أسس مسرحًا تحت شعار «مسرح لا تخجل منه الأسرة».. وأقنع يوسف وهبى وعبدالله غيث بالعمل فى الدراما التليفزيونية 104 أفلام وأكثر من 80 مسلسلًا وسهرات تلفزيونية وثلاثة مسلسلات إذاعية يرحل رائد الكتابة الساخرة السيناريست الكبير فيصل ندا عن عمر ناهز 81 عاما، فقدنا كاتبا كبيرًا ترك الساحة شاغرة بعد أن أثرى الفن المصرى والعربى بالعديد من الأعمال الكوميدية المميزة. «ندا» أحد أهم كتاب الدراما فى مصر، 50 عاما قدم خلالها كوميديا ممتعة فى الدراما والسينما والمسرح، وقدم قضايا المجتمع المصرى بأسلوب ساخر، جعل أعماله جزءا هاما من تاريخ الفن العربى. هو صاحب بصمة كبيرة على كافة المستويات؛ منذ نشأته وهو يعى قيمة الفن، حيث وُلد بين المسارح فى حى عابدين، عام 1940، وعقب تخرجه من المدرسة الإبراهيمية، التحق بكلية التجارة، قسم المحاسبة وتخرج منها عام 1963، وكان عضوا فى فريق التمثيل بالجامعة وعقب تخرجه التحق بوزارة المالية إلا أنها لم ترضِ طموحه وأحلامه والتى بدأها منذ كان بالكلية عبر كتابته لمسرحية مثلها مع زملائه بالكلية. وكان أول مسلسل تلفزيونى هو «هارب من الأيام» الذى تمكن من خلاله من أن يؤسس قواعد كتابة المسلسل التليفزيونى ومن خلاله اشتهر العديد من نجوم الفن فى التليفزيون مثل عبدالله غيث، وعن هذا العمل يحكى ندا: قامت أمن الدولة بالقبض عليّ فى الحلقة السابعة من المسلسل بتهمة اسقاط شخصية جمال الطبال على الرئيس جمال عبدالناصر وقبض علىّ وخرجت من هذه المشكلة بطلًا شعبيًا وأصبح اسمى معروفًا فى الأوساط الفنية. وبعدها ربطته علاقة قوية مع نجوم هذا الجيل، واستطاع أن يقنع الفنان الكبير الراحل يوسف وهبى بالعمل فى الدراما التليفزيونية، حيث لم يكن متعارفًا عليها فى الستينيات لكنه أقنعه بالعمل فى بطولة مسلسل «العبقري» عام 1966، حيث ذهب فيصل ندا إلى يوسف وهبى فى منزله وأقنعه بالعمل نظير 40 جنيها أجرًا عن الحلقة الواحدة وهو نفس الأجر الذى كان يحصل عليه فيصل ندا عن الحلقة الواحدة، ولم يسأل وهبى عن شيء سوى تكنيك تصوير المسلسلات. وتلاها بالعديد من الأعمال الدرامية الكوميدية حتى أصبح علامة فنية منها «أهلا أهلا بالسكان» بطولة حسن عابدين ونبيلة السيد، و«كسبنا القضية» بطولة عمر الحريرى ورجاء الجداوى، و«أحلام العصافير» بطولة فؤاد المهندس وميمى جمال، و«بنت سيادة الوزير» بطولة ميرفت أمين ومصطفى فهمى، وخاض تجربة التأليف الإذاعى وأبدع فيه أيضا عندما قدم المسلسل الكوميدى «الناجح يرفع إيده»، كلها كانت علامات وكان سببا فى عمل الفنانين فى الدراما التليفزيونية، بعد انشغالهم جميعا بالسينما. وعلى مستوى السينما فكان له دور انتاجي بجانب دوره الابداعى، حيث ساهم فى دفع عجلة الإنتاج السينمائى منذ عام 1968 بعد تأميم صناعة السينما المصرية وهجرة الفنانين إلى بيروت وتركيا، وقدم عددًا كبيرًا من الأفلام من بينها «الحلال والحرام»، و«مين فينا الحرامى»، و«ذات الوجهين»، و«ومن الحب ما قتل»، و«البنت الحلوة الكدابة»، و«يا رب ولد» و«دسوقى أفندى فى المصيف» و«القاضى والجلاد» و«المعلمة سماح» و«قضية سميحة بدران» و«البنات والمرسيدس» و«سيقان فى الوحل» و«البنت الحلوة الكدابة» وكذلك «الوفاء العظيم» عن حرب السادس من أكتوبر، كلها اعمال سينمائية حققت نجاحًا كبيرًا. المسرح فى حياة «ندا» كان حلم العمر، فكان صاحب فكرة انشاء فرقة مسرحية بكلية التجارة، وقدم أول مسرحية على هذا المسرح وأحضر لها فؤاد المهندس مخرجا، وهو طالب ورئيس لاتحاد الطلبة ورئيس لقسم التمثيل وكان المسرح عشقه منذ الصغر ورفع شعار «مسرح لا تخجل منه الأسرة»، فى عام 1974 قدم عرض «من أجل حفنة نساء»، و«أهلا يا دكتور» عام 1980، وتجلى ابداعه بشكل كبير فى كتابته لمسرحية «المتزوجون»، عام 1979، ليحصد نجاحًا غير فى تاريخ المسرح المصرى الحديث؛ وناقش فيها عبر حسه النقدى الساخر، مشكلات المتزوجين المادية والمعنوية بشكل كوميدى ساخر متطرقًا للأبعاد الاقتصادية التى تواجههم، وكذلك التناقضات التى تصنعها الفوارق بين الطبقات، ونجح فى تحويل هذه المعاناة إلى مادة كوميدية أضحكت الملايين، حتى أن إفيهات هذا العمل لا تزال حاضرة فى أذهان الملايين من محبيه فى الوطن العربى. إذ تبقى إيفيهات تلك المسرحية فى ذاكرة المصريين والعرب بعد مرور أكثر من أربعة عقود غير أنها تعتلى قائمة أنجح الأعمال الكوميدية فى النصف الثانى من القرن الماضى. حلم عمره كان تأسيس مسرح يحمل اسمه، وحققه بهدف عرض مسرحيات دائمة على مدار العام، واكتشاف فرق مسرحية ونجوم جُدد، لكنه لم يستطع مواصلة حلم مسرحه بسبب العديد من العثرات المادية، ما بين أجور النجوم المُتصاعدة، وعدم استقرار الساحة. جسد ثنائيًا مميزًا مع النجم الكبير سمير غانم فى عدة أعمال مختلفة حققت نجاحا كبيرا منها مسرحيتا «المتزوجون» و«أهلا يا دكتور»، وفيلم «يا رب ولد»، الذى حقق نجاحا واسعا، ولم يتوقع «ندا» أنه سيلحق بصديق العمر بأسابيع قليلة، حيث كتب ينعاه عبر صفحته عبر الفيس بوك: «أعزى نفسى والقلب يعتصر ألمًا وحزنًا على فقد أخ وصديق، تعاملنا معا وتعايشنا سنين عمرنا فى حب وإخلاص». وأضاف: «سمير غانم يعد توأمى أفقدنى بوفاته جزءًا كبيرًا فى حياتى وبرحيله فقدت الكوميديا الصادقة أحد فرسانها الذى أسعدنا وأضحكنا سنين طويلة، رحمك الله يا أعز الأصدقاء وألهمنا صبر فراقك وسلوانك». الظهور الأخير للفنان القدير فى يونيو 2021 خلال تكريمه فى حفل توزيع جوائز مسابقة الكاتب مصطفى محرم للسينما المصرية، والذى اقامته الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما بدار الاوبرا امام مسرح الهناجر. وقال: إن أكبر تكريم لديه هو حب الجمهور، مؤكدا أنه فخور بتكريم الناس له فى كل مكان، ومطالباً بضرورة تكريم عدد من الكتاب الكبار، الذين أثروا الحياة الفنية، لافتا إلى ان اجمل تكريم يكون من الدولة، مطالبا بعودة عيد الفن، وأشار إلى أنه تم بناء مدينة للفنون بالعاصمة الإدارية وهذا يؤكد اهتمام الدولة بالفن والفنانين. وكانت آخر كلمات فيصل ندا تلك التى نعى فيها قبل أيام عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك» الفنانة دلال عبدالعزيز، التى تجمعه بها وبالفنان الراحل سمير غانم صداقة ممتدة ونجاحات فنية مُشتركة لافتة فى السينما والمسرح، عبرّ عنها فى كلمة مؤثرة قال فيها: «عندما رأيت دلال شعرت أننى أمام موهبة تحتاج لمن يكتشفها، أسندت إليها بطولة مسرحية «أهلاً يا دكتور» وبطولة مسلسل «دعونى أعيش» مع شيريهان، التى كانت ما زالت تخطو أولى خطواتها فى التمثيل، وقدمتها للسينما فى «يارب ولد» مع فريد شوقى وسمير غانم، لقد فرضت دلال موهبتها وأصبحت نجمة ساطعة عشقتها الجماهير، رحمها الله، لقد لحقت بصديق عمرى سمير غانم». رحل فيصل ندا بجسده وتظل روحه وابداعاته باقية وثرية، قدم 104 أفلام وأكثر من 80 مسلسلًا وسهرات تلفزيونية وثلاث مسلسلات إذاعية، ومازال منها ما لم يتم عرضه ولم يكتشف حتى الآن.