خالد عبدالرحيم السيد إن الثورات العربية ليست عبارة عن صفقة آنية تحدث مرة واحدة، إنما هي ديناميكية سوف تستمر غالبا لعدة سنوات وربما لعدة عقود قبل أن يشعر الفرد بنتائجها الملموسة وآثارها الإيجابية على الدولة والمجتمع، فالثورات العربية ما هي إلا الفصل الأول من كتاب نحو دول ديمقراطية. ولعل أحد أهم الأمثلة على ذلك هو مثال الثورة الفرنسية التي اندلعت في أواخر القرن السابع عشر، حيث استمرت عدة سنوات حتى أنجز الشعب قيام جمهورية دستورية، ورغم أن تأثير الثورة الفرنسية قد امتد في أوروبا والعالم أجمع من خلال نشوء الجمهوريات والديمقراطيات في العديد من الدول الغربية، إلا أنه كان لابد لفرنسا من أن تخوض تجربة المخاض العسير وتمر بفترة من عدم الاستقرار حتى تصل إلى وضعها الحالي. فلكل دولة طبيعتها الخاصة من مواطن القوة والضعف، وما يصلح تطبيقه في دولة ليس بالضرورة أن يصلح لنسخه بحذافيره في دولة أخرى، لذا يجب على الشعب أن يقرر في أي اتجاه يريد السير، والبحث في المعوقات والعقبات المحتملة التي قد تقف حائلا في طريق تحقيق ذلك. لا تأتي الثورات بعصا موسى للشعوب، ولا تحدث التغيرات في المجتمع في لحظة، فالناس يحتاجون لعامل الوقت حتى يصلوا لمرحلة النضج وبالتالي يصبحون مواطنين مسؤولين يستطيعون تقديم المصالح الوطنية أولا قبل مصالحهم الشخصية والحزبية، حينها فقط يمكن للشعوب الانتقال من مرحلة الآلام إلى مرحلة الآمال. ويعتقد معظم الناس بأنه عقب الإطاحة بنظام حاكم مستبد متفرد بالسلطة، فإن التغيير المطلوب سوف يحدث مباشرة، إلا أن تاريخ وفقه الثورات يحدثاننا بأن الوضع في أغلب الأحيان لا يكون كذلك، فقد يزاح الرجل القوي من على هرم السلطة ولكن يبقى النظام الذي عمل على بقائه قائما، وذلك بسبب غياب الرؤية الواضحة المتفق عليها في حراك الثورات، أضف إلى ذلك أن الخلافات سرعان ما تدب بين شركاء الثورة الذين اجتمعوا ليقاتلوا عدوا مشتركا وهو في هذه الحالة ذلك الديكتاتور المستبد الجاثم على صدورهم، ولكن فجأة لا تجد هذه المجموعات سببا يوحدها بل تكتشف أن ما يفرقها بعد الثورة أكبر بكثير مما كان يجمعها قبل الثورة، مما يخلق النزاعات فيما بينها حيث تنشغل جميعها بكيفية الاستحواذ على أكبر قطعة من كعكة السلطة والنفوذ، بدلا من وضع أسس الدولة الديمقراطية الوليدة والطريقة المثلى لإدارتها. وإذا كانت هذه الجماعات تريد بالفعل إقامة الدولة الديمقراطية على أسس سليمة، فإنه لابد لها من أن تبحر عبر الماضي لتستشرف من خلاله آفاق المستقبل، وذلك من خلال كشف النقاب عن جميع حقائق وأسرار الحقب السابقة وتمليكها للشعب حتى يكون على دراية بما كان خافيا عليه من فساد وتبعية وغيرها، فالغريب في ثورات الربيع العربي أنها لم تكشف من حقائق الماضي إلا الجزء اليسير منها وهو الفساد المالي. ومن حقنا كشعوب عربية أن نعرف ما كانت تقوم به الأنظمة الاستبدادية السابقة وعلاقاتها مع بقية الأنظمة العربية وتبعيتها للغرب وعلاقتها بالصراعات والاختلافات التي كانت موجودة أو مازالت. وما نراه اليوم من تكتم شديد من قبل حكومات دول الربيع العربي ومصالحاتها مع الأنظمة السابقة وعدم كشفها لجميع الحقائق لمن يهمهم الأمر، يجعل الشكوك تساورنا بأنه ربما كانت هناك مصالح معينة أو أسباب خفية لدى هذه الحكومات الجديدة تمنعهم من نشر هذه الحقائق، أو ربما لا يريدون إطلاق تلك الأسرار والحقائق ونشرها للعلن كي لا تتمكن شعوبهم من المقارنة بين أنظمة ما قبل الثورة وما بعدها، حيث إن تمكين الشعب من هذه الحقائق كاملة ربما يكون بمثابة مقاييس لمدى الفساد والاستبداد يستطيع من خلاله الشعب تحديد من هو السيئ ومن الأسوأ، أو ربما تكون هناك ضغوط وإملاءات من قبل بعض القوى الدولية، وربما يرى هؤلاء القادة الجدد أن المواطن همه الشاغل الآن هو توفير أولويات مطالب الثورة (بغض النظر عن الترتيب) الأمن والخبز وتعزيز كرامته الإنسانية التي كانت مستلبة في الماضي، وهو ليس في وضع يسمح له حاليا بالبحث عن أمور أخرى. لم تكشف الثورات العربية عن الكثير من الأسرار والحقائق التي حدثت في الماضي من قبل الحكومات المستبدة في دول الربيع العربي، ولكن الأيام وحدها كفيلة بأن تكشف للشعوب العربية عن هول ما كان يجري ويدور في دهاليز وأروقة الحقب الدكتاتورية السابقة من استغفال لشعوب تلك الدول، أو علاقة الأنظمة الجديدة بكل شيء قديم، أو عملية القياس من هو الأسوأ. لاشك أن السنوات القادمة سوف تكون حبلى بالكثير والمثير من حقائق وأسرار الماضي والحاضر في دول الربيع العربي، وستهب علينا عواصف من الأخبار والأحداث غير المسبوقة، ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية