مثال للفنان المخلص للفن، دائما ما يأخذ على عاتقه مهمة نشر الفن التشكيلي وجعله لغة البسطاء وليس لكنة الصفوة كما اعتدنا، يمد يده ويفتح أبواب الأتيليه لكل فنان لم تصبه الأضواء ولم ينله حظ من الشهرة، ليخرج فنه إلى المصريين والعالم العربي كله عبر " ضي". فلمعت في سماء الفن التشكيلي أسماء ذات ثقل ولوقعها في النفوس أثر، جميعها خرجت من بين طيات أتيليه " ضي". اشتهر في الشقيقة السعودية على مدار سنوات عديدة، إلا أن إخلاصه وحبه لبلده أبيا إلا أن يعود ليصبح أحد مشاعل التنوير والتثقيف به، باذلا في ذلك كثيرا من المبادرات التشكيلية والمسابقات الفنية والثقافية، والتي ينظمها أتيليه العرب للثقافة والفنون " ضي" ، الذي أسسه ويديره، من أهمها مبادرة " مبدعون منسيون"، "لوحة في كل بيت" ، مهرجان الشباب، معرض ما بعد كورونا، جائزة عفيفي مطر في الفن والقصة والشعر، وأخيرا معرض " مختارات عربية" الثالث، الذي يستضيف 150 فنانا مصريا وعربيا ،وغيرها، كلها أنشطة تستلفت النظر ، يتجاوز بها أتيليه " ضي" مهمته التجارية والوسيطية التي اكتفى بها آخرون إلى مهمة أكثر نبلا وثراء، ليبدو دوره بارزا لكل مهتم بالشأن الفني والثقافي. إنه الفنان التشكيلي هشام قنديل، الحاصل على دراسات عليا من أكاديمية الفنون، معهد النقد الفني، وهو مدير المركز السعودي للفنون التشكيلية، ومدير بيت الفنانين التشكيليين بجدة، ومدير الدار العربية للفنون بجدة، ومدير ومؤسس أتيليه جدة للفنون التشكيلية، وعضو اللجنة العليا لبينالي ملون السعودية للفن التشكيلي، ومدير ومؤسس لاتيليه العرب للثقافة والفنون جاليري ضي. صدر له 4 كتب عن الفن التشكيلي منها كتاب "ملامح من المشوار" عن تجربة الفنان السعودي طه الصبان وكتاب آخر باللغتين العربية والإنجليزية عن تجربة الفنان شاليمار شربتلي، وكتابان عن رواد الحركة التشكيليين السعودية. وله كتاب كبير تحت الطبع عن الحركة التشكيلية العربية. حصل على وسام الهرم الذهبي من وزارة الثقافة المصرية في احتفالية مهيبة بمناسبة مرور مائة عام على إنشاء كلية الفنون الجميلة، له دراسات نقدية عديدة في عدد من الصحف العربية. عن تجربته الفنية وأهم المؤثرات في مشواره، وعلاقته بوزارة الثقافة، وصدى مبادراته في المجتمع المصري، دار بيننا هذا الحوار: * الفن للجميع بداية يقول الفنان هشام قنديل: أعمل في مجال الفن التشكيلي على مدى 35 سنة، وأدرت خلالها مؤسسات كبيرة، وهذا الزمن بالنسبة للفرد يعطيه خبرة بالمجال ونقاط قوته وضعفه، فأدركت أن هناك فجوة كبيرة بين الفنان والمتلقي، وأدركت ايضا أن ثقافة الفن التشكيلي كانت قاصرة على صفوة المجتمع وبالأحرى الطبقة البرجوازية، وهنا ولدت فكرة "لوحة في كل بيت" محاولة لسد الفجوة بين المبدع والمتلقي ومحاولة لنشر ثقافة الفن التشكيلي في كل بيت حتى تتكون في الأجيال القادمة ذائقة الفن، وحتى يصبح الذهاب إلى معارض الفن التشكيلي شعبيًا مثل الذهاب إلى السينما أو كرة القدم، وحتى يصبح الفن للجميع. * ضي ..محبة للمصريين وعن تجربة السفر للسعودية بحثا عن الفن، والتي مر عليها أكثر من ثلاثين عاما، وتأسيسه لأتيليه ضي، يقول: كانت السعودية في ذلك الوقت وليدة في مجال الفن وكان هناك فرادى من رواد الفن التشكيلي السعودي مؤمنين برسالة الفن في كل مكان، فأثارتني التجربة ووجدت أنها لو كتب لها النجاح فسيكون لي شرف المشاركة في البناء؛ لأن الطريق في هذا الوقت لم يكن ممهدًا، وشاءت إرادة الله أن تكون بداياتي مع الفن التشكيلي منذ أكثر من ثلاثين عامًا في المملكة العربية السعوديةً وتحديدا في مدينة جدة عروس البحر الأحمر، حيث تعاقدت معي الاستاذة منى القصبي صاحبةالمركز السعودي للفنون التشكيلية كمسؤول إعلامي عن المركز، وخلال فترة وجيزة جدا لم تتجاوز عدة أشهر أصبحت مديرًا عامًا لهذا الكيان الكبير وأدرته لمدة خمس سنوات، قبل أن أنتقل إلى إدارة بيت الفنانين التشكيليين الذي أسسه الدكتور محمد سعيد فارسي امين مدينة جدة وأدرته لمدة أربع سنوات مع نخبة من رواد الفن التشكيلي السعودي مثل طه الصبان ونايل ملا وعبدالله حماس وعبدالله نواوي، وبعدها كان قراري بتأسيس أتيليه جدة للفنون التشكيلية الذي أديره إلى الان منذ ربع قرن تقريبا، وخلال هذه الرحلة كنت عضوًا في اللجنة العليا في بينالي ملون السعودية للفن التشكيلي في كل دوراته بترشيح من الفنان الكبير نايل ملا قومسير البينالي. وبعد هذه الرحلة قررت تأسيس أتيليه العرب للثقافة والفنون-جاليري ضي الذي ولد عملاقا، مما أثار دهشة وشهية متابعيه ومحبي الفن التشكيلي في مصر والعالم العربي، وبفضل الله بدأ كبيرًا منافسًا جادًا ومضيفًا إلى الحركة التشكيلية في مصر والعالم العربي ويموج بالنشاط والحركة في كل الاتجاهات من فن تشكيلي وشعر ورواية وقصة وموسيقا. هو تكوين عنفواني محسوب بدقة يدور في كل اتجاه له مركز ثابت هو محبة الفن والثقافة ومحبة مصرنا العظيمة. *علاقته بعفيفي مطر لم يكن الشاعر الكبير الراحل الباقي محمد عفيفي مطر بالنسبة لهشام قنديل مجرد زوج أخت وصديق لوالده، فها هو يؤكد علاقته الخاصة جدا به، موضحا: كان لأبي الروحي عفيفي مطر دور مؤثر في كل أفراد أسرتى، وهو الذي علمنا كيف نكون حكومة مستقلة من حكومات الضمير الوطني ولا ننتسب إلى جهة، أما من أراد أن ينسبنا إلى جهة معينة فهذا شأنه، وعلاقتي بعفيفي مطر هي علاقة تبادلية فقد كان عفيفي مطر أبًا روحيًّا لي ولأخوتي، كما كان أبي محمد أفندي قنديل أبُا روحيًّا لمحمد عفيفي مطر، وهذا ما ذكره عفيفي مطر في كتابه "أوائل زيارات الدهشة"، فقد كان أبي شاعرا كبيرا وكثيرا ما شبهه عفيفي مطر بعذوبة شعر علي محمود طه ومحمود حسن اسماعيل، ولكن تجربة أبي الشعرية توقفت في مهدها بسبب حادثة شهيرة أشار إليها عفيفي مطر في كتابه، وقبل أن يكون عفيفي مطر زوجًا لاختي الكبرى الناقدة نفيسة قنديل، كان صديقًا لابي رغم فارق السن، فقد انمحت بينهما فروق العمر والتجربة من خلال الشعر والأدب. * لست منافسًا للدولة في إجابته عن سؤال حول علاقته بوزارة الثقافة وانتفاء التعاون بينهما رغم الجهد الواضح لأتيليه ضي في نشر الفن، أجاب: كما أشرت ِ أنني قمت بمبادرات عديدة لاحتواء صغار وكبار الفن وسابقهم ولاحقهم ومن ماتوا ومن يفكر أن يدخل هذا المجال، فهل أنا بعد ذلك مطالب بدعوة الدولة أن تشترك معي؟ وقد فوجئت من خلال اشتراكنا في مجال الفن التشكيلي في معرض القاهرة الدولي للكتاب في أكثر من دورة أن وزيرة الثقافة لا تعرف عنا شيئا رغم اننا نظمنا العديد من الفعاليات الثقافية الكبرى ومن أهمها مسابقة الشاعر الكبير عفيفي مطر والتي كان يرأسها المفكر الكبير د.شاكر عبدالحميد وزير الثقافة الأسبق يرحمه الله ...ألست مصريًّا وطنيًّا يبذل قصارى جهده في مجاله بإخلاص وتفانٍ؟ فهل يقع على عاتقي بعد ذلك دعوة مؤسسات الدولة إلى مشاركتي أم العكس هو المفروض أن يحدث؟ ، ورئيس قطاع الفنون التشكيلية لم يزر أتيليه العرب للثقافة والفنون "جاليري ضي" رغم أنه يزور معارض أخرى تحت بير السلم، ورغم أن رؤساء القطاع السابقين مثل د. أحمد نوار وصلاح المليجي وحمدي أبوالمعاطي وقبلهم كان وزير الثقافة المفكر الكبير د.شاكر عبدالحميد يتواجدون بشكل دائم في الأتيليه وكثيرا ما يقدمون التوجيهات والنصائح، هذا السؤال أحوله لك لاني أريد إجابة، وأكررها لست منافسا للدولة بل مرحب بالتعاون الذي ينعكس على المجال بالخير . * مبادرات جديدة وعما يمكن أن يقدمه هشام قنديل وأتيليه " ضي" من مبادرات جديدة قال " قنديل": نعم في جعبتي الكثير، وأحدث شيء هو الاكاديمية الجديدة لتعليم الفن التشكيلي وأصوله وامتلاك أدواته، ويشرف على هذه الاكاديمية نخبة من رواد الفن التشكيلي في جميع المجالات، فإذا وجد المبتدئ من يأخذ بيده في بداية طريقه فسيبدع، وأكاد أجزم أننا نوفر على الفنان المبتدئ الوقت والجهد ولم يبق أمامه غير صقل موهبته في أسرع وقت وخوض غمار الفن بخطى واثقة. * الهدف الأسمى وأخيرا يؤكد لنا الفنان هشام قنديل: لم تكن تجربتي كلها شهدًا، بل كثيرا ما أصابتني لدغات في طريقي لجمع هذا الشهد حتى من أقرب الأصدقاء، لكنها أبدا لم تحل بيني وبين هدفي الأسمى بل زادته إصرارًا في تحقيق الفن هدفا معاشا بكل مثالياته وقيمه التي تدعو للحق والخير والجمال.