«اللي يعيش يا ما يشوف واللي يمشي يشوف أكتر» هذا المثل الشعبي ينطبق تماماً على حال الغناء العربي خلال السنوات الأخيرة، فهذا الوسط الغنائي لم يعد هناك من يحكمه أو يستطيع أن يقول لهذا الملحن أو ذاك المطرب، قف مكانك أن تعبث بالتراث أو أنك تسيء للغناء العربي بأفعالك، كل ما في الأمر هو مجرد مجموعة من التصريحات النارية من كبار الملحنين، والتي أصبح يعتبرها المنتهكون لحقوق المبدعين «كلام لا يودي ولا يجيب»، مؤخراً طرحت المطربة اللبنانية كارول سماحة ألبوماً غنائياً بعنوان «إحساس» وأتصور أنه البوم عديم الاحساس ليس لسبب في اسلوب المطربة في الغناء لا سمح الله، ولكن لان المطربة تجرأت بمساعدة الشركة على طرح اغنية بعنوان «وحشاني بلادي» وهى كلمات تم تركيبها على المقدمة الموسيقية لأغنية السيدة أم كلثوم «ليلة حب» وهى من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. والشىء الذي يدعو للدهشة ويجعلنا نصرخ بأعلى صوت بأن هذا اعتداء صارخ على إبداع قامتين هما الأكثر اهمية في عالمنا العربي اي أن الاعتداء لم يقع على لحن لملحن شاب أو لعمل مجهول من تركيا أو اليونان أو حتى مصري، لكنه عمل ملأ الأسماع والأبصار، فهو من أهم أعمال السيدة أم كلثوم، وعبد الوهاب لذلك فهو بمثابة اعتداء صارخ ومقصود، وكأن المطربة تقول يا مصريين «اضربوا رؤوسكم في الحائط»، والصمت على مثل هذه المهازل سوف يجعل هذا العمل الفاشل الذي قدمته كارول نقطة انطلاق لآخرين، فمن السهل ان نجد غداً مطربة أخرى أو مطرباً آخر يقدم المقدمة الموسيقية لأغنية «انت عمري» أو «هذه ليلتي» أو «اسأل روحك» أو «ألف ليلة وليلة»، و«سيرة الحب»، و«أمل حياتي»، و«فات الميعاد» و«انت الحب»، و«لسه فاكر» و«فكروني»، كل هذه الأعمال من الممكن أن نجدها لو تساهلنا مع الاعتداء الذي حدث. طرح هذا العمل في الأسواق العربية، والمصرية يمثل جريمة في حق الإبداع حتى لو تم اتخاذ كل الاجراءات القانونية، وأتصور ان هذا لم يحدث لأن اسرة الموسيقار الكبير عبد الوهاب صاحبة الحق في هذا الأمر أعلنت عن عدم السماح لأحد باستخدام أعمال والدهم بأي شكل من الأشكال. وجمعية المؤلفين والملحنين أعلنت ايضاً عن عدم علمها بالأمر، وهذا يجعل الأمر محل شك قانوني، ولكن في كل الأحوال فهذا انتهاك لحرية الابداع، يدعونا بالمطالبة بمحاسبة كل من ساهم في نشر هذا العمل، بداية من الرقابة على المصنفات الفنية التي منحت العمل تصريح تداول أو دخول للبلاد، وأيضاً يجب أن ينال العقاب المطربة نفسها، وهذا دور نقابة الموسيقيين لأنها معنية بحماية أم كلثوم وعبد الوهاب من العبث، كما أن الشاعر الذي كتب هذه الكلمات، وهو عضو بجمعية المؤلفين والملحنين يجب أن يكون هناك رد فعل. نعم البلد هذه الايام منغمس في المشاكل لكن هذه السياسة بكل قبحها يجب ألا تجعلنا ننسى رموزنا الفنية ونفرط في حقوقهم، خاصة أن هناك مؤسسات وكيانات مهمتها الدفاع عن التراث ذكرنا بعضها، فالصمت على هذه المهزلة يعد مشاركة في الجريمة نفسها، وأتصور أن مصر اكبر من أن يعتدى على تراثها مطرب حتى لو أن هنا شركة كبيرة تقف خلفه مثل روتانا أو غيرها، والسيئ الذي يدعو للدهشة ان هناك مصريين يعملون بهذه الشركة سهلوا الامر، لذلك جاء دور النقابة وجمعية المؤلفين والملحنين لكي يبديا حسن النوايا، ويتخذا اجراءات رادعة، خاصة أن على رأس كل كيان منهما قامة كبيرة فالجمعية رئيس مجلس ادارتها الموسيقار الكبير محمد سلطان ويضم المجلس اسماء كبيرة مثل محمد علي سليمان صاحب التاريخ الكبير، والشعراء: عزت الجندي، وجمال بخيت وآخرين، والنقابة تضم رضا رجب، ومصطفى كامل، الصمت من هذه الاسماء يعد جريمة في حقهم قبل أن تكون في حقه الذين رحلوا لأن مهمتهم الدفاع عن تراثنا وإبداعنا وهذا هو السبب الرئيسي لانشاء هذه الكيانات، فهى لم تخلق أو تنشأ من اجل تحصيل اداء علني او منح معاشات فقط. كارثة كارول سماحة بداية جديدة للقضاء على تراثنا وتمنح الاقزام الفرصة للاعتداء على ابداع الكبار، القضية لا تهم ورثة أم كلثوم وعبد الوهاب فقط، لكنها تهم كل المصريين والعرب.