قد تختلف نظرتك إلى الحياة عندما تستمع إلى كورال من المسنين ينشدون بكل بهجة وإقبال على الحياة، بل ستقبل أنت أيضاً على الحياة إن علمت أنهم لا يتخذون الغناء ترفيها لهم فحسب، بل يرفهون عن الأيتام وغيرهم من المسنين والمعاقين . ولا تتعجب إن سمعت من يقول إن الحياة تبدأ بعد الستين، فالوحدة القاتلة تجبر المسنين على ممارسة هواياتهم القديمة.. من عزف وغناء ورسم وانخراط في العمل الاجتماعي الذي لم تسمح به ظروف الحياة والعمل من قبل. الجميل في الأمر أن بعض الجمعيات الاجتماعية المهتمة بشئون الأسرة توفر تلك الأنشطة والهوايات للمسنين كنوع من الرعاية والترفيه، مثل " الجمعية المصرية لتدعيم الأسرة" التي أنشأتها الراحلة د.سوسن عثمان، رائدة العمل الاجتماعي، وأستاذ ورئيس قسم تنظيم المجتمع بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية. تقول سوسن صلاح ،مسئول اللجنة الفنية بالجمعية وأحد أعضاء الكورال، إن الفن حياة.. وكثير من المسنين يجدون حياتهم في الغناء الذي كان هوايتهم ولم يسمح لهم الزمن بممارستها، ولما أتيحت لهم الفرصة أصبحوا يستمتعون بها ويمتعون الآخرين . وتضيف أن المشاركة الفنية للمسنين لا تقتصر على الكورال فقط ، فمنهم من يعزفون على الآلات ، ومنهم من يرسمون وتقيم لهم الجمعية المعارض الفنية ، ومنهم من يجيدون الأعمال اليدوية وتقام لهم المعارض الخيرية . أما صفية قناوي ، فموهبتها هي الشعر وتؤكد أنها لا تستطيع الحياة دونه ، وقد تفجرت لديها الموهبة منذ هاجرت إلى أمريكا مع زوجها، ومازالت تكتب الشعر في المناسبات الوطنية وتلقيه على أصدقائها في حفلات الجمعية ، أما موهبة الغناء في الكورال فقد اكتشفتها مؤخراً . ندوات ثقافية وطبية من نائب رئيس الشئون القانونية بشركة السكر ( درجة وكيل وزارة) إلى مقرر اللجنة الثقافية بالجمعية المصرية لتدعيم الأسرة ، هكذا تحايل حلمي عبد السلام على فراغه بعد إحالته على المعاش وفقدان وظيفته التي كان يعشقها. يقول : كاد الفراغ يقتلني بعد خروجي على المعاش، فالأولاد تزوجوا وأصبح المنزل لا يضم غيري و زوجتي ، فكرت أن أفتح مكتباً للمحاماة كي أشغل فراغي إلا أنه بعد تفكير عميق وجدت أنني في حاجة أكثر إلى الانخراط في العمل الاجتماعي وإشباع هوايات لم يتح لي الوقت الاهتمام بها ، وبالفعل توجهت إلى الجمعية المصرية لرعاية الأسرة وبدأت في ممارسة النشاط الاجتماعي والثقافي بإدارة ندوات واستضافة الضيوف، بعدها شعرت أنني أقوم بعمل أحبه ولم يجد الملل سبيلاً إليّ . يستمتع حلمي عبد السلام كثيراً بتحرير أخبار مجلة الجمعية الخاصة بأنشتطها ، ويستمتع أكثر عندما يكتب بعض التحقيقات الاجتماعية، كما يفيد بأن المسنين بصفة عامة يستمتعون بالأنشطة الثقافية القريبة من اهتماماتهم، مثل الندوات الصحية التي تتناول الطرق الصحيحة لتغذية المسن والتوعية بالأمراض المستحدثة مثل أنفلونزا الخنازير ، بالإضافة إلى الندوات الدينية التي تهتم بمناسك الحج والعمرة والشرح لكيفية الأداء بالصور، وغالباً ما يكون متوسط الحضور 50 مسنا وقد يصل إلى 300 . توازن نفسي يشجع الدكتور أحمد عبدالله ،أستاذ الطب النفسي، ممارسة الهوايات والأنشطة الاجتماع ية للمسنين، ويقول : من الطبيعي ألا يتوقف الإنسان عن ممارسة هوايته، إلا أن العودة إليها في مرحلة الشيخوخة أو التقدم في العمر تمثل درعاً واقياُ من الأمراض النفسية الشائعة في تلك المرحلة كالاكتئاب، كما تعمل على تنشيط ذاكرة وتركيز المسن، فضلا عن أن تلك الأنشطة تجعلهم ينخرطون في التواصل الاجتماعي بدلاً من الوحدة التي يعانون منها وهذا أمر هام جداً من أجل صحتهم النفسية . ويحذر أستاذ الطب النفسي من حجب المسنين عن ممارسة تلك النشاطات، مؤكداً أن من لا يمارسونها يكونون أكثر عرضة للضغوط اليومية والاكتئاب وفقدان الذاكرة، خاصة وأنه مع التقدم في العمر تبدأ الأمراض الجسمانية في الظهور مما قد يؤدي بالمسن إلى الاكتئاب السريع. لذا ينصح الأبناء بضرورة مساعدة آبائهم في ممارسة هواياتهم مرة أخرى من أجل توازن صحتهم النفسية والجسدية .