أثارت مباراة لاختيار ضباط في وزارة الداخلية جدلاً واسعاً في تونس، لتضمنها أسئلة دينية عميقة دفعت بعض الأوساط إلى الحديث عن بداية "أسلمة" الجهاز الأمني في البلاد التي يحكمها إئتلاف تقوده حركة "النهضة" الإسلامية. ومن بين الأسئلة الدينية التي طرحتها إدارة التكوين التابعة لإدارة الحرس الوطني لانتداب الضباط: ماذا تعني الصفا والمروة؟ ما هي أطول سورة في القرآن الكريم؟ كم عدد القراءات الصحيحة للقرآن الكريم؟ من أول من جمع القرآن الكريم وكتبه؟ كم سنة استغرق نزول القرآن الكريم؟ من أول امرأة قُطعت يدها بجرم السرقة؟ وأكدت وزارة الداخلية، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على موقع "فايسبوك"، صحة وثائق الاختبار المسرّبة، مضيفة أن مجموع الأسئلة التي تم طرحها بلغ 60 سؤالاً في الرياضة والتاريخ والجغرافيا والعلوم والفن، ومن بينها أسئلة تتعلق بالدين الإسلامي. واعتبرت الوزارة أن "هذا لا يعدو إلا أن يكون من باب الأسئلة المتعلقة بالثقافة العامة، ومحاولة فصلها عن المضمون العام للاختبار هو من باب القراءة الخاطئة". وفي السياق نفسه استغرب شكري حمادة عضو المكتب التنفيذي لنقابة قوات الأمن الداخلي في تصريح إلى "الحياة" من حملة التشكيك في "حيادية" الوزارة، معتبراً "أن المناظرة (المباراة) تضمنت أسئلة دينية وأسئلة غير دينية في كل المجالات"، وشدد على "أن الإسلام هو من مكوّنات الشعب التونسي. وبالتالي ليس من العيب تضمن الامتحان أسئلة دينية باعتبار أن التربية الإسلامية تُدرّس في المدارس والمعاهد والجامعات، ولا مشكلة في ذلك". في المقابل عبّر يسري الدالي الخبير الأمني والمدير السابق لوحدة الدراسات وتطوير الكفاءات الأمنية في تصريح إلى "الحياة" عن صدمته لما تضمنته المناظرة من أسئلة، ووصفها بأنها لا تتماشى مع الرتب الأمنية المطلوبة بغض النظر عن وجود أسئلة دينية من عدمها. وفسّر الدالي، الذي كان يشرف على إعداد الأسئلة المتعلقة بمناظرات التوظيف في وزارة الداخلية، بأن "طريقة طرح الأسئلة غريبة وغير مبررة باعتبار أنها لا تستجيب متطلبات العمل الأمني، مضيفاً أن الوزارة في عهد النظام السابق كانت تضع أسئلة دينية في مناظراتها، لكن هذه الأسئلة كانت تتعلق بالبطولات الإسلامية مثل الحديث عن خالد بن الوليد أو طارق بن زياد وكل الأسئلة التي من شأنها أن ترسّخ عقيدة أمنية صلبة لدى الأعوان والضباط". وتساءل، في الوقت نفسه، عن المغزى من وضع أسئلة تتعلق بقطع يد السارق. لكنه استبعد أن تكون الحكومة أو حركة "النهضة" وراء إدراج هذا النوع من الأسئلة، مرجّحاً فرضية أن تقوم بذلك قيادات أمنية بغاية التقرب من الحكّام الجدد في البلاد. ولم يستبعد "أن يتم توجيه أسئلة تتعلق بالماركسية أو تشي غيفارا لو كان الحزب الحاكم يسارياً". ويواجه السلك الأمني في تونس انتقادات واسعة واتهامات بموالاته للحكّام بخاصة منذ تولي حركة "النهضة" الحكم، بالإضافة إلى التعيينات التي قام بها وزير الداخلية السابق رئيس الحكومة الحالي علي العريض والتي اعتبرها عدد من المراقبين بأنها تهدف إلى ضمان سيطرة "النهضة" على الجهاز الأمني. وعلى رغم أن وزير الداخلية الجديد لطفي بن جدو لا ينتمي إلى أي حزب، وهو قاض معروف بحياده، إلا أن موجة الانتقاد ل "عدم حيادية" وزارة الداخلية لم تتوقف من الناشطين والمعارضين. ويُذكر أن وزير الداخلية (المستقل) قام بتحركات عدة اعتبرها بعضهم إيجابية ومن بينها حمايته لاجتماع حركة "نداء تونس" وقيامه بتغيير شامل على مستوى أمن المطار إثر نشر أحد المواقع الالكترونية لتحقيق تحدّث عن وجود "جهاز أمن مواز" في مطار تونسقرطاج الدولي.