شيخ الأزهر يهنئ الأمة الإسلامية بعيد الأضحى ويطالب المجتمع الدولي بوقف العدوان على غزة    هيئة الرعاية الصحية تعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى    بنك نكست يوقع بروتوكول تعاون مع الرياضة لتمكين الشباب اقتصاديا وتعزيز الشمول المالي    هل يصل سعر الدولار ل 60 جنيها بنهاية العام؟ رد حاسم لرئيس الوزراء    تفاصيل لقاء وزير الخارجية مع المبعوث الصيني للشرق الأوسط (صور)    لامين يامال يستعد لمواجهة فرنسا في دوري الأمم الأوروبية ب لوك جديد (فيديو)    ضبط طالبين بتهمة النصب قاما بنشر أسئلة امتحانات مزيفة على مواقع التواصل    طرح فيلم "سيكو سيكو" عبر منصة يانجو بلاي في عيد الأضحى    محافظ بني سويف يتفقد سير العمل في مركز نقل الدم بشرق النيل    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع جامعة لانكستر البريطانية لتعزيز الشراكات الأكاديمية العالمية    رئيس "الشيوخ" يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى    تقارير أولية من سوريا تفيد بحدوث انفجارات في مطار حماة العسكري    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    عراقجي لأمين عام حزب الله: إيران مهتمة بمساعدة لبنان    شيخ الأزهر يهنئ الأمة الإسلامية بعيد الأضحى ويطالب المجتمع الدولي بوقف غير مشروط للعدوان على غزة    «بن رمضان» في مواجهة توانسة الأهلي.. الأرقام تحذر معلول    إنتر ميلان يفتح قنوات الاتصال مع فابريجاس لتدريب الفريق    مجلس الوزراء: بث تجريبي للمنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار    العثور على جثة بها آثار ذبح بالرقبة بفرشوط في قنا    ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى 48.5 مليار دولار بنهاية مايو 2025    طرح البوستر الرسمي لفيلم "آخر راجل في العالم"    رسميًا إطلاق خدمات الجيل الخامس في مصر.. كل ما تريد معرفته عن السرعة والتحميل والباقات    محافظ المنيا يزور مديرية الصحة ويتابع سير العمل داخل الإدارات والأقسام    نجم الزمالك السابق يحذر من خماسي بيراميدز قبل نهائي الكأس    الزمالك يفسخ التعاقد مع مدافع الفريق رسمياً    بورتو منافس الأهلي يكشف عن زيه الاحتياطي فى مونديال الأندية.. فيديو    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    ارتفاع تدريجي ل درجات الحرارة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس يوم عرفة (تفاصيل)    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    توريد 500 ألف طن قمح في المنيا منذ بداية الموسم    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    صلاح عبدالله يستعيد ذكرياته مع سميحة أيوب في مسرحية رابعة العدوية    «بيحبوا المغامرة».. 4 أبراج تستغل العيد في السفر    وزير الثقافة ل«الشروق»: لا غلق لقصور الثقافة.. وواقعة الأقصر أمام النيابة    لماذا رمى سعد الدين وهبة نص مسرحية كوبري الناموس بعد اعتراض سميحة أيوب؟ وما قصة مشهد الصمت الطويل؟    دعاء يوم التروية 2025.. أدعية مستحبة ومعلومات عن فضل اليوم الثامن من ذي الحجة    «قد يحسم أمام العراق».. حسابات تأهل منتخب الأردن مباشرة ل كأس العالم 2026    بيراميدز يجدد عقد المغربي وليد الكرتي موسمين    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك    تزايد الضغط داخل مجلسي الكونجرس الأميركي لتصنيف جماعة الإخوان "إرهابية"    بالأسماء.. 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج في عيد الأضحى    28 فرصة و12 معيارًا.. تفاصيل منظومة الحوافز الاستثمارية للقطاع الصحي    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    في ذكرى ميلاده.. محمود عبد العزيز من بائع صحف إلى أحد عمالقة التمثيل    «جبران»: قانون العمل الجديد يرسخ ثقافة الحقوق والحريات النقابية    محافظ أسيوط يشارك أطفال معهد الأورام فرحتهم بقرب حلول عيد الأضحى    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    أيام الرحمة والمغفرة.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    تكبيرات عيد الأضحى 2025.. تعرف على حكم التكبير فى العيدين بصيغة الصلاة على النبى    نقيب المحامين يوجّه بمتابعة التحقيقات في واقعة مقتل محامي كفر الشيخ    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوفد» تنفرد بآخر حوار للمفكر جمال البنا:
كافحت طويلاً ضد السلطة.. وأصابنى الأذى ومنعونى من الكتابة
نشر في الوفد يوم 21 - 02 - 2013

كأنه بقي وحده صارخاً في البرية، بعد أن علا نجم المدرسة الوهابية التي لا تقيم لمدرسة العقل ميزاناً ولا تعبأ إلا بالنقل.. كان يخسر كل يوم أرضاً جديدة حتي وإن بدا رابط الجأش مصراً علي منهجه
رافضاً أن يلين له جانب في مواجهة من رموه بالكفر تارة وبالجنون تارة أخري، بدا جمال البنا كأنه طفل يتيم حتي وهو في الثانية والتسعين من عمره، فقد قذفت به المقادير لشواطئ الاجتهاد في زمن يقف بالمرصاد لكل راغب فيه، ظل مدفوعاً برغبة عارمة في المضي قدماً نحو مزيد من التحليق في سماء ملبدة بالغيوم، مما أسفر عن غلو خصومه في العداء له، لم يلن ولم يضعف، وظل يتمادي في «جنوحه» وقطع أشواطاً بعيدة في مسائل شائكة ليقيم الدنيا من غير أن يقعدها بسبب غرابة فتاواه وجموح خياله، وفي وقت كانت البلاد محرم عليها كافة أنواع الحراك السياسي بسبب جبروت السلطة وغشم أدواتها الأمنية، كان جمال البنا هو البديل المتاح للفضائيات والصحف لتمارس حراكاً من نوع مختلف، فكل مرة كان يدخلها يثير ضجيجاً لا أول له ولا آخر يصل لباحات المساجد ومنتديات السياسيين ورجال الدين سواء من كانوا محسوبين منها في خندق السلطة أو من كانوا ضدها، كثيرون جمعتهم فتاوي «البنا» علي قلب رجل واحد كي يطالبوا بإسكان صوته للأبد، منهم من طالب بمحاكمته بتهمة الهرطقة وكثير منهم دعوا للحجر عليه، أما من كانوا رقيقي الحال معه فقد طالبوا الآباء بمنع أبنائهم من الاستماع إليه.. فقط المثقفون وقفوا في خندق المدافعين عنه ربما لأنهم وجدوه يقدم نموذجاً للإسلام «لا يهش ولا ينش» ويتيح لصاحب الهوي أو لمن ترهقه تبعة التكاليف الشرعية أن يجد ما يناسب هواه من فتاوي تفتح الباب علي مصراعيه للعيش كما تحلو له النفس «الأمارة بالسوء» في أغلب الأحيان.
كان موعدي معه يوم جمعة في منزله القديم قبل أشهر قليلة من رحيله، تأخرت عنه ربع ساعة وتأخر هو في المقابل نصف ساعة.. قلت لنفسي: «إن كبر السن وتبعات اليقظة لمن في مثل عمره كثيرة».. مكتبته التي كانت في الأساس منزله مع رفيقة دربة تشهد حالة من النشاط، ثلاثة من الموظفين يعملون في دأب وهمة يشرف عليهم حسين السيد مدير المؤسسة التي تحمل اسم الرجل، أما صفوف المكتبة فهي عامرة بأمهات الكتب من النسخ الأصلية والمخطوطات النادرة، جدران المكان تحمل ذكريات الماضي العتيق، والحوائط المرتفعة التي تنتمي لطراز غابر في العمارة تريح القلب وإن كانت لا تريح العقل بمجرد أن تتذكر فتاوي صاحبها التي أرقت مضاجع رجال الدين.. أخيراً دخل الرجل وخلفه مدير مؤسسته الذي دعاني من قبل لرفع صوتي قليلاً عندما أحدثه وأن انتبه لحديثه فقد تتعثر ذاكرته أو ينسي «عمره 92 عاماً.. كتر خيره» قالها لي حسين السيد بتأثر شديد وهو ينظر للأرض وكأنه يطلب من القدر مزيداً من العمر والصحة للرجل الذي لازمه كظله في السنوات الأخيرة.
«اتأخرت ليه؟».. قالها لي جمال البنا بعدما استراح علي مكتب أغلب الظن أنه ورثه عن أبيه.. «اعذرني يا أستاذ الطريق طويل والسؤال عن منزلك محاط بالمخاطر لأن خصومك كثيرون».. خشيت أن أطلعه علي ما جري لي عند السؤال.. إذ بمحض الصدفة سألت بقالاً عن منزله في شارع بورسعيد فشخط في قائلاً: أعوذ بالله معرفش فين».. ثم أعطاني ظهره، كررت السؤال لمكوجي فأشاح لي جانباً بيده: معنديش فكرة.. تكرر الموقف عدة مرات حتي تمكنت من الوصول أخيراً.
كيف حالك يا أستاذنا؟
- أنت اللي عامل إيه.. جايلك آفة عدم الدقة في المواعيد؟
قلت له: اعذرني فقد كلفني الأمر ميكروباص ومترو وتاكسي كي أصل إلي هنا.. تبسم ضاحكاً فتشجعت وقلت له: يا أستاذنا ألم يئن الوقت لأن تراجع نفسك في فتاواك التي لا تستند لا لكتاب ولا لصحيح سنة؟
- وكأنه فوجئ بالسؤال.. فقال لي: تقصد إيه بالظبط؟».
تلك الفتاوي عن جواز التدخين في نهار رمضان وإباحة أن يعانق المخطوبون والعشاق بعضهم البعض وآرائك التي تتجاوز النقد لحد السب عن النقاب.. الكثير والكثير من الفتاوي التي باتت تفتن الناس أكثر من أن تهديهم.
- بالعكس.. أنا أكثر إصراراً الآن بالنسبة لآرائي عن السابق وكلما مر بي الوقت ازددت إصراراً عن السابق وسأظل هكذا ما دام في قلب ينبض وأرجو أن ألقي بها ربي.
لكن كيف يقبل عقل فتوي مثل جواز التدخين في نهار رمضان؟
- وهل كان هناك تبغ في زمن الرسول صلي الله عليه وسلم؟.. ثم إن مبطلات الصوم معروفة ومتفق عليها وليس من بينها التدخين الذي لا يسفر عن ماء أو طعام يدخل المعدة.. إنه مجرد هواء لا أكثر.
قلت له: طيب وماذا عن حرمة النقاب والحجاب؟
- قال: لا يوجد نص صريح عن النقاب كما لا يوجد نص عن صفات الحجاب.
قررت أن أؤجل حدة أسئلتي للحظات عملاً بنصيحة مدير المؤسسة وخوفاً علي قلبه الذي يعاني من مشاكل كثيرة.. وقلت له: يا أستاذنا هل عشت طفولة سعيدة؟
- كنت آخر إخوتي من الذكور، ولم يولد من بعدي سوي أختي «فوزية» ولدت في المحمودية وكانت حياتي هادئة، عشقت تلك البلدة الهادئة التي تمتاز بجمال الطبيعة، غير أن الحال لم يظل علي هذا النحو فقد انتقلت الأسرة إلي القاهرة وتركت الفضاء الفسيح والطبيعة الخلابة وانقلبت الحياة رأساً علي عقب، فلم تكن حياتي في القاهرة ناعمة أو مرفهة، كنت أضعف أشقائي من حيث البنية الجسدية ولم أكن ألهو مع الأطفال إذ كنت أتوق للخلوة والتأمل منذ سنوات الصبا ولم أكن أستطيع الجري واللعب شأن الأطفال الصغار بل كنت أعاني في المشي وكنت نحيف الجسد لذا مثلت لي القراءة ومكتبة والدي العامرة بالكتب المختلفة والمجلات المصورة حياة ممتعة، فقد نمت ملكة القراءة بداخلي بسرعة شديدة وكنت التهم الكتب التهاماً، تلك كانت حياتي في سنوات الطفولة ولقد تركت المدرسة مبكراً إثر خلاف مع أستاذي وقررت أن أعتمد علي نفسي في طلب العلم وبعد سنوات كان لزاماً علي أن أقوم بدفع إيجار المنزل الذي أقيم فيه وكان الأمر لا يخلو من صعوبة بسبب قسوة الحياة ولكن ظلت القراءة بالنسبة لي هي السلوي والرفيق الذي يغنيني عن كل شيء.
منتقدوك يتهمونك بأنك تقدم إسلاماً «منزوع الدسم» وخالياً من أي روح للمقاومة.. إسلاماً مريحاً للسلطة ومريحاً للناس؟
- ربما سعيت لأن أقدم نموذجاً للإسلام العصري كما ينبغي أن يكون وفي ذلك راحة بالفعل للجماهير، أما بشأن السلطة فلم أسع يوماً لدغدغة مشاعرها أو لعقد هدنة معها، علي العكس خضت صراعاً طويلاً معها وأوذيت كثيراً ومنعت من الكتابة في أزمنة سابقة وكتبت مقالة بعنوان «إسلام الإنسان» أوضحت خلالها أن القضية المحورية في الإسلام هي أن الله أراد أن يجعل الإنسان خليفة في الأرض، الرد علي هذا هو أن هناك من أراد للإنسان أن يكون عبداً للإنسان، يسمعه ويطيعه ويقبل يديه، فكيف تقول إنني أرحت السلطة في حين أنني لم أكن داعياً لها أو معيناً علي الظلم كما لم أزين للحكام أهواءهم، إنني اعتبر السلطة ساهمت في أوقات كثيرة في ذل الناس وقطع الطريق بينهم وبين فهم صحيح الدين حينما فتحت الباب علي مصراعيه أمام الدعاة الذي يضيقون علي الناس حياتهم ويقفون ضد الاجتهاد ونشر قيم الإسلام الرحب.
لكن هناك قطاعاً عريضاً من المثقفين يدافعون عنك ويمثلون ظهيراً لأفكارك.. بالإضافة إلي أن الفضائيات والصحف كانت مفتوحة لنشر آرائك؟
- وما العيب في ذلك؟.. لقد سعيت طوال عمري واجتهدت كي تصل دعوتي لمشارق الأرض ومغاربها ليعلم الناس أن دين الله يسر لا عسر كما ورد في الحديث الشريف.
ها أنت تستشهد بالسيرة النبوية التي تنكر الكثير عنها؟
- لا أنكر الصحيح منها وليس بوسعي ذلك بل أنكر ما يتعارض مع القرآن وروح العصر ويقف في وجه التقدم والتطور وأغلب ذلك ما لم يقم عليه دليل.
يعتبرك كثيرون فرعاً في شجرة تشعبت فروعها من رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وعلي عبدالرازق والشيخ محمود شلتوت وخالد محمد خالد والعشرات الذين يقف لهم أهل السلف بالمرصاد ويعتبرونهم سبب البلاء الذي أصاب الأمة في مقتل عبر نشر الفتاوي والآراء الشاذة التي تنحرف عن طريق الاجتهاد الصحيح.
- هؤلاء الذين ذكرتهم وآخرون ساروا علي الدرب معهم لم يفتنوا الأمة، بالعكس كانوا يسعون لأن ينهضوا بها نحو العالم المتقدم، فالإسلام لم يأت إلا من أجل أن يدفع البشرية للأمام لا ليردها للخلف، لقد كان العقل مسجوناً في أضابير الفكر المتخلف الجامد الذي لا يعين الناس علي التقدم والرقي، والتفكير العقلي ضرورة لكي تنهض الأمة الإسلامية التي عانت عصوراً طويلة بسبب جمود الفكر الغالب علي دعاتها وشيوخها.
قلت له مداعباً: عناوين بعض كتبك كفيلة بأن تتسبب في اندلاع حروب أهلية.. ناهيك عما بداخلها من شطط وجموح؟
- مثل ماذا؟
كتابك عن السنة وعلم الحديث الذي اخترت له عنوان «جناية قبيلة حدّثنا» ألهذا الحد تعد علم الحديث جناية؟
- المنهج المتبع في الحديث هو الذي أنقده لأنه لم يقم علي منهج علمي.. أنت إذا سألت أحد معارفك ماذا أكل الأسبوع الماضي لن يتذكر.. فكيف تثبت صحة حديث انطلق منذ قرابة ألف وأربعمائة عام؟
لكن هذا علم شهد له العدو قبل الصديق بأنه من أدق علوم التوثيق وهو علم المشافهة.. كما أن العلم الذي يطلق عليه علم الرجال أو الجرح والتعديل والذي يضع شروطاً غاية في الصرامة للرواة هو من أدق علوم التوثيق التي عرفتها البشرية وهذا كلام رواد في الغرب درسوا علم الحديث؟.
- هناك الكثير من الأحاديث غير صحيحة وموضوعة وحينما تجري علي ألسنة الناس تنتشر البدع والخرافات، والتصدي لها واجب من أجل تصحيح المفاهيم وهذا ما نقوم به أنا وغيري.
لكنك تأخذ العاطل بالباطل.
- لا.. أنا أخضع الحديث لعقلي ولروح العصر.
لكن هذه الأحاديث كان أول من تصدي لها علماء الحديث أنفسهم وفي ذلك كلام رائع للتابعي سفيان بن عيينة إذ قال: «الإسناد من الدين ولولاه لقال من شاء ما شاء».. لقد كانوا يتبعون أنفاس الرواة ويضعون شروطاً شديدة القسوة قبل أن يقبلوا حديثاً عنهم وحادثة البخاري الذي رفض قبول حديث عن أحد الرواة بعد أن رأه يكذب علي ناقته يعرفها الكثيرون عن ظهر قلب.
- كل ما تقوله لم يمنع من نشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة بحيث أصبحت ديناً يتعبد به الناس.
تقصد يتعبد به الجهلة، أما صحيح الدين فقد تكفل الله بحفظه ليوم القيامة.
- وما أقوم به أنا وآخرون هو نوع من الحفاظ علي صحيح الدين ونفض ما علق به من أباطيل.
لكنك تضرب السنة وهي أحد مصادر التشريع في مقتل؟
- أنا أتصدي للموضوع والضعيف ولما لا يقبله العقل وفي هذا خدمة للدين.
إذن أنت مُصر علي منهجك؟
- بالطبع.. وسأظل علي الدرب الذي خططته لنفسي من أجل إحياء الفكر الإسلامي، فأنا صاحب مشروع، ناضلت وسأناضل من أجله للنهاية.
كتبت من قبل «آن لكم الآن أن تعرفوا ما هي الشريعة» مما أثار غضب الكثيرين من خصومك.
- بالطبع.. أنا أري أن الكثيرين حتي من بين دعاة اليوم لا يعرفون معني الشريعة.. هناك فرق بين الإسلام والشريعة.. فالنبي صلي الله عليه وسلم قضي 13 عاماً مع المسلمين في مكة دون أن تكون هناك شريعة إلي أن ولدت في المدينة، لذا فإن العقيدة هي الأصل أما الشريعة ففرع، منها المعاملات والقانون والاقتصاد والسياسة وأمور الحياة كافة، وما تكون عليه العلاقة بين الناس بعضهم بعضاً.
لأي شيء تسعي علي وجه التحديد من وراء معاركك الفكرية؟
- أسعي لأن أرد الناس لصحيح الدين أو ما أعرفه ب «الإسلام القياسي» ذلك الإسلام كما أنزله الله بعيداً عن شطط الجماعات والفرق.
وصفت النقاب بأنه عار علي المرأة؟
- نعم.. النقاب مازلت أراه وصمة عار لأنه يطمس شخصية المرأة المسلمة ويحول بينها وبين ممارسة دورها في المجتمع باعتبارها نصف المجتمع والمساواة بينها وبين الرجل يعززها العديد من الأدلة.
وماذا عن الحجاب.. لك عليه ملاحظات أيضاً؟
- أري أن الحجاب ليس من عقيدة الإسلام التي تقوم علي الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر ولا يرد فيها ذكر الحجاب، وهذا أمر بديهي لأن «الزي» يخضع للتقاليد والعادات كما يخضع للأجواء، وهو في حقيقته حماية يتدثر بها الرجل والمرأة لكي لا يحيق بجسمه ولا بوجهه أذي من البرد أو الحر، كما أن الحجاب نوع من الزينة وكل تلك الاعتبارات بعيدة عن الدين.
وبما تفسر انتشار الحجاب والنقاب علي هذا النحو الكثيف كما نري؟
- المجتمعات العربية يحكمها الرجل الذي سعي لأن يخضع الأنثي لسلطته وجبروته فاحتجزها في البيت لتكون تحت إمرته تدين له بالطاعة العمياء وكان من شواهد ذلك الانصياع له أن تغطي وجهها حتي لا يراها أحد غيره، وقد يدل علي ذلك أن الحكم اختلف بالنسبة للمرأة الحرة عنه بالنسبة للجارية، ولا تنس أنه كان في قانون حمورابي أن المرأة الحرة تعاقب إذا أسفرت، بينما علي العكس كانت الجارية تعاقب إذا تحجبت.. ومما يؤلمني أن دعاة اليوم يهيلون التراب علي ما فعله عمر بن الخطاب بإحدي الجاريات عندما أخفقها بعصاه قائلاً: «أتتشبهين بالحرائر يالكاع؟».. وللأسف الشديد أضر العديد من دعاة اليوم الإسلام الحديث بحديثهم عن المرأة علي النحو الذي أرادوا، ومن يتأمل القرآن الكريم لن يعثر علي ما يشير إلي وجوب حجب مكان معين من المرأة إلا منطقة الصدر التي كانت في الجاهلية تتسع حتي الثديين، فأمر القرآن النساء أن «وليضربن بخمرهن علي جيوبهن»، ولا تتضمن أمراً بلبس الخمار، ومن اللافت أن المرأة العربية قبل الإسلام كانت تضعه لحماية رأسها من حر الصحراء حيث الشمس الحارقة، أما كل الآيات في القرآن الكريم عن الحجاب فهي كلام عام غير محدد مثل قوله تعالي «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها»، و«يدنين عليهن من جلابيبهن».
لكنها آيات قاطعة الدلالة بشأن وجوب الحجاب؟
- أري أنه يمكن تفسير تلك الآيات تبعاً للزمان والمكان، وكلمة حجاب لم ترد في القرآن بالنسبة للمرأة مطلقاً، اللهم باستثناء الحديث عن الأوامر الخاصة بأمهات المؤمنين زوجات النبي وتوحي بمعني باب أو حاجز كحائط أو غير ذلك مما يستر الرؤية وليس الزي وكانت تخص زوجات الرسول اللاتي قال عنهن القرآن «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء».
وماذا عن الأحاديث الصحيحة؟
- الأحاديث عن الحجاب معظمها موضوع أو ضعيف وهي علي كل حال تخالف طريقة تعامل الرسول مع المرأة التي كان يقدرها ويجلها، وكيف لا يكون كذلك وأول من أسلم كانت خديجة التي ناصرته وكان أول الشهداء امرأة وكان من النساء من تحارب دونه بالسيف عندما فر الرجال.
هل ترفض الحجاب كلياً.
- بالنسبة للحجاب الذي يكشف الوجه والكفين، فأنا أقبله لا كفرض ديني ولكن كزي عملي يريح المرأة من عناء العمل الذي يتوجب علي المرأة العاملة أن تتزين له وتبدو علي هيئة حسنه، وأعتقد أن هذا من أهم أسباب نجاح الحجاب وسبب انتشاره.
وبالنسبة للاختلاط؟
- لا شيء فيه هل تنسي أن امرأة كانت تمسك بيد النبي وتسير معه في شوارع المدينة وأسواقها.
كيف تري العلاقة بين الإسلام والعلمانية؟
- الإسلام يتفق مع العلمانية في الفصل ما بين الدين وسلطة الحاكم، كما أنه يتفق معها في أنه ليس له رجال دين ولا أكليروس لهم سلطة الحرمان وإصدار صكوك العفو والغفران، كما أن الإسلام يدعو للعمل وإعلاء شأن الحياة كما ورد في الحديث الصحيح إذا قامت الساعة وكان في يد أحدكم فسيلة فليزرعها ونفس القيمة تدعو إليها العلمانية أيضاً.
هل تؤمن برغبة الإخوان في القيام بمخطط «أخونة الدولة»؟
- كل حزب يصل للسلطة له فلسفة ورؤية، ومعروف أن هذا الحزب عندما يصل للحكم يعمل علي تطبيق برنامجه وكل الأحزاب البعيدة عن الحكم عندما تسألها ماذا تريد؟.. يقولون الحكم من أجل أن نطبق برامجنا وهذا ما يفعله الإخوان الآن، يأتون بكوادرهم وأنصارهم كي يضمنوا نجاح مشروعهم.
وهل تعتقد أنه يوجد لديهم مشروع؟
- هذه هي الأزمة الكبري، فالإخوان ليس لديهم مشروع، لأن الحكم يتطلب إمكانات غير متوفرة لدي الإخوان، إذ إن ظروفهم في الماضي حالت دون أن يعلموا كوادرهم شئون الحكم، فقد ظلوا في السراديب والجحور لسنوات طويلة.
يري البعض أن للرئيس «مرسي» خطابين مختلفين، الأول يخاطب به حلفاء حكمه من السلفيين، ويبدو فيه متسقاً معهم وخطاب آخر نحو القوي المختلفة والخارج، مفاده أنه من الدولة المدنية.. فكيف تنظر للأمر؟
- ليس بيد الرئيس أن يقدم علي تلبية كافة مطالب السلفيين، خاصة في الوقت الراهن كما أنه في مأزق بالنسبة لعلاقته بالقوي الأخري والمجتمع الدولي، والحل أن يكون صريحاً مع أنصاره ومع غيرهم في أن يقول للأنصار والحلفاء كل طلباتكم من المستحيل تطبيقها في الوقت الراهن، وبالنسبة للآخرين عليه أن يؤكد لهم أنه من المستحيل الانسلاخ من الجماعة التي منحته أصواتها ووقفت بجواره.
إذن تراه في مأزق؟
- بالطبع.. هو في مأزق كبير وأرجو له التوفيق لأن فراغ المقعد الرئاسي سيضعنا أمام معضلة كبري علي الصعيد القريب.
قرأت أنك كنت ترفض قرض صندوق النقد؟
- أري ذلك خطأ بالغاً لأنك حينما تبدأ مشوارك الرئاسي بقرض فهذا معناه أنك ليس عندك بدائل تواجه بها المشاكل كما أنك تعقد من مشاكل البلد وتدفع بالكرة في ملعب الأجيال المقبلة التي ستتحمل نتائج وتبعات ذلك القرض الذي يضعه في مصاف الرؤساء قليلي الحيلة وغير القادرين علي خلق أفكار جديدة لتنهض بها الأمة أو القادرون علي اللجوء لحلول تكشف عن قدراتهم، وبصراحة فإن سياسة الاقتراض تعني أن الرئيس ليس علي قدر بخطورة أوضاع البلد وليس علي دراية بتلك البلدان التي انهارت لأنها سارت في ركاب صندوق النقد الدولي.
هل أنت مع ما يتردد في أروقة الإعلام وأوساط القوي السياسية بأن مكتب الإرشاد هو الحاكم الفعلي الذي يدير شئون البلاد؟
- لا أعتقد ذلك.. فالرئيس تتوافر فيه مقومات قوة الشخصية ولا أري أن مرشد الجماعة أو أي من رموزها يصدرون له الأوامر كما يزعم خصوم الرئيس وعليهم أن يقدموا ما عندهم من أدلة حتي يصدقهم الناس.
إذن بماذا تفسر كل تلك المزاعم التي تحيط باتخاذ القرار في قصر الاتحادية؟
- ما أظنه هو منافسة بين القوي المختلفة وبين الإخوان، وبما أن هؤلاء قد وصلوا لسدة الحكم عليهم أن يلين جانبهم للمنافسين ولتتسع صدورهم شيئاً قليلاً ويعملوا في مجال تصحيح الأخطاء وعلاج الأزمات التي تعاني منها الجماهير وأبرزها اقتصادية بحتة.. إن أوضاع الناس مزرية والأسعار تشتعل والفقراء في ازدياد.
ما أبرز أخطاء «مرسي» من وجهة نظرك؟
- عناده الشديد في مواجهة مطالب القوي الوطنية وتراجعه عن بعض وعوده وخروجه علي المؤسسات القضائية التي منحته الشرعية وأهمها المحكمة الدستورية، كل ذلك كرس في أذهان النخبة والرأي العام أنه جاء لمنصبه بهدف خدمة الجماعة التي ينتمي إليها وليس لخدمة الجماهير التي منحته أصواتها.
هل تعتقد أن هناك حالة من التصيد له من قبل النخبة؟
- بالطبع هناك حالة من التصيد له من قبل أطراف النخبة وعليهم أن يمنحوه الفرصة لكي يعمل ثم يحاسبوه علي ما اقترفت يداه لكن عليه في نفس الوقت ألا يسد أذنيه عن نصائح المخلصين من كافة فئات المجتمع.
وهناك أخطاء من قبل أنصاره؟
- نعم.. ينبغي أن يكف هؤلاء عن لغة التعالي وأن يدركوا أن إنقاذ مصر من معاناتها لا يكون إلا بتكاتف القوي المختلفة.
لماذا لا يستقل الرئيس عن الجماعة حتي يريح ويستريح ويقطع الطريق علي خصومه؟
- من غير الطبيعي أن يكون الإخوان هم من أتوا به رئيساً لمصر وكلنا ندرك ذلك ثم يقوم هو بالاستقالة من الجماعة.. هذا الأمر ليس بهذه السهولة.. فالعلاقة بينه وبينهم مصيرية وتاريخية وكل ما علي القوي الوطنية أن تدعوه إليه أن يوازن علاقته بين مصالح الجماهير وسلطة الحكم من جانب وبين الجماعة التي ينتمي إليها من جانب آخر.
يري مراقبون أن شعبية الإخوان آخذة في التراجع.. فهل تري إمكانية أن ينزووا عن المشهد مبكراً؟
- أشك في ذلك لأنهم الفصيل الأكبر تنظيماً.. الإخوان قد تكون شعبيتهم تراجعت ولكن مازالت لديهم القدرة علي جذب الجماهير، خاصة في القري والمدن الصغيرة ولديهم أكبر قدرة علي التنظيم والاتصال بالجماهير، وأعتقد أنه مازالت لديهم القدرة علي الحشد وهم وإن كانوا قلقين من ضعف تأثيرهم لكنهم سينجحون في نهاية الأمر في أن يستمروا في صدارة المشهد السياسي.
هناك من يري أن شعبية الرئيس تتآكل بسبب فشله في تحقيق وعوده؟
- أعتقد أن الجماعة التي تقف خلفه ومناصريه من السلفيين سيقومون في نهاية الأمر بتوجيه الرأي العام نحو دعمه في أي نازلة يتعرض لها.
هل كنت ترجو لمصر أن تسير علي هذا النحو الذي هي عليه الآن؟
- كنت أرجو لها التقدم والتطور والسير في ركاب الأمم العظمي، فهي صاحبة حضارة ضاربة في جذورها، كنت أرجو أن يكون تدينها دعماً لتقدمها وأن يكون الشعب كتلة واحدة في معركة البناء بعد ما أصابها علي يد الأنظمة السابقة، لكن للأسف الشديد المؤشرات تشير إلي أن عملية الإصلاح قد تتعثر.
هل تتوقع قدرة الإخوان علي صنع نهضة حقيقية علي النسق التركي؟
- تركيا كانت - ومازالت - علمانية والتقدم الذي وصلت له كانت لأسباب سيرها في طريق العلم وعدم خلط الأمور ببعضها، لقد كانوا واضحين في أهدافهم ومقدرين للتحديات التي يتعرضون لها وكان خطابهم عصرياً ولم يرتدوا لخطاب «ماضوي».. للأسف الإخوان وشركاؤهم ليس لديهم برنامج حقيقي للإصلاح والتنمية كما هو الحال بالنسبة لتركيا ولأجل ذلك، فالأمر سيشهد عقبات.. فمن الصعب أن تقود بلداً في حجم مصر وليس عندك برنامج اقتصادي أو اجتماعي.. المسألة ليست بهذه السهولة.
تعتقد أن الإخوان يحصلون علي تمويل دولي؟
- لا أعتقد وجود دعم دولي للجماعة من قبل الحكومات العربية، فتلك الأنظمة تكرههم وتخاف أن يصل مدهم لشعوبها، والحديث عن تمويل يصل للجماعة من دول يفتقر للصحة.. والإخوان لا يعانون بأي حال من صعوبات مالية بل علي العكس التمويل بالنسبة لهم أسهل شيء والتبرعات تنهمر عليهم من قبل أثرياء الجماعة، كما أن التنظيم الدولي للجماعة يلعب دوراً طليعياً من أجل دعمها وهذا الأمر يعلمه الجميع.
هل توافق علي ما تطالب به القوي الوطنية من ضرورة إخضاع أموال الجماعة للرقابة؟
- هذا المطلب مشروع، خاصة بعد أن أصبح الإخوان يعملون في العلن وينبغي أن تخضع ثرواتهم للرقابة، وليس من المعقول ولا المقبول أن يكون هناك استثناء لأي فصيل أو حزب أو جماعة في ذلك ضماناً للشفافية وأي مراوغة في الأمر يجب أن تقابل بالحسم وذلك لأن عدم وجود شفافية يسفر عن فساد كبير، لذا فإن عليهم أن يقدموا كشف حساب للمجتمع الذي جاء بهم للسلطة.
هل تؤمن بأن الإخوان لم يكونوا دعاة ثورة يوماً؟
- الإخوان اتبعوا سياسة اللين والحلم وعبر تاريخهم عاشوا في كنف السلطات المتعاقبة ولم يختلفوا معها إلا قليلاً، لقد كان منهجهم قائماً علي عدم الصراع مع الأنظمة وإن كانوا قد تعرضوا للأهوال والظلم البين، ولم يكونوا من نار الفكر الثوري يوماً ما، وقد سجنوا في كثير من الأوقات بغير جريرة أو ظلم وشهادتي عنهم أنهم مخلصون يريدون خدمة الوطن، لكن للأسف لا يمتلكون الخبرة، لذا تتعدد أخطاؤهم.
كلامك بشأن أنهم لم يكونوا ثواراً يدحضه خروجهم علي «مبارك» عندما قامت ثورة يناير؟
- بعد أن تأكدوا من نجاحها، خرجوا فكانوا آخر من وصل للميدان وأول من انصرفوا وأكثر من استفادوا من السلطة.
إذن تؤمن كالآخرين الذين يتهمونهم بالانتهازية؟
- ليست انتهازية ولكن مهارة سياسية وقدرة علي التعامل بحنكة في مختلف المواقف.
هل تري أن مخاوف الأقباط من حكم الإسلاميين مشروعة؟
- بالنسبة لتاريخ الإسلام من غير المسلمين، فقد كان شاهداً علي سماحة وعدالة الإسلام، فلم يكن هناك أي نوع من التضييق عليهم وعاشوا جنباً إلي جنب مع المسلمين، وبالنسبة للأقباط علي وجه التحديد فقد عاشوا بالفعل حقباً زمنية طويلة والعلاقة بينهم وبين المسلمين جيدة، وأعتقد أن ما أجج من تلك العلاقة خلال السنوات الأخيرة نظرة فريق من المتشددين في كلا الطرفين للآخر، ولا حل أمام المصريين كي يعيشوا في سلام سوي إعلان قيام الدولة المدنية، وأدرك كم المخاوف التي تجتاح فصيلاً واسعاً من الأقباط بسبب وصول الإسلاميين للسلطة ولكني أري أن بعضها مشروع وكثير منها هواجس لأنني أعتقد أن اللحمة الوطنية ستظل قوية بين الطرفين رغم التأثير البالغ لفتاوي المتشددين علي العلاقة بين عنصري الأمة.
لأجل ذلك هاجر الكثير من الأقباط لكندا والولايات المتحدة عقب الثورة؟
- أولاً الأقباط لم يتعرضوا للاضطهاد يوماً في مصر، لكن كما قلت هناك مخاوف تجتاحهم، ولهذا هاجر بعضهم بعد الثورة ولكن الأقباط يهاجرون منذ سنوات بعيدة، وإن كانت معدلات الهجرة زادت بعد الثورة، فالأمر لا يعكس قلقاً وذلك لأن هناك مسلمين هاجروا أيضاً فالخوف جماعي بين الفريقين.
بماذا تنصح الرئيس؟
- أن يكف عن اللجوء للقروض، فالدين هم بالليل ومذلة بالنهار، كما عليه الاستماع للآخرين حتي لا يكون نسخة من الحكام المستبدين.

بطاقة شخصية
ولد جمال البنا في 15 ديسمبر 1920 في المحمودية بمحافظة البحيرة، وتوفي في 30 يناير 2013 بالقاهرة.
ينتمي إلي أسرة عريقة، فوالده هو مصنف أعظم موسوعة في الحديث «مسند الإمام أحمد بن حنبل في 24 جزءاً»، وشقيقه الأكبر هو الإمام الشهيد حسن البنا المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين.
عكف منذ طفولته علي الاطلاع بحيث تزود بحصيلة ثقافية غزيرة، وبعد أن أتم دراسته الابتدائية، ودخل المدرسة الخديوية الثانوية، حدث شجار بينه وبين أستاذه «إنجليزي الجنسية»، فترك الدراسة واستكمل دراسته بوسائله الخاصة.
واصل جمال البنا مطالعاته، وأصدر كتابه الأول عام 1945 عن الإصلاح الاجتماعي، وفي العام التالي 1946 أصدر كتابه «ديمقراطية جديدة» الذي تضمن فصلاً بعنوان «فهم جديد للقرآن» استعرض فيه فكرة «المصلحة» وانتقد الموجة الحماسية لدي بعض الدوائر بفعل نجاح دعوة الإخوان المسلمين، وقال: «لا تؤمنوا بالإيمان.. ولكن بالإنسان»، وهذه الملاحظة لاتزال أحد معالم دعوته في الإحياء الإسلامي.
في عام 1952، أصدر «مسئولية الانحلال بين الشعوب والقادة كما يوضحها القرآن الكريم»، كما أسس (1953 - 1955) الجمعية المصرية لرعاية المسجونين، وحققت الجمعية ثورة في إصلاح السجون، وأدت إلي مواجهة بينه وبين السلطات.
عندما قامت حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو عام 1952، بدأ جمال البنا في كتابة كتاب باسم «ترشيد النهضة» يري خلاله أن هذه الحركة هي انقلاب عسكري وليس ثورة، فتمت مصادرة الكتاب، وبهذا التصرف تأكد جمال البنا من أن الحركة ذات طابع ديكتاتوري.
اهتم خلال الحقبة الناصرية المعادية للاتجاهات الإسلامية بالحركة النقابية، فأصدر وترجم الكثير من الكتب والمراجع التي نشرتها منظمة العمل الدولية بجنيف والجامعة العمالية بمدينة نصر والدار القومية.. كما حاضر بصفة منتظمة في معهد الدراسات النقابية منذ أن تأسس عام 1963 حتي 1993، وكان آخر كتبه النقابية عن «المعارضة العمالية في عهد لينين» الذي كتبته مدام كولونتاي، فقام بترجمته والتعليق عليه.
في عام 1981، أسس جمال البنا الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل، وكانت منظمة العمل الدولية قد استعانت به في عدد من الترجمات، كما استعانت به منظمة العمل العربية كخبير استشاري، ونظم شبكة من العلاقات بقيادة اتحادات ونقابات في كثير من الدول الإسلامية، وفي 1981 دعا معظمها للاجتماع في جنيف خلال انعقاد مؤتمر العمل الدولي بها، وفي هذا الاجتماع تأسس الاتحاد الإسلامي الدولي للعمل مع مندوبي اتحادات عمالية في الأردن والمغرب وباكستان والسودان وبنجلاديش.
مع السبعينات وملاءمة المناخ للعمل الإسلامي، بدأ جمال البنا كتاباته التي كان أولها «روح الإسلام» و«الأصلان العظيمان: الكتاب والسنة».
ابتداء من 1990 شغل بإصدار كتابه الجامع «نحو فقه جديد» في ثلاثة أجزاء دعا فيه إلي إبداع فقه جديد يختلف عن الفقه القديم، ولا يلتزم ضرورة بالتفسيرات، أو علوم الحديث أو أصول الفقه، وصدر الجزء الثالث عام 1999، وأثار الكتاب ضجة كبيرة ودعا بعضهم لمصادرته، ومورست مؤامرة صمت إزاءه، رد عليها جمال البنا عام 2000 بإعلان تأسيس «دعوة الإحياء الإسلامي» التي ضمنها خلاصة فكره الإسلامي والسياسي والثقافي.
في عام 1997، أسس بالمشاركة مع شقيقته السيدة فوزية «مؤسسة فوزية وجمال البنا للثقافة والإعلام الإسلامي» وحول شقته إلي مكتبة تحمل اسم المؤسسة وتضم قرابة خمسة عشر ألف كتاب عربي، وثلاثة آلاف باللغة الإنجليزية، كما تضم الكثير من تراث آل البنا.
استطاع جمال البنا بفضل تفرغه للكتابة أن يصدر أكثر من مائة كتاب، منها قرابة عشرة مترجمة، وهو يكتب بتمكن وأسلوب سهل، وتعد كتبه من المراجع الرئيسية لما توفر له من صلات ومراجع.
من مؤلفاته: (المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء - الحجاب = ثلاث عقبات في الطريق إلي المجد - ديمقراطية جديدة - جواز إمامة المرأة للرجال - قضية الفقه الجديد - الإسلام والعقلانية - حرية الاعتقاد في الإسلام - الأصول الفكرية للدولة الإسلامية - ما بعد الإخوان المسلمين - مسئولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث - قيمة العدل في الفكر الأوروبي والفكر الإسلامي - نحو فقه جديد «3 أجزاء» - الإسلام هو الحل - رسالة إلي الدعوات الإسلامية المعاصرة - خطابات حسن البنا الشاب إلي أبيه - البرنامج الإسلامي - كلا ثم كلا - العودة إلي القرآن - الربا - قضية الحرية في الإسلام - سيادة القانون والحكم بالقرآن - قصة فرسان العمل - في التاريخ النقابي المقارن - العمل في الإسلام - الحركة العمالية الدولية - العمال والدولة العصرية - الجمع بين الصلاتين - قضية الإنتاج - المعارضة العملية في عهد لينين - قضية القبلات - هل يمكن تطبيق الشريعة؟ - الإسلام دين وأمة وليس ديناً ودولة - الإسلام وحرية الفكر - الجهاد - تفسير القرآن الكريم بين القدامي والمحدثين - تفنيد دعوي حد الردة - روح الإسلام - تجريد البخاري ومسلم من الأحادث التي لا تلزم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.