صليب منقوش على راحة ومسبحة تهتز بخفة فى يد.. يتابعان ما يجرى بحيادية الزاهد فى خوض صراع لا ينتهى سوى بإراقة دماء مصريين. عقود عدة عايش خلالها الصليب والمسبحة خلافات بين مسلمين وأقباط تحت مسمى الفتنة الطائفية، التى تنتهى بتقبيل لحى الشيوخ والقساوسة واتهام جهات خارجية بتأجيج الصراع بين الطرفين لتحقيق مصالح بعينها، ثم عرض أغنيات بالتليفزيون الرسمى تعبر عن التلاحم الوطنى بين عنصرى الأمة. واعتاد المصريون على مسمى الفتنة الطائفية وترسخ فى الأذهان أنه يُقصر الصراع بين أقباط ومسلمين فقط منذ أحداث الخانكة فى بداية سبعينيات القرن الماضى، لكن خلال العامين الماضيين حدث تطور للمفهوم فبات يشمل التناحر بين الشيعة والصوفية من جانب والسلفيين كطرف مضاد، بفعل ظروف عدة أهمها تغير السلطة الحاكمة بعد ثورة 25 يناير وبالتالى الأيدولوجية السياسية ومن ثم الأهداف التى تسعى لتحقيقها. والمدقق فى تاريخ العلاقة السلفية الشيعية يدرك أنها ترتبط بمرمى المصالح السياسية للبلدان التى تؤوى الطرفين فتارة يشوبها الفتور وأخرى العداء وأوقات المصالحة، إلا أن تكريس المفهوم الطائفى بين الشيعة والسلفيين داخل مصر، زاد مع عودة العلاقات بين القاهرةوطهران عقب وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة وهو ما اعتبره المنتمين للتيار السلفى بمثابة لطمة من حليفته التى تربعت على سدة الحكم وتناست دعمه لمرشحها خلال الانتخابات الرئاسية. وحشد السلفيون أنفسهم ليوقفوا الخطر التشيع عبر شيوخ الفضائيات الدينية الذين تفرغوا لتكفير المتشيعين وتنظيم وقفات احتجاجية ومؤتمرات جماهيرية لحشد الرأى العام ضدهم إلى أن تطور الأمر لحد تهديد الشيعة بالقتل والدولة بحصار المطارات حال استمرار وصول أفواج سياحية من طهران ثم اختتموا تصرفاتهم بمحاولة اقتحام منزل القائم بأعمال السفير الإيرانى بالقاهرة وهو ما قابلته الحكومة بإعلان وزير السياحة هشام زعزوع بتعليق السياحة الإيرانية لحين حل الأزمة مع المنتمين للتيار السلفى. ولم يصمت أنصار المذهب الشيعى فخرجوا عبر وسائل الإعلام ليتهموا السلفية بتنفيذ مخطط خارجى وتلقى أموال خليجية لنشر الفكر الوهابى المتشدد، إلى جانب تقديمهم بلاغات للنائب العام ضد عدد من السلفيين والتهديد بتدويل القضية إذا ما لم يشعروا بالحماية محملين رئيس الجمهورية مسئولية أى اعتداءات عليهم. ويزداد الأمر لغطاً مع ميوعة موقف الرئيس محمد مرسى من الصراع السلفى - الشيعى ففى الوقت الذى أكد خلال حملته الانتخابية على وقف المد الشيعى وتأكيده بعد توليه الرئاسة أن مصر دولة سنية، سمح بعودة العلاقات السياسية والاقتصادية مع الجمهورية الشيعية بعد قطيعة استمرت 34 عاماً. ولأن أنصار التيار السلفى يعتبرون المغالة فى حب آل البيت وزيارة مراقد أولياء الله الصالحين بوابة للتشيع فقد بدأوا حربا علنية على المتصوفة وصلت إلي حد تكفيرهم بالإضافة إلى حوادث هدم عدد من الأضرحة الصوفية التى أشارت أصابع الاتهام إلى متشددين بارتكابها، وهو ما لم يصمت أمامه شيوخ الصوفية فبادلوهم الاتهام بالتكفير ونظموا مسيرات ضد التشدد وتدعو لتأييد الأزهر الشريف كمؤسسة ذات منهج معتدل يعبر عن وسطية الإسلام، ثم أعلن مؤخراً الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية إحدى اكبر الطرق الصوفية فى مصر عن تأسيس منظمة عالمية للتصوف تهدف لصد الخطر السلفى عن العالم الإسلامى بأثره. وبذلك يكون دخل تحت مظلة الفتنة الطائفية الشيعة والصوفية والسلفية إلى جانب الأقباط فى ظل حكم الإسلاميين الذين ظهروا عاجزين عن رأب صدع جدار الوحدة بين طوائف الوطن، لتعيش البلاد على شفا هوة الحرب الأهلية كما أكد المدققون فى المشهد السياسى الراهن. يرى محمود جابر الناشط الشيعى أن نظام الرئيس محمد مرسى يعانى من عدم استيعاب التنوع الاجتماعى ويستهدف جميع طوائف المجتمعية التى لا تتوافق معه، فيخونها ويتهمها بالعمالة ثم يكفرها، مستخدماً فى ذلك الشأن التيار السلفى المتشدد، وهو ما فتح أفرعا جديدة للفتنة الطائفية بين السلفيين والشيعة. ويشير إلى أن تأكيدات «مرسى» خلال زيارته لطهران الخاصة بكون مصر دولة سنية كان بمثابة إذن للسلفيين بالهجوم على الشيعة المصريين، متهماً النظام الحاكم بإشاعة الإرهاب فى الدولة وممارسة الفاشية لإسكات المعارضين. ويلفت الناشط الشيعى إلى كثرة الاعتداءات على الكنائس منذ تولى المتأسلمين السلطة بسبب فشلهم فى إدارة شئون البلاد، مؤكداً أن التعدى على الكاتدرائية الأرثوذكيسة بما لها من قيمة عظيمة فى نفوس الأقباط يعد وصمة عار فى تاريخ «مرسى» الرئاسى. ورغم تحميل «جابر» النظام الحالى مسئولية تأجج الصراع السلفى الشيعى إلا أنه يتطرق إلى تاريخ الخلاف بين الطرفين الذى امتد على مدار قرون عديدة لخدمة دولة آل سعود فى شبه الجزيرة العربية إلى أن تمدد إلى مصر، موضحاً أن السلفيين هم الخوارج الذين كفروا الإمام على والسيدة عائشة ومعظم عظماء الإسلام وحملوا السلاح فى وجه كل من يخالف معتقداتهم التى ترمى لتحقيق مصالح سياسية بالأساس، ويضيف: «أنهم يحتكمون للفكر البرجماتى النفعى فلو وجدوا أن العلاقة بإسرائيل ستعود بالنفع عليهم لأقاموها دون خجل بل وبرروا ذلك بأسانيد دينية». ويؤكد الناشط الشيعي أن الدولة عليها التعامل مع المواطنين على أساس مدنى مطلق وليس بناء على اعتبارات دينية. فيما يصف محمود حامد المتحدث باسم التيار المصرى الشيعى، الفتنة بين الأقباط والمسلمين أو الشيعة والسلفيين بالمفتعلة لاستمرار حالة عدم الاستقرار الأمنى الاقتصادى والاجتماعى، مشيراً فى الوقت نفسه إلى تراخى مسئولى الدولة فى حل الأزمات الطائفية. ويستبعد «حامد» دور جماعة الإخوان المسلمين فى تأجيج الصراع السلفى الشيعى، مؤكداً أن الفكر الوهابى المتشدد هو الذى أدى للصدام وأثار البلبلة، مضيفاً أن التشيع سينتشر على أيدى السلفيين بطريق غير مباشر فكثرة الحديث عنه سيدفع المصريين للقراءة والتعرف بقرب عنه. ويقول المتحدث باسم التيار المصرى الشيعى، إن السلفيين دعموا «مرسى» فى الانتخابات الرئاسية بشروط أهمها وقف المد الشيعى، متوقعاً حدوث صدام سلفى إخوانى فى وقت قريب، ويلفت إلى فتوى الشيخ السلفى ابن باز التى تؤكد أن جميع الجماعات والمذاهب الإسلامية فى النار بما فيها جماعة الإخوان المسلمين ما عدا مذهبهم المتشدد. من جانبه يعتبر الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية، الصراع الصوفى السلفى بمثابة تغطية على فشل النظام الحاكم فى ادارة شئون البلاد، محذراً من اندلاع حرب أهلية حال استمرار الأوضاع على نفس المسار المنحدر، ويضيف : «الرئيس وجماعته ينفذون سياسة مفادها أن أسلم حل للبقاء أطول فترة ممكنة فى الحكم هو استمرار النزاع الطائفى كما كان يفعل الرئيس المخلوع حسنى مبارك». ويقول «أبو العزائم» إن المنتمين للتيار السلفى ينجرفون وراء الإخوان المسلمين وينفذون خططهم الرامية للسيطرة على الدولة، متهماً الطرفين باتباع البدع التى ستودى بهم إلى النار من أجل تحقيق مصالحهم. ويتفق مع شيخ الطريقة العزمية، مصطفى زايد منسق ائتلاف الطرق الصوفية، فيؤكد أن الإخوان نجحوا فى إثارة الفتنة بين عدة أطراف مجتمعية، لكنه فى الوقت نفسه يرى أن هناك بالفعل خلافا قائما بين الصوفية والسلفية إلا أن الاحتقان بين الطرفين وصل لذروته مع وصول الجماعة الحكم واتباع سياسات طائفية. ويحذر «زايد» من تفاقم الأوضاع التى تأخذ الوطن ناحية الحرب الأهلية، داعياً كل الأطراف المعنية والقوى السياسية والحركات الثورية إلى الوقوف صفاً واحداً للتصدى إلى مخطط افشاء الفوضى فى البلاد، ويشير إلى إمكانية إجراء حوار وطنى بين المتواجدين فى المشهد الحالى لسد الطريق أمام المخطط الإخوانى.