ثمة مظاهرات غيرت من تاريخ العالم وأثرت فيه اجتمعت كلها فى الخروج العفوى ضد الظلم وكان أبطالها أشخاصا عاديين تذوقوا القهر والألم أشارت اليها مجلة «تايم» الأمريكية, ولكننا حاولنا البحث فيها وايجاد رابط بينها وبين السينما لأنها ستظل هى الراصد لذاكرة الثورات والشعوب.. لأنه مازال هناك الكثير لم يقل بعد. في ديسمبر من عام 1773 كانت مظاهرات حزب الشاي في بوسطون بأمريكا, وهو مثل حزب الكنبة فى مصر كلاهما مكون من أناس لم يكن لهم علاقة بالسياسة ولكنهما عرفوا الطريق الى الشارع عندما اقتربوا من «لقمة عيشهم», فلقد احتشد آلاف المتظاهرين محتجين علي إصدار قانون الشاي الذي يجبر سكان الولاياتالمتحدة علي استيراد الشاي من شركة بريطانية محددة هي (شركة الهند الشرقية)ورفع الضرائب على منتج «الشاي» الذي كان يجلب من مستعمرة أخرى إلى المستعمرة الأمريكية، وكان هذا القرار بداية مقاطعة شعبية للمنتجات تبعتها «ثورة» عنيفة قادها المناضل سامويل آدمز ومجموعة من الثوار الذين هاجموا ثلاث سفن محملة بالشاي في مدينة بوسطن، وأخذوا يرمون الشاي في البحر في تحد واضح للمستعمر، وتبعهم في ذلك ثوار آخرون في بقية المستعمرات، ومنذ ذلك الحين اصطلح على تسمية هذه الحادثة ب«حفلة الشاي في بوسطن»، وهو من أهم مصطلحات الثورة الأمريكية التي كانت نتيجتها تأسيس واحدة من أهم وأعظم وأقوى دول العالم على مر التاريخ و الأحداث التي وقعت في 16 ديسمبر 1776 كانت حاسمة وكانت السبب فى الإعلان الشهير «لا ضرائب دون تمثيل» التي تؤدي في نهاية المطاف إلى استقلال المستعمرات الأمريكية والبداية لبلد جديد. ومن الأفلام الشعبية عن الثورة الأمريكية هناك فيلم (ثورة) لهيبو هيدسون وبطولة آل باتشينو عن رجل عابث يشترك فى الثورة بمحض المصادفة وتنمو لديه الأحاسيس الوطنية. وفيلم (الوطني) لرونالد ايميريش بطولة ميل جيبسون عن مزارع فقير يشارك فى الثورة ويصبح بطلا الى جانب فيلم جورج واشنطن. في مارس من عام 1930، كانت مظاهرت الملح (ساتياجراها) بالهند بقيادة المهاتما غاندي والتى عبر عنها بعبقرية فيلم «غاندى» للمخرج «ريتشارد أتنبره» وأدى دور غاندي الممثل البريطاني بين كنجسلي. وقد فاز كلاهما بجائزة «الأوسكار» على أدائه في الفيلم، كما فاز الفيلم نفسه بجائزة «الأوسكار» لأحسن فيلم. لنرى اعتراض المتظاهرين الهنود علي إجبارهم علي شراء الملح الهندي المنقي المعاد تصديره لهم من مصانع بريطانيا.. ومسيرة الملح هي جزء أساسي من مسيرة كفاح سلمية كان غاندى قد بدأها قبل ذلك بسنوات من أجل تحرير بلاده من الاستعمار البريطاني العسكري والتبعية الاقتصادية، وهما هدفان احتلا نفس الأهمية فى نضال غاندي ومسيرة ملح داندي عام 1930، مسافتها 400 كيلو متر. أما مظاهرة الحقوق المدنية في واشنطن،والتى بدأت باحتشاد 200 ألف أمريكي في واشنطون للمطالبة بحقوق السود واتجهت المظاهرة الى واشنطن من أجل توفير الوظائف والحرية في أغسطس 1963 وكانت بمثابة الإطار لكلمة «لدي حلم» الشهيرة للقس الدكتور مارتن لوثر كينج الابن، رئيس مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية. وكان فيليب راندولف الزعيم العمالي ومؤسس نقابة الإخوان الحمالين العاملين في قاطرات النوم قد اقترح القيام بمظاهرة كبيرة نحو العاصمة كوسيلة لحث الكونجرس وإدارة الرئيس چون ف. كينيدي للعمل على إقرار الحقوق المدنية.. وكانت المسيرة سلمية تماما، وكان لها الفضل على نطاق واسع في المساعدة على تمرير قوانين الحقوق المدنية الخارقة في عام 1964وعام 1965. وفى الحقيقة أن المخرج لي دانيالز والنجم هيو چاكمان حلما لعدة سنوات بعمل فيلم عن الصراع القديم حول قضية حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة، ومارتن لوثر كينج الذي كرس حياته من أجل هذه القضية، واخيرا قدمها فى فيلم سينمائي. لقصة كتبها وليام بيبا، الناشط الذي يعمل محاميًا. عام 1969 مظاهرة «ستونويل إن» في نيويورك احتجاجاً علي انغماس أمريكا في حرب فيتنام واشترك فيها نصف مليون متظاهر وكانت أكبر مظاهرة أمريكية وشهد خريف عام 1969 مظاهرات احتجاجية ضخمة بمشاركة ملايين المواطنين من ساحل المحيط الأطلنطى إلى ساحل المحيط الهادي بما في ذلك ربع مليون متظاهر في العاصمة واشنطن في أكبر احتجاج على الحرب في التاريخ الأمريكي. وهناك أفلام كثيرة عن المظاهرات ضد حرب ڤيتنام ولكن أقف كثيرا أمام فيلم «هانوي» Hanoi، نرى فيها فوندا الممثلة الحاصلة على جائزة «الأوسكار» وابنة أحد أكثر ممثلي أمريكا المحترمين، في الطائرة مع الناشط اليساري توم هايدن «الذي أصبح فيما بعد زوجها الثاني» مسافرين إلى هانوي في العام. في شهر يوليو من ذلك العام ذهبت فوندا إلى محطة إذاعة «شمال ڤيتنام» مرافقة الجنود الأمريكان، وبدلا من أن تستحثهم على القتال فاجأتهم بتوجيه الاتهام لهم بارتكاب جرائم حرب، بعدها تعالت الأصوات لمحاكمتها بتهمة الخيانة، كما طالب البعض بإعدامها، وحتى هذا اليوم لا يطيقها معظم من قاتلوا في حرب ڤيتنام. أما مظاهرات محرم في إيران فتظاهر فيها 2 مليون إيراني بميدان شاه ياد بالعاصمة طهران للمطالبة بعزل الشاه محمد رضا بهلوي الذي صار مكروهاً لديهم. وهناك فيلم وثائقى إنتاج BBC.. يتناول هذا الفيلم العديد من مراحل الثورة الإيرانية منها طرد الخميني من إيران إلي العراق ثم محاولته اللجوء إلي الكويت فذهب الي فرنسا. والثورة العارمة في شوارع إيران والتعامل الصارم من قبل الأمن الإيراني. وهناك فيلم (ارجو) الذى يتناول قيام مجموعة محدودة من الطلبة الإيرانيين في صباح 4 نوفمبر 1979م بالتجمع أمام مبنى السفارة الأمريكية في طهران للتظاهر والتنديد بسياسة الولاياتالمتحدة ضد إيران، ولكن هذا العدد بدأ يزيد وبدأت الشوارع المؤدية إلى السفارة حتى أن البعض قام بتسلق الجدران إلى الداخل، ثم قام حوالي 500 طالب إيراني باحتلال السفارة، واحتجاز جميع من كان بداخلها من الدبلوماسيين الأمريكيين والمخرج الإيراني محمد رضا إسلام لو، سيقدم فيلما بعنوان «هزيمة 58» عن سيطرة الطلبة الجامعيين السائرين على نهج الخميني على السفارة الأمريكيةبطهران. أما المظاهرات الشعبية في الفلبين بقيادة (كورازون أكوينو) فكان سببها الأول هو الانتخابات كما حدث فى مصر فلقد برز اسم المعارضة كورازون أكوينو، أرملة أكوينو، في انتخابات 1984، ونجحت في حصد 60 من أصل 183 مقعداً في المجلس التشريعي، على الرغم من العنف وسرقة الانتخابات وموالاة وسائل الإعلام للسلطة. وتزامنت الانتخابات مع مزيد من الحشد ضد النظام فنظمت حملات إضراب أغلقت فيها المحال التجارية وتوقفت المواصلات عن العمل بما في ذلك السيارات الخاصة، ثم ما لبث هذا الحدث أن انتشر بسرعة إلى بقية المدن، فأوقفت الإضرابات في مدينة (باتان)80٪ من المواصلات العامة، بينما بلغت فعاليتها 95٪ في مدن أخرى. وفي 1985 شكلت المعارضة تحالفاً قوياً جمع عدداً من الأحزاب والحركات، ونجح في إطلاق مزيد من الإضرابات الكبرى منها إضراب فبراير 1985، الذي شارك فيه 140 ألف عامل. وتحت الضغط الشعبي والدولي، أعلن ماركوس عن انتخابات رئاسية مبكرة في 1986 ظناً منه بأنها ستؤدي إلى انقسام المعارضة مجدداً. وعلى الرغم من مقاطعة بعض أطياف المعارضة، ترشحت أكوينو لمنصب الرئاسة وطالبت الجميع بالالتزام بالسلمية وشددت الكنيسة على هذا المطلب. في الوقت ذاته، نجح جهاز NAMREL في حشد نصف مليون متطوع لمراقبة الانتخابات في 90٪ من مناطق البلاد، إلا أن ذلك لم يمنع النظام من التزوير ومهاجمة المنتخبين من قبل بلطجيته. وبمجرد أن أعلن عن إغلاق صناديق الاقتراع، بدأت المظاهرات الغاضبة تخرج بأعداد كبيرة، وتزايدت أعدادها مع الإعلان عن المزيد من الفروقات بين النتائج الرسمية ونتائج NAMREL وفي 22 فبراير، فوجئ ماركوس بتمرد عسكري خطط له وزير الدفاع، خوان إنريلي ومساء ذلك اليوم، زارت أكوينو مع عائلتها الحواجز التي أقامها الناس أمام المعسكر وشرعت تغني معهم أغاني ثورية، ثم قامت صباح اليوم التالي بتشكيل حكومة جديدة موازية، وبعد ساعتين فقط ردد ماركوس بدوره القسم في القصر الرئاسي. تواصل احتشاد الناس سلمياً في معظم أنحاء البلاد، ، فأعلن ماركوس عن نيته مغادرة البلاد. وإذا كانت سوزان مبارك سببا فى انهيار حكم فإن إيميلد ماركوس كانت سببا رئيسا فى الفلبين وهناك فيلم (إميليدا) الذى يظهر الكثير عما حدث هناك ....و«أسيء فهمي للغاية».. هذا ما تقوله ايميلدا ماركوس في بداية الفيلم الوثائقي الذى يظهر كيف أصبحت متبارية في مسابقة للجمال السيدة الأولى للفلبين ونموذجا للإسراف في الثياب المبهرجة. وعلى مدار الدقائق المائة يلهث جمهور الفيلم ويقهقه فيما تروي أرملة الرئيس السابق فرديناند ماركوس قصة حياتها الأغرب من الخيال. وبعد نحو عقدين من انتفاضة شعبية أجبرت ماركوس وزوجته على الذهاب الى المنفى يعطي الفيلم الوثائقي (ايميلدا) (Imelda). وأما المظاهرات التونسية التى أصبحت ثورة شعبية اندلعت أحداثها في 17ديسمبر تضامنًا مع بو عزيزى الذي قام بإضرام النار في جسده في نفس اليوم تعبيرًا عن غضبه لمصادرة العربة التي يبيع عليها وفي يوم 18 ديسمبر خرج آلاف التونسيين الرافضين لما اعتبروه لأوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. وأجبر الرئيس زين العابدين على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية ولكنه أجبر الرئيس على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ بحماية أمنية ليبية إلى السعودية يوم الجمعة 14 يناير 2011 يشير المخرج التونسي منجي الفرحاني في فيلمه الوثائقي «الشرارة» على الأسباب الحقيقية للثورة في تونس مشيرا الى أن عمله يشكل اعترافا بالجميل للذين ساهموا فيها. وينطلق الفيلم بمشهد للمحامى التونسى عبدالناصر العوينى الذى تحدى حظر التجول ونزل الى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي المقفر إثر الإعلان عن فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ليردد عاليا مقولته الشهيرة التي هزت التونسيين: «يا توانسة يلى عذبوكم.. يا توانسة يلى قهروكم.. يا شعبنا يا عظيم.. يا شعبنا يا غالى.. تنفس الحرية الآن.. بن علي هرب.. المجرم هرب.. تحيا تونس العظيمة.. المجد للشهداء.. وشعب تونس حر». أما مظاهرات 25يناير في مصر، التى أصبحت ثورة وأطاحت بحكم الرئيس مبارك وأركان نظامه، والتحقيق معهم في قضايا الفساد وبيع أصول الدولة بمبالغ تافهة خلال الخصخصة للرأسماليين مما أدي لتجاوز الدين العام رقم الألف مليار جنيه، وإلغاء المجالس النيابية الزائفة وإطلاق حريات واسعة إبداء الرأي والتظاهر وانتقاد الوزراء والمحافظين وكشف أخطائهم والتعبير بالصحف والإعلام وإلغاء نفوذ جهاز أمن الدولة في الوزارات والجامعات، وفصل قيادات الشرطة المتورطة في قتال أبناء الشعب. الثورة حتى الآن مازالت مستمرة لذلك فرغم ظهور العديد من الأفلام عنها إلا أنه لم تقدم صورة حقيقية لما حدث وعامة فيلم «الشتا اللى فات» أحد الأفلام التى مزجت بين التفاصيل الإنسانية، والأحداث مستعرضا قصة ثلاث شخصيات فقط أرتبطت حياتها بشتاء 2011، بداية من تظاهرات 25 يناير، ووصولاً الى بيان التنحى فى 11 فبراير من نفس العام لينتهى بالاحتفال بسقوط الديكتاتور وهناك فيلم وثائقي أمريكي يروي تفاصيل ثورة الخامس والعشرين من يناير من خلال مقاطع فيديو مصورة وحوارات مع رموز وشباب قدم شهاداته على تفاصيل يوميات هذه الثورة المجيدة التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. للمخرج فريدريك ستانتون الذى دمج لقطات من نشرات إخبارية أرشيفية مع مشاهد حقيقية لمواجهات تمت بين قوات الشرطة والمتظاهرين بجانب حوارات أجريت مع قطاع عريض من نشطاء الثورة من مختلف التيارات السياسية ومواطنين ومراقبين.