لو كان باراك حسين أوباما مسلماً، لكان خاطب العرب في ختام زيارته إلى فلسطينالمحتلة بقولةٍ عصماء: “اللهم اشهد إني بلغت” . أبو حسين أوباما أبلغ أبو مازن محمود عباس خلال لقائه في رام الله ضرورة “الكفّ عن انتظار أن يحلّ الآخرون، بمن فيهم الولاياتالمتحدة، النزاع بدلاً منهم” (صحيفة “يسرائيل هيوم” 22/3/2013) . ناطق باسم حلف “الناتو” أبلغ معاذ الخطيب الرسالة نفسها، عندما طالب بغطاء من قواعد “باتريوت” الأمريكية في تركيا للمجموعات المسلحة في شمال سوريا . آن أوان الإدراك أن أمريكا معنية بأمن “إسرائيل”، لأنه جزء من أمنها وليس بأمن الفلسطينيين وأمن السوريين . وإذا كانت أمريكا معنية بأمن “إسرائيل” فإنها ليست مستعدة للقتال نيابةً عنها . لقد أنهكتها حرب العراق، وهي تعاني الأمرّين من حرب أفغانستان، ومازالت تعالج تداعيات أزمتها الاقتصادية منذ صيف ،2008 فلا سبيل إلى مزيد من الإنهاك والمعاناة لنفسها . أمريكا، إذاً، تنصح وتدعم حلفاءها، لكنها لا تخوض حروبهم ولا تحارب نيابةً عنهم . كيف تنصح أمريكا حلفاءها وتدعمهم؟ بالمال والسلاح والتدريب والخبرة والمعلومات الاستخبارية، كما بدفع حلفاء آخرين إلى دعمهم بكل الوسائل الممكنة . أوباما نصح عباس بأمور كثيرة . نصحه، بحسب “يسرائيل هيوم”، بعدم وضع شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، مثل شرط تجميد الاستيطان . ودعمه بأن طلب من نتنياهو التريث في اتخاذ خطوات يمكن أن تؤدي إلى تفجير المفاوضات، مثل تنفيذ أعمال بناء في المستوطنات، والامتناع عن تسريع خطة البناء في منطقة E1 الواقعة بين مستوطنة “معاليه أدوميم” والقدس . أكثر من ذلك، طلب من نتنياهو أن يستأنف تحويل أموال الضرائب التي تجبيها “إسرائيل” إلى السلطة الفلسطينية . بالنسبة إلى المعارضة السورية، نصح الأمريكيون حلفاءهم الإقليميين بالامتناع عن دعم جماعات “الإسلام الجهادي” المتهمة بالإرهاب، والسعي إلى فك تعاونهم مع سائر المجموعات المسلحة التي تحارب النظام السوري . أكثر من ذلك، باركت واشنطن عزم حلفائها الإقليميين والأوروبيين على دعم المجموعات المسلحة غير “الجهادية” في سوريا بأسلحة نوعية ( صواريخ مضادة للدروع والطائرات)، لتحقيق نوع من التوازن العسكري مع قوات النظام . أليس هذا ما قاله الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في مؤتمره الصحفي عقب اختتام مؤتمر القمة في الدوحة؟ أليس هذا ما قاله منذ أسبوعين وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس؟ هذا عن موقف أمريكا من الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي”، ومن الصراع في سوريا وعليها . ماذا عن موقفها من الأزمة المتفاقمة في لبنان؟ على الصعيد السياسي، انحازت أمريكا إلى جانب قوى المعارضة (14 آذار) بدعوتها إلى إجراء الانتخابات وفق قانون 1960 المؤاتي لها، رغم وجود شبه إجماع بين مختلف القوى السياسية على عدم صلاحيته وعلى وجوب إلغائه . لكن الأهم معرفةُ موقف أمريكا على الصعيد الأمني، فهل تؤيد واشنطن فعلاً سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية التي كانت تنتهجها حكومة نجيب ميقاتي؟ يبدو أنها تخلّت عن موقف التأييد . الدليل؟ وقوفها إلى جانب القوى المحلية والإقليمية التي دعت إلى اسقاط حكومة ميقاتي بغية المجيء بحكومة جديدة يُبعَد عنها حزبُ الله، وتكون مهمتها إضعاف المقاومة وحلفائها سياسياً وانتهاج سياسة جديدة تجاه سوريا قوامها النأي بالنفس عن النظام السوري . أجل، ما تريده واشنطن اليوم هو إدارة لبنان الظهر للنظام السوري والانفتاح على المعارضة السورية على نحو يؤدي إلى تنشيط تعاونها مع مؤيديها في لبنان على صعيد تهريب السلاح وتمرير الأنصار الراغبين في القتال إلى جانبها . بموازاة هذا التطور اللافت في موقف الولاياتالمتحدة من الدور المطلوب للساحة اللبنانية في الأزمة السورية، رصد المراقبون تطوراً مشابهاً في موقف “إسرائيل” . فقد كشفت صحيفة “هآرتس” (26/3/2013) النقاب عن قيام الجيش “الإسرائيلي” بتركيز اهتمامه الأمني في لبنان بدلاً من سوريا، ومباشرته عمليات تدريب ملحوظة في الجبهة الشمالية، وتجهيز قواته على هذا الأساس . هذا التطور الحاصل يعزوه الخبراء الاستراتيجيون إلى أمرين : الأول، قيام القيادة العسكرية السورية بإعادة توزيع قوتها الصاروخية على مراكز داخل البلاد . الثاني، ازدياد الحديث عن توسيع دعم الحلفاء للمعارضة السورية المسلحة في سياق هجوم، قيل إنه يستهدف قوات النظام السوري من الشمال (تركيا) والجنوب (الأردن) والغرب (لبنان) . إلى ذلك، نقلت “هآرتس” عن جهات استخبارية أن المقاومة اللبنانية قامت في العام الماضي بعدة عمليات استثنائية جريئة كان أكثرها دوّياً إرسال طائرة من دون طيار في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حلقت على مدى 300 كيلومتر قبل أن يقوم سلاح الجو “الإسرائيلي” بإسقاطها . ويبدو، بحسب “هآرتس”، أن القيادة الشمالية للجيش “الإسرائيلي” تنوي مواجهة المقاومة بخيار المزج بين حركة فرق مشاة عدة داخل الأراضي اللبنانية، وبين تفعيل قوة نارية مكثفة من الجو . في هذا الإطار تمّ تدريب لوائي الاحتياط في الأسبوع الماضي، وهو تدريب بري واسع شمل حركات واسعة النطاق لمدرعات ومشاة داخل قرى تشبه القرى اللبنانية . تردد أيضاً أن الجيش “الإسرائيلي” شرع بتنسيق خططه العملانية لاحتمال تسرب أسلحة متطورة إلى المقاومة، خصوصاً صواريخ أرض جو . قد ينطوي ما ذكرته “هآرتس” من معلومات على بعض الصحة والجدية، وقد يكون في معظمه مجرد فصل من فصول الحرب الإعلامية والنفسية التي تشنها “إسرائيل” على أعدائها . المهم أن هذه الحرب تنعكس بعجرها وبجرها وتأثيرها في الوضع السياسي والأمني المضطرب في لبنان، ويخشى أن تدفع الأطراف السياسية المتصارعة إلى اتخاذ مواقف أو اعتماد سياسات تؤدي، بدورها، إلى زيادة الأزمة السياسية اللبنانية المزمنة تعقيداً . نقلا عن صحيفة الخليج