التحدي الذي يتعرض له الإخوان في مصر ليس هو ذلك الذي تحدث عنه الرئيس مرسي بلغة لا ترقى، للأسف، إلى ما هو متوقع من رجل السياسة ومن رئيس الدولة، حين استخدم إشارات الأصابع ومفرداتها للإيحاء بالتآمر الخارجي، وحين قال إنه سيقطع تلك الأصابع وهي تلعب داخل مصر. أزمة الإخوان ومحنتهم والتحدي الذي يعيشونه، هو ذاتي المصدر عوضاً عن أن يكون من صنع الخارج، أو حتى نتيجة لتكتل قوى معارضة الداخل ضدهم، ولأن محنة الإخوان هي ذاتية الصنع والمصدر، فإن غروب وقتهم قبل أن يبدأ ولعبهم في الزمن الضائع حالياً، باتفاق رأي أغلب المحللين السياسيين، ليس متعلقاً بحتمية خروجهم من الحكم وموعد ذلك الخروج الذي يتوقع كثيرون حدوثه في وقت قريب . إن خروج الإخوان من الحكم في مصر قد وقع بالفعل، وهو خروج منه ومن العصر والتاريخ، ومن دون استدارة ثانية إليه وعودة من خلال التداول الانتخابي . إن ما عاشته مصر خلال الشهور الماضية كان في الحقيقة تصدع النموذج الإخواني وتساقطه قطعة فقطعةً وبناء فبناءً . إن أهم ما انهار في هذا النموذج الإخواني هو سلطتهم المعنوية على المجتمع، هذه السلطة التي أساء الغرب ومعه الإخوان فهمها، مستهترين بذلك بالشعوب وعلاقاتها المتوقعة بحكام جدد وفق أنمذجة وتفصيل معين حسب الرؤية الغربية . لقد تمت صياغة صورة الإخوان على أنها النموذج الثقافي الأنسب والأكثر ملاءمة للمنطقة، وراهن الغرب، كما في وثيقة تحدّث أحد المؤرخين السياسيين عن وجودها، سنوات عدة قبل وصول الإخوان إلى الحكم، على “التجذر الثقافي الراسخ” للإخوان في كونهم البديل السياسي الوحيد والموضوعي لنظام مبارك، وذلك في الرؤية الأمريكية بالتحديد . يستطيع الغرب هزّ أشكال من السلطة السياسية والشعبية وتصديعها وإزالتها كما حدث في السنوات العشر الماضية في المنطقة . ولكن، هل يستطيع تركيب أشكال جديدة من السلطة المعنوية على الشعوب في الطور الجديد من التحولات، حتى وإن كانت هذه السلطة المعنوية تقوم على الدين الإسلامي، وهو ما كان معنياً به وصف “التجذّر الثقافي الراسخ” في الوثيقة؟ الإجابة عن هذا السؤال قدمتها مصر بشكل خاص خلال الشهور الماضية، إذ رغم ما توقعناه من قوة الورقة الدينية في يد الإخوان كأساس متين لسلطتهم على الشعب والمجتمع، فإن التجربة المصرية تقول إن الشعوب العربية لا تسلّم ولاءها وقيادها واحترامها وتعطي رمزيات السلطة المعنوية بسهولة، وإن هنالك فرقاً بين الوجود في الحكم والتمكن فيه، وبين نيل السلطة المعنوية على المجتمع . السلطة المعنوية على المجتمع تعني القيادة وتوحيد الشعب حول هذه القيادة والسير به نحو أهداف عليا بما تقتضيه هذه الأهداف من تضحيات وصبر وشد للأحزمة . لم يقدم الإخوان هذه القيادية لأنهم مفتقدون هذه المضامين العليا، وانهارت سلطتهم على المجتمع من دون أن يسعفهم الدين لأنه كان مظهراً فحسب: اللحية القصيرة والصلاة المنقولة تلفزيونياً للرئيس (رغم الوجوب الديني لعدم استخدامها سياسياً كونها علاقة مع الرب)، والعبارات الدينية في خطبه . لم يكتشف المجتمع عدم الاتساق الداخلي للنموذج الإخواني ما بين السلوك والشعارات الدينية واستخدام الدين للتحكّم والاستحواذ والسيطرة، بل إنه فوجئ كذلك بتخلّف الإخوان عما أنجزته مصر في قرن كامل من التعليم والتقدم والإنجاز الحضاري . لقد جاء الإخوان إلى الحكم ليكتشفوا هم أنفسهم مدى فقر كوادرهم في المواهب والإبداعات والقدرات المهنية والسياسية والإعلامية وغيرها . إن انهيار النموذج الإخواني بانهيار سلطته المعنوية، هو ما يسمح حالياً بالفوضى السياسية والاجتماعية العارمة، ومواقف التمرد على الحكم الإخواني على جميع الصعد، حيث وصلت تحديات هذا الحكم إلى عقر دار الإخوان في المقطّم . وإن رد فعل جماعة الإخوان على هذه التحديات، كما تسجلها خطب مرسي الأخيرة وخطب المرشد وزعامات الإخوان، هو في الحقيقة رد المهزوم سياسياً واللاعب في الزمن الضائع . يهدّد مرسي “بقطع الأصابع” و”كسر الرقاب”، فيما ينبئ بإجراءات ديكتاتورية قادمة تحدّى الشعب مثيلاتها وسخر منها كما في بورسعيد التي كانت تلعب مباريات الكرة ليلاً في الشوارع وقت فرض الطوارئ عليها، وكما في تحدي قرارات النائب العام في الضبط والقبض على المعارضين . وليس أدلّ في الحقيقة من الخروج الفعلي للإخوان من الحكم حتى وهم فيه الآن صورياً، من الهزل الاجتماعي والسخرية التي تستقبل بها القرارات الرئاسية “الجادة” والديكتاتورية، فيما هو تعبير عن تشييع زمن حكم الإخوان . العرب والسياسة الخارجية الأمريكية