطنين المحتاجين. وفيما يتعلق بحلول هذه المشكلة، أشار إلى أنها ستكون من خلال تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية للمواطنين، أو تدخل الحكومة من خلال فرض ضرائب أكثر على الأغنياء تحت أى مسمى لصالح استمرار هذه المؤسسات الخيرية التى تقدم خدمات للمحتاجين لتعويض النقص فى التبرعات. أما إذا كان الأمر متعلقاً بأزمة ثقة بين المواطنين والمؤسسات الخيرية، فإن الحلول ستكون صعبة لأن التبرع عمل تطوعى وليس إجبارياً، وبالتالى من فقد الثقة فى مؤسسة ما لن يتبرع لها فيما بعد. وقال الدكتور طلعت عبدالقوى، عضو مجلس النواب رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، إن وزارة التضامن الاجتماعى هى المعنية بمراجعة ومراقبة كل الأمور الخاصة بالمؤسسات الخيرية الأهلية، بجانب بعض الأجهزة الحكومية مثل الجهاز المركزى للمحاسبات. وأوضح عبدالقوى أنه فى حالة تعثر المؤسسات الخيرية هناك صندوق لدعم مشروعات الجمعيات الأهلية، وهو صندوق أهلى من الممكن أن يدعم المؤسسات الخيرية فى حالة تعثرها مالياً، بشرط أن تكون هذه المؤسسة جادة ولها دور قوى فى المجتمع، لكن هذا الدعم ليس مستمراً إلى ما لا نهاية، لأنه إذا وجد أن المؤسسة التى يدعمها ليست قادرة على القيام بدورها وعجزت عن أداء نشاطها من الممكن أن يتم حلها بشكل قانونى سواء لعجز مالى أو إدارى أو غير ذلك. وأشار إلى أنه فى حالة إذا كانت هناك جمعية خيرية للأيتام مثلاً وأصبحت مصاريفها أكثر من إيراداتها والدعم لن يجدى نفعاً معها ولن تستطيع الوفاء بالتزاماتها، فإن الحل هنا يكون إما التوقف الاختيارى من أصحاب المؤسسة أو الجمعية، أو التوقف بحكم القانون وحل الجمعية أو المؤسسة عن طريق القضاء، لأن الجمعية أو المؤسسة قائمة على التبرعات وإذا انخفضت هذه التبرعات لفترة طويلة فستعجز عن أداء مهامها. وحول أسباب نقص التبرعات، لفت عبدالقوى إلى أن حجم التبرعات يتأثر سلباً أو إيجاباً بالظروف الاقتصادية لأى دولة على مستوى العالم وليس مصر فقط، حتى المؤسسات الدولية ذاتها تتأثر بالظروف الاقتصادية العالمية، وعندما تحدث حروب أو أوبئة مثلا تؤثر على حجم التبرعات لهذه المؤسسات الدولية، ولذلك فالأمر متعلق أكثر بالظروف الاقتصادية محلياً وعالمياً وطبقاً لفقه الأولويات الخاص بكل مواطن أيضاً. وعن إمكانية إعلان مؤسسات خيرية كبرى عن مشاكل فى حجم التبرعات الفترة المقبلة عقب مستشفى 57357، قال إن مؤسسة 57357 لها وضع خاص، لأن علاج الأورام هو أغلى علاج يتم إعطاؤه للمرضى مقارنة بالتخصصات الأخرى، ولذلك فإن الجمعيات والمؤسسات الأخرى لن تعانى بنفس القدر الفترة المقبلة وستتعايش مع الوضع الاقتصادى.