بعد هزيمتنا في يونيو 1967 وافق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر علي مبادرة «روجرز» وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وكان هذا يعني «مرونة اضطرارية» للرئيس المصري تعبر عن إدراكه لسيطرة الأمريكيين علي الموقف الإسرائيلي العربي!، ومع ذلك فإن قبول عبد الناصر لمبادرة «روجرز» لم يفلح في زحزحة إسرائيل عن موقفها المتصلب في عنفوان انتصارها علي مصر عبد الناصر تحديدا وسائر العرب!، بل كان لموشيه ديان صقر الحرب الإسرائيلي وقتها مقولة تساءل فيها: «ما الذي يجعلني أتفاوض مع عدو مهزوم لا يملك أية أوراق ضاغطة علينا!، الأراضي في حوزتنا، ومازالت القيادة المصرية ثابتة علي أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وحتي تملك هذه القيادة القوة لاسترداد أراضيها، فإننا لا نجد أي سبب للتفاوض!»، وماتت مبادرة روجرز ورحل عبد الناصر عن العالم بوفاته بعد ذلك، لتبدأ حقبة جديدة في مصر بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات الذي لم يتردد مرارا وتكرارا في إعلان أن 99٪ من أوراق اللعبة في يد الأمريكيين، لكنه كان يدرك كذلك أن علينا أن نفعل شيئاً حتي نحرك الموقف الاسرائيلي المتصلب، وظهر بعد ذلك أن هذا ما كان «كيسنجر» وزير الخارجية الامريكية السابق ينصح به كل من يحدثه في الضغط علي إسرائيل لكي تتفاوض حول انسحابها من الأراضي المصرية والعربية التي احتلتها في يونيو 1967، وكان السادات يعي أن للجيش المصري الذي أخذ علي غرة في 1967، ثأرة الحق من الاسرائيليين بحرب لابد منها يسترد فيها هذا الجيش وشعب مصر كله الكرامة!، فكانت حرب مصر «الساداتية» في أكتوبر 1973، والتي أسفرت عن عودة قناة السويس لمصر أولاً وإجبار اسرائيل علي التقهقر للخلف وعودة سيادة مصر علي القناة، ثم تطورت الأحداث بعد ذلك ليعلن السادات عن استعداده للذهاب إلي اسرائيل من موقع القوة!، وهو الاعلان الذي تلقفه «مناحم بيجين» الصهيوني المتعصب الذي وافق علي الدخول في مفاوضات مع مصر برعاية أمريكية، ومما انتهي إلي توقيع مصر علي سلام تعاقدي مع اسرائيل بمعاهدة مارس 1979، وهو ما مهدت له اتفاقية كامب ديفيد. ولهذا السرد التاريخي القريب منا دلالة مهمة، مفرداتها أن التفاوض بين مصر واسرائيل كان إدراكا من «بيجين» قبل السادات أن الثبات علي موقف اسرائيل المتصلب لم يعد ممكنا بعد تغير عناصر المعادلة في صراع مصر والعرب مع اسرائيل، فكان الجلوس والتفاوض والتوصل إلي نتيجة تحترم من طرفيها، وبدايتها تحريك الموقف القائم بعد 1967، وقيام مصر بحربها المنتصرة في 1973، وكان السادات قبل ذلك يردد أنه في حالة التفاوض فإن الأمر يحتاج إلي حكومة اسرائيلية قوامها ساسة أقوياء في اسرائيل، وفي اسرائيل كانوا يعتقدون أنهم يريدون التفاوض مع من يخلف عبد الناصر، وهكذا وجدت الأطراف ما صادف التوافق علي اجراء مفاوضات!. ونحن في أيامنا الراهنة تتقاذفنا التصريحات التي تشير إلي رغبة الرئاسة الإخوانية في إجراء حوار مع القوي السياسية المختلفة، فلما انعقدت جلسات سابقة لهذا الحوار تبين أنها كانت «قعدات» علي الطريقة العربية لا تسفر عن آليات وإجراءات عملية للخروج بمصر من أزمتها الخانقة التي ستؤدي بالبلاد إلي كارثة!، والمعارضة بزعامة جبهة الانقاذ لا تري سبباً اخر يدعوها لقبول حوار ينهض علي أسس قابلة للتنفيذ الناجز!، ويعلن عن توقيت لبدء الحوار ثم يكون التأجيل، والمعارضة لها تحفظاتها علي حوار تراه الرئاسة حلقة في مسلسل العقدات!، وإذا ما أبدت المعارضة تحفظاتها اشترطت الرئاسة أن تكون «القعدة» القادمة بلا شروط مسبقة!، وفي غمرة التصريحات والتضاغط بين الاطراف المعنية تقبل مصر بخطي واسعة علي كارثة تقوض وجود دولة مصر!، علي الطريق إلي «قعدة مستعصية»!.