جولدمان ساكس: 5 أسباب تعزز استمرار قوة الجنيه المصرى فى 2022 توقعت مؤسسة جولدمان ساكس العالمية استمرار قوة وصمود الجنيه المصرى أمام الدولار والعملات الرئيسية خلال العام الحالى 2022، وعدم حدوث انخفاضات كبيرة للعملة المصرية على المدى القريب رغم التحديات القوية التى تواجهها الاقتصادات الناشئة مع بقاء تداعيات جائحة كورونا. وذكرت جولدمان ساكس فى تقرير لها حول اقتصادات مناطق وسط أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا أن القلق إزاء العملة المصرية خلال هذا العام، مبالغ فيه لخمسة أسباب، أبرزها أن الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى كافية للحفاظ على الجنيه عند المستويات الحالية، كما أن التوقعات المستقبلية للقطاع الخارجى تتحسن بشكل مستقل عن أى تغيرات فى أسعار الصرف. وأضافت أن الفوائد التى قد تعود على الحساب الجارى من أى انخفاض فى العملة ستكون محدودة، بينما التكاليف المحتملة للتقلبات الكبيرة فى أسعار الصرف يمكن أن تكون ضخمة، مؤكدة أن انخفاض قيمة العملات ليس مرغوبًا فيه ولا حتميًا على المدى القريب، كما أن الفارق بين سعر الجنيه وقيمته العادلة يعد متواضعاً. وأشارت جولدمان ساكس إلى أن الاقتصاد المصرى فى حاجة كبيرة إلى عوائد السياحة، وتدفقات التحويلات المالية للمصريين العاملين بالخارج، كما يعتمد على التمويل من خلال أدوات الدين قصيرة الأجل، ويعنى هذا الأمر أن معدلات الفائدة بالعملة المحلية ستظل مرتفعة، ما قد يكون له تأثير فى الاستثمار ومعدلات النمو والمالية العامة، ويؤكد الحاجة إلى تدخل السلطات لإنجاز تقدم وتطورات فورية فى الإصلاح الهيكلى، وهو البرنامج الذى يجرى تنفيذه بمشاركة صندوق النقد الدولى. ورأت أن التأخر فى معالجة المشكلات الهيكلية من شأنه أن يزيد الضغوط التى يتعرض لها الجنيه المصرى على المديين المتوسط والطويل، رغم أن ديناميكيات الحساب الجارى تبدو جيدة على المدى القصير، مشيرة فى الوقت نفسه إلى أن هناك حدودًا لحجم الديون، وتدفقات المحافظ الاستثمارية التى يمكن لمصر أن تعتمد عليها فى توفير متطلبات التمويل الخارجى. ويعد جولدمان ساكس أكبر بنك استثنمار لرؤوس الأموال فى العالم، ويعمل فى مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، وإدارة الأصول والثروات وخدمات الاندماج والاستحواذ والتأمين والوساطة المالية للشركات والحكومات، بما يجعله أكبر مؤسسة خدمات مالية متعددة الجنسيات ويعمل فى أكثر من 40 دولة، ويدير أصولاً بأكثر من تريليون دولار. ونوهت المؤسسة بأن الأصول المصرية ذات المخاطر تعرضت لبعض الضغوط منذ الربع الرابع من العام الماضى، ما أدى ارتفاع عائدات السندات المصرية، وحدوث بعض التراجع فى استثمارات المحافظ الأجنبية من نحو 33 مليار دولار فى الصيف الماضى، إلى ما يقرب من 25 مليار دولار فى نهاية العام، ولكن سرعان ما عادت شهية المستثمرين الأجانب تجاه أدوات الدين المصرية وبقوة مع بداية هذا العام 2022، يتزامن ذلك مع قوة الدفع المتوقعة من إدراج الديون المصرية بمؤشر مورجان ستانلى لسندات الأسواق الناشئة فى الربع الأول من هذا العام والتى سيكون له أثر إيجابى على جاذبية الأجانب لأدوات الدين المصرية. وحول القيمة العادلة للجنيه المصرى، قالت جولدمان ساكس إنه وفقا لنموذج GSDEER الذى يستعرض القيم العادلة طويلة الأجل للعملات باستخدام الفروق فى أسعار المستهلك وأحوال التجارة والإنتاجية كمدخلات، فإن الفارق بين سعر الجنيه الحالى وقيمته العادلة يعتبر متواضعا، خصوصًا إذا ما قارناه بالأحداث التاريخية التى سبقت تحرير سعر الصرف عام 2016 والتى كان يتداول فيها الجنيه المصرى بنسبة 40% أعلى من قيمته العادلة. وذكرت أن التوقعات لفروق التضخم والتى تعد محركاً رئيسياً لأسعار الصرف، ترجح أنها ستبقى منخفضة، وأن مؤشر أسعار المستهلكين فى مصر سيظل فى نطاق 5- 6% فى عام 2022، مع استقرار الفارق مع مؤشر أسعار المستهلكين العالمى عند نحو 2% - 3%، وهو ما يقل عن المتوسط التاريخى، فضلاً عن استمرار توخى الحذر بشأن قوة الدولار الأمريكى والذى يجرى تداوله بأعلى من قيمته بأكثر من 10%، وقد يؤدى إلغاء الدعم الذى يتلقاه الدولار إلى ضغط هبوطى على المدى القريب للعملة الأمريكية. وأكدت جولدمان ساكس أن قدرة السلطات المصرية فى الحفاظ على العملة المحلية عند المستويات الحالية، يعد أكبر دلالة على مدى قدرة احتياطيات العملات الأجنبية المتاحة لدى مصر على التعامل مع نقص التمويل الخارجى لعجز الحساب الجارى، بل وامتصاص المزيد من النقص المؤقت فى التمويل على المدى القريب، رغم الضغوط التى واجهتها الأصول الأجنبية للقطاع المصرفى المصرى فى العام الماضى. وقالت إن «إجمالى» احتياطيات البنك المركزى المصرى، على وجه الخصوص يبقى قوياً ومستقراً، حيث يقدر حالياً بما يقرب من 60 مليار دولار، يشمل الاحتياطيات الأولية والتى تقدر بنحو 41 مليار دولار، بالإضافة إلى أصول العملات الأجنبية للبنك المركزى المصرى غير المدرجة فى أرقام الاحتياطى الرسمى، مشيرة إلى أن هذا المستوى من الاحتياطيات الدولية يعد جيدا مقابل إجمالى متطلبات التمويل الخارجى البالغة نحو 31 مليار دولار للسنة المالية الحالية، كما أنها تزيد على ضعف المخزون باستثمارات المحافظ فى السوق المحلية، ما يوفر دعامة قوية أمام أية تدفقات خارجة. ونوهت جولدمان ساكس بأن طبيعة التزامات البنك المركزى المصرى من العوامل المهمة التى يجب وضعها فى الحسبان، حيث تمثل ودائع دول مجلس التعاون الخليجى الغالبية العظمى منها، والتى من المرجح أن يتم تجديدها طالما كانت هناك حاجة ذلك، فيما تشكل التزامات صندوق النقد الدولى، جزءا كبيرا من الالتزامات المتبقية، وهو ما يمنح طبيعة مستقرة وطويلة الأجل ويجعل هذه الالتزامات لا تشكل ضغوطا حالية. أكدت جولدمان ساكس قدرة النظام المصرفى المصرى على استيعاب الدين المحلى فى حالة حدوث موجات بيعية من قبل مستثمرى المحافظ الأجنبية، وقد ثبت أن هذه القدرة كانت وافرة فى الموجات السابقة من عمليات البيع من قبل المستثمرين الأجانب، حيث تصل التقديرات إلى أن البنوك المحلية لديها حاليًا القدرة على تحمل نحو 40 مليار دولار من الديون الحكومية الإضافية. وأشارت إلى أن أحد العوامل المهمة فى ترجيح التوقعات بعدم حدوث انخفاض على المدى القريب للجنيه المصرى، يتمثل فى التوقعات بتراجع الضغوط على النقد الأجنبى، وذلك نتيجة تعافى قطاع السياحة والتى قد تصل إلى عائداته إلى 10 مليارات دولار فى السنة المالية 2021/2022، أى نحو ضعف ما كانت عليه العام الماضى، وهذا من شأنه أن يؤدى إلى تقليص كبير فى عجز الحساب الجارى، ليصل إلى نحو 3% من الناتج المحلى الإجمالى للسنة المالية 2021/2022، بدلاً من 4.6% من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية 2020/2021. وأضافت أن ارتفاع أسعار النفط والغاز قد يؤثر إيجابيا فى التدفقات النقدية الأجنبية حيث إن مصر تقوم تصدير الغاز الطبيعى المسال، كما أن لديها فائضا نفطيا إيجابيا يتم تصديره أيضا، ومن المرجح أن يتيح ارتفاع أسعار النفط والغاز بعض الدعم لتقليص عجز الميزان التجارى فى العام المقبل، فضلا عن الارتفاع المتوقع لعائدات قناة السويس وزيادة الاستثمار الداخلى من قبل دول مجلس التعاون الخليجى، وزيادة تحويلات العاملين المصريين المقيمين فى دول مجلس التعاون الخليجى. ورأت جولدمان ساكس إنه إذا ما سمحت السلطات المصرية للعملة المحلية الجنيه بالانخفاض، فإن ذلك سيؤثر على التضخم المحلى بمعدل قد يصل إلى 4 نقاط مئوية، فضلاً عن عودة مخاطر الدولرة، مشيرة إلى أن قوة الجنيه تعد بمثابة علامة مهمة على قوة الاقتصاد ونجاحه. ولفتت إلى أنه يجب على السلطات المصرية الاستمرار الإسراع بالإصلاحات الهيكلية وتحسين بيئة الاستثمار والعمل على زيادة الابتكار والإنتاجية، ومساعدة قطاع التصدير على جذب الاستثمارات على المدى الطويل، والقضاء على العقبات التجارية غير الجمركية ورفع كفاءة قطاع التصنيع المحلى والبنية التحتية للتصدير لتقليل الاعتماد على الاستيراد. وأشارت جولدمان ساكس إلى أن مصر تملك فرصة ذهبية فى ظل إعادة الهيكلة الإقليمية المحتملة لسلاسل التوريد العالمية، بعد وباء كورونا، وهو ما يستوجب اغتنامها من خلال تعزيز بيئة الاستثمار المحلى الذى سيؤدى إلى مزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الى الداخل، وتحسين مزيج التمويل وتقليل اعتماد مصر على الديون قصيرة الأجل وذلك تجنبا لأية مشكلات هيكلية من شأنها أن تزيد الضغوط على العملة المحلية المديين المتوسط والطويل.