قرأت أمس في جريدة «الوفد» تحقيقا للزميلة «سناء حشيش» حمل إلينا خبرا يبشر بأن رمضان المقبل سوف يشهد انطلاق أول قناة فضائية متحدثة باسم الأزهر الشريف لعلماء الدين الحقيقيين للدفاع عن الإسلام، ومقاومة القنوات الفضائية التي تبث معلومات وأفكاراً مغلوطة تحت شعار الدين، وأعلن الإمام الأكبر شيخ الأزهر أنه تم جمع أموال القناة الجديدة، مؤكدا أنها تحمل فكر الأزهر الوسطي المعتدل لمواجهة الأفكار المتشددة المتطرفة، لافتا إلي أن فكرة إنشاء القناة الأزهرية تحد من فوضي الفتاوي، واستعرض تحقيق الزميلة أسلوب عمل القناة كما يراه الأزهر، ثم ترحيب كوكبة من علماء الأزهر بإنشاء هذه القناة، وعن كاتب هذه السطور فإنني قد اعتبرت أن الخبر الذي حمل فكرة إنشاء القناة هو عمل جدير بالاحترام، وخطوة علي طريق ينبغي أن يقطعه الأزهر الشريف حتي يصل إلي قطع الطريق علي «فوضي الفتاوي» التي شاعت إلي درجة أن الناس أصبحوا في حالة من الارتباك الشديد إزاء ما يصلهم من الفتاوي التي تتضارب وتتناقض مع بعضها البعض!، وأضيف إلي ذلك أنني لا أعرف - ولا يعرف غيري - أي ترخيص يسوغ لكل من تري قناة فضائية تقديمه في أحاديث منتظمة تفتي الناس في شئون الدنيا والدين!، ثم تكون هذه الحصيلة من الفتاوي والأحاديث والشروح مجال عمل تجاري مطبوع علي اشرطة الفيديو والتسجيل الصوتي فقط لتباع كلما لاحت مناسبة دينية كمواسم العمرة والحج والأعياد الدينية!، كما يتحول أصحاب الوجوه التي تنهال علي رؤوس الناس بشتي الفتاوي إلي إدراجهم في إعلانات العمرة بتبشير المشاهدين أنهم سوف يؤدون العمرة بصحبة الشيخ فلان!، وبالمناسبة فإن لقب «الشيخ» هذا قد أصبح يلحق علي وجوه وأسماء هي من اكتشاف بعض القنوات الفضائية التي تقدم هؤلاء بعبارات الإجلال والتعظيم دون مقتضي!، ولا تكلف أي قناة منها خاطرها لتقدم للناس مؤهلات «شيخها» في مجال الدعوة الإسلامية والفتوي!، بل هي تقدمه بالطريقة التي تراها دون اعتبار للمعلومات الخاصة بهذا الشيخ وأهميتها عند مشاهديها!، بل يكفيهم فقط - من وجهة نظر القناة - أخذ ما يجود به الشيخ من المعلومات علي أنه من المسلمات!. وقد قرأت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «ما جلست للفتيا إلا بعد أن درست علي يد أربعين شيخا حتي جلست»!، فما هذا الاجتراء من كل من هب ودب ليصبح مفتيا وداعية ما دام قد وجد بغيته في قناة فضائية تقطعه مساحة من ساعات بثها، وليعاد ما تفضل به هذا مرة أخري علي من لم يتابع البث الأصلي!، وفي مصر - كما نعرف - دار الافتاء الرسمية ومفتيها الجليل الذي جاء إلي مقعده بالانتخاب، ومعني هذا أن العلماء قد أقروا أن يكون الرجل في مقعد المفتي، بقدر ما قضي الرجل عمره في تحصيل شتي علوم الدين الإسلامي، فكيف لا يكون لدار الافتاء ولاية علي من يجلسون لفتوي الناس!، ولقد قرأت في تحقيق الزميلة سناء حشيش أن القناة الفضائية الأزهرية ستتصدي بمتابعة يومية ورصد لجميع الفتاوي التي تصدر من الفضائيات الأخري وتصويبها وتخطئتها، كما تسير القناة الأزهرية علي نهج في تنظيم الفتاوي، وقصرها علي هيئة كبار العلماء وليس لغيرهم الاقتراب منها، ثم توحيد جهة إصدار وتصحيح الفتاوي، وجمع وتنقية وتنقيح كل ما يصدر من فتاوي في مختلف القنوات الفضائية والرد عليها وتصحيحها، فإذا كان هذا ما سيكون شغل القناة الفضائية الأزهرية، فإنه لابد من آلية ملزمة لكافة وسائل الإعلام بألا يكون ضيوفها من الدعاة والشيوخ يفتون الناس غير متخصصين أجازت أهليتهم اللجنة التي شكلها المفتي السابق د. علي جمعة لإعداد مفتين متخصصين في شئون الفتوي.