يوماً بعد يوم تسقط الأقنعة، وينكشف ما وراءها، ونكتشف أن الوضع فى مصر يسير من سيئ إلى أسوأ، ليس على المستوى السياسى فقط، ولكن على المستوى الفنى أيضاً، فالكيان الذى من أهدافه الحفاظ على التراث، وعلى سمعة مصر الفنية، هو نفسه الذى يفرط فيه، ويسمح للآخرين بالعبث به، وتشويهه وتحويله إلى عمل هزلى، لقد طرحنا الخميس الماضى كارثة استخدام المطربة اللبنانية كارول سماحة مقدمة أغنية «ليلة حب» لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وبتركيب كلمات عليها، وطرحها فى ألبومها الأخير «إحساس» بعنوان «وحشانى بلادى». وفى التقرير السابق اتهمنا جمعية المؤلفين والملحنين ونقابة الموسيقيين المصرية والرقابة على المصنفات بالمشاركة فى مؤامرة تشويه تراث عبدالوهاب بسبب صمت الجمعية والنقابة رغم علمهما بالقضية، والرقابة لأنها فتحت لهذا الألبوم تصريح تداول فى الأسواق المصرية، ورغم ظهور الطرف الرئيسى فيما حدث من تشويه لتراث عبدالوهاب ولأغنية «ليلة حب» وهو موضوع التقرير اليوم. إلا أننى مازلت أؤكد أن النقابة والجمعية فى دائرة الاتهام بسبب الصمت الرهيب، خاصة أن هذا التجاهل سوف يمنح الضوء الأخضر لشركات، ومطربين آخرين، لاستخدام أغان أخرى سواء لأم كلثوم وعبدالوهاب أو آخرين مثل أغانى عبدالحليم. وهنا فالطفل الناشئ بدلاً من أن يعرف المطرب الأصلى للأغنية سوف يسمع تراثه على أنه عمل لكارول سماحة أو لإليسا أو لنانسى أو لغيرهن، وهى القضية الأهم بعيداً عن الحقوق المادية لأن الفلوس لا تصنع تراثاً، وكل الشعوب التى تصورت أن الأموال سوف تصنع لها حضارات خاب ظنها، ومازال لديها إحساس بالصغر أمام دولة مثل مصر، إذاً فالأمر ليس فى الأموال لأن ما تركه سيد درويش، وعبدالوهاب وأم كلثوم والسنباطى وحليم وبليغ وغيرهم لا يقدر بمال إلا عند ضعاف النفوس فقط. الجديد فى قضية الاعتداء على أغنية «ليلة حب» تلحين الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكلمات أحمد شفيق كامل وغناء السيدة أم كلثوم، هو أن شركة بحجم صوت القاهرة المعنية بحفظ التراث، وهى إحدى الشركات التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، والكيان بأكمله يتبع الدولة المصرية، متورطة فى هذا الأمر، فهى منحت شركة روتانا تصريحاً بموجب عقد موقع من طرفين الأول هو سعد عباس محمود بصفته رئيس مجلس إدارة الشركة، والثانى الدكتور محمد حازم عبدالعال بصفته مفوضاً عن شركة روتانا للصوتيات والمرئيات، والعقد كما جاء بنده الثانى يتيح للطرف الثانى وهو روتانا حق استغلال مدة خمس دقائق من المقدمة الموسيقية للحن أغنية «ليلة حب» من ألحان عبدالوهاب، وبذلك يقوم الطرف الثانى باستغلال هذا اللحن لتركيب كلمات عليه لاستغلاله ضمن ألبوم غنائى أداء الفنانة كارول سماحة من إنتاج الطرف الثانى، ويأتى أيضاً فى البند الثانى من العقد، يصبح للطرف الحق فى الاستغلال المالى والتجارى للحن الأغنية بالكيفية المذكورة بعاليه (تركيب كلمات عليه لاستغلاله ضمن ألبوم غنائى أداء الفنانة كارول سماحة) وفى جميع أنحاء العالم بكل صوره وأشكاله بالطرق المباشرة وغير المباشرة وبالأخص الأداء العلنى والإتاحة العلنية واستثمار الأغنية وذلك بتسجيلها وتصويرها (فيديو كليب) وبثها عبر القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية والمحطات الإذاعية وجميع وسائل العرض بما فيها العام وغير العام، واستغلالها وتوزيعها بجميع خدمة الاستغلال السمعية أو السمعية البصرية المعروفة حالياً أو ما يستجد منها مستقبلاً ومنها على سبيل المثال لا الحصر النسخ والتوزيع على أشرطة الكاسيت وأسطوانات CD وDVD وCVD وVCD وأى دعامة من الدعامات لنقل الصوت أو الصوت والصورة، وعلى شبكات الإنترنت، والتحميل على MB3 وMB4 وIPOD شريطة عمد المساس باللحن الأصلى للأغنية محل العقد أو تحويره أو تحريفه. كل هذا مقابل 7 آلاف دولار كما جاء فى البند الرابع.. يعنى «يا بلاش» لحن لعبد الوهاب بسبعة آلاف دولار أمريكى. نأتى لتحليل بعض بنود العقد. انتهى البند الثانى بجملة شريطة عدم المساس باللحن الأصلى للأغنية بالتحوير أو التحريف، إذاً ما حدث للأغنية بماذا تفسره الشركة الأم لصناعة الموسيقى فى مصر، فالمقدمة الموسيقية التى منحت حق استغلالها هى جزء أصيل من العمل، ومعنى تركيب كلمات عليها فهذا يعد تحويراً، وتحريفاً وجريمة يعاقب عليها القانون الخاص بحماية حقوق الملكية الفكرية، ثم إن التدخل فى اللحن أو الكلمات يندرج تحت الحق الأدبى للمؤلف والملحن وهذا الحق لا يملكه سوى الملحن أو المؤلف أو الورثة، وهذا يعنى أن الشركة مالكة الأغانى إن كانت تملكها لا يحق لها منح هذا التصريح. وبالمناسبة أسرة عبدالوهاب لا تعرف أيضاً أن صوت القاهرة ليس من حقها الحصول على أى مقابل مادى، كما أن صوت القاهرة كشركة مالكة من حقها فقط منح حق نشر للعمل كما هو. صوت القاهرة لم تكتف بهذا الأمر فقط، بل منحت روتانا شهادة أخرى بخلاف العقد للاستغلال. هذا هو الشق القانونى الذى اعتمدت عليه روتانا لطرح الأغنية، لكن بعيداً عن قانونية الأمر أو عدم قانونيته، كيف سمح المسئولون بهذه الشركة التى تمتلك تراث أم كلثوم وغيرها كأمانة للحفاظ عليه بتدمير التراث وتشويهه بهذه الطريقة. السؤال إذا كانت شركة تابعة للدولة فعلت هذا.. ماذا تركت للشركات الخاصة القائمة على الربح والخسارة؟ ما حدث من تشويه لأغنية «ليلة حب» جريمة فنية بعيداً عن لغة العقود، والشهادات. ولأن الدولة المصرية الآن مشغولة بالسياسة وتطورات ما يحدث فى الشارع المصرى فالتراث أصبح مشاعاً للعبث والإهمال. هذه القضية نطرحها للرأى العام لتسجيل موقف، لأننا نعى أن الدولة مشغولة بأمور أخرى، ونقابة الموسيقيين مشغولة بمشاكلها الداخلية، وجمعية المؤلفين والملحنين مشغولة بتحصيل حقوق الأداء، وكأن هذا الأمر ليس من صميم عملها ولك الله يا عبدالوهاب أنت وأم كلثوم، وكذلك كل تراث مصر.