نعم زملائي الكرام..فرغم لوعة الفراق، فإني أبشركم أن أستاذنا وصديقنا "عادل القاضي" في جنان الرحمن..والذي نفسي بيده وكأني أشعر بقسمات وجهه مبتسما ينظر لنا من عليين. نعم أبشركم .. ففي الصحيحين عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مُرَّ عليه بجنازة .. فقال: "مستريح ومستراح منه".. قالوا يا رسول الله: ما المستريح والمستراح منه؟.. قال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب". وإني والله لأحسب أن "القاضي" الصبور الذي تحمل لسعات الدنيا وأذاها ، مستريح الآن ، ولا نزكي على الله أحدا. أبشركم ثانيا؛ لأنه قد حدثنا زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار فأثني عليها خيرا فقال : وجبت ، ثم مر عليه بجنازة أخرى فأثني عليها دون ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، فقالوا يا رسول الله وما وجبت .. قال : الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهود الله في الأرض. وأشهد وتشهدون معي أن القريب والبعيد شهد للقاضي بالخير والصلاح، وأن العدو نعاه قبل الصديق، وأن الصغير والكبير تعلموا منه حسن الخلق والجوار، وأدب العشرة والإختلاف. لقد عادت مشاهد تشييعه بذاكرتي لسنين مضت حينما شيعت أخي -ناصر- رحمه الله ، فكأننا والله نزف عريسا إلى الحور العين..الجميع يتسابق إلى حمل نعشه..والدموع تتسارع تنعيه..والألسنة تبتهل بالدعاء له بالرحمة والمغفرة..سرعان ما ينهي مشيع كلمته ودعائه، فإذا بآخر دون ترتيب مسبق ينطلق لسانه بما يؤنسه في قبره. سرعان ما ينفض المشيعون عقب انتهاء مراسم الدفن..لكن الأمر كان يختلف مع القاضي..فهذا يبكيه، وذاك يبتهل له بالدعاء ، وثالث يقرأ بعضا من آيات القرآن تؤنس وحدته. أفواج تتنظر دورها لتقف على قبره برهة من الوقت تدعو له بروضة من رياض الجنة، ورفقة مع النبيين والصديقين والشهداء، وكأن وساما لم نمنحه للقاضي في دنيانا، فأراد له الله أن نمنحه له على قبره. نعم أبشركم بجنة الرحمن للقاضي العادل.. فقد روى البخاري في صحيحه، وأحمد والنسائي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله. والشهادة المعتبرة في الحديث هي شهادة أهل الفضل والصدق؛ قال النووي : قال بعضهم: مضى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان ذلك مطابقا للواقع فهو من أهل الجنة، فإن كان غير مطابق فلا. ونعلم أن "القاضي" شهد له الآلاف، وترك ذرية نحسبها صالحة بمشيئة الله، وعلما ينتفع به، وقسمات وجه بشوش تجعل لسانك دون إرادة - وربما دون معرفة به - ينطق طلبا له بالرحمة والرضوان من الرحمن.