كتبت منذ أسابيع مقالي «هل تعود مصر الي زمن الميليشيات؟» في تعليقي علي بدايات منفرة تنذر بلجوء القوي السياسية المصرية - خاصة الحاكمة - الي «عسكرة» بعض شبابها كذراع فاعلة لها في مقاومة والتصدي لجماهير القوي المعارضة لها، وهو الهدف الذي اتخذ شكلا عمليا تنفيذيا في إحاطة حشود من شباب الإخوان المسلمين والسلفيين بالقصر الرئاسي لحمايته - كما قالوا - من غضبة المظاهرات ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان!، وتوالت بعد ذلك تهديدات وصلت إلي حد الوعيد من أقطاب جماعة الإخوان - أبرزهم خيرت الشاطر - بأن الحشود التي تنظم مليونيات ضد حكم الجماعة والرئيس محمد مرسي، يمكن التصدي لها وكسر شوكتها بأعداد من الشباب الذين يمكن حشدهم بأعداد غيرمسبوقة - عدة ملايين - من المنتمين للتيار الإسلامي!، ومما جعلني أنزعج لبدايات هذه الظاهرة - ظاهرة الميليشيات - أن مصر قد عرفتها من قبل كجزء من بعض الأحزاب السياسية التي كانت قائمة قبل اندلاع ثورة 23 يوليو 1952 وحلها للأحزاب التي كانت قائمة وقتذاك،وقصر الحياة السياسية علي حزب واحد تابع لسلطة 23 يوليو مباشرة بدأت بهيئة التحرير ثم الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي الذي ظل قائما حتي بدأت التعددية الحزبية تعود الي مصر علي عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وعندما عرفت مصر الميليشيات الحزبية المسلحة بمسميات مختلفة مثل «القمصان السود» و«القمصان الخضراء» وغيرها غرقت مصر كلها وتهددت حياتها السياسية بعد صراعات مسلحة بين الميليشيات المتصارعة، ووقوع جرائم اغتيالات كانت جماعة الإخوان المسلمين غير بعيدة عنها رغم إصرار الجماعة علي أنها«دعوية دينية تربوية»!، فكان اغتيال القاضي «أحمد الخازندار»، الذي أصدر حكما بالإعدام ضد أحد عناصر الجماعة عقابا للقاضي علي إصداره هذا الحكم!، وظلت حوادث صراع الميليشيات ووقوع حوادث الاغتيالات فلم تتوقف إلا بعد أن تخلت الأحزاب عن شبابها المسلح وخفت هذه الظاهرة المقيتة!، في حين أبقت جماعة الإخوان المسلمين علي ذراعها العسكرية فيما عرف بالجهاز السري، الذي كان وراء محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في حادث المنشية الشهير بالإسكندرية عام 1954، الذي كان الدافع لعبد الناصر الي حل جماعة الإخوان وإعدام سبعة من رؤوس الجماعة، ثم اعتقال أعداد من أعضائها وحظر مشاركة الإخوان في أي عمل سياسي!، وهو الأمر الذي ظلت القوي السياسية المصرية تطالب بإنهائه في إطار حياة ديمقراطية سمحت ببعضها نظم الحكم، التي تعاقبت بعد عبدالناصر، حتي كانت الثورة الثانية في 25 يناير 2011، التي أنهت الحظر السياسي علي جماعة الإخوان وغيرها من فصائل التيار الإسلامي علي النحو المعروف. ولكن ظاهرة الميليشيات العسكرية الحزبية - وغير الحزبية - عادت تطل علي مصر سافرة بوجهها القبيح!، وفي ظل الانفلات السياسي والأمني الذي ظل مستمرا حتي الآن ومنذ قيام ثورة 25 يناير 2011، إذا بالجماعات المسلحة - تحت مسميات مختلفة تظهر - بما يفرزه من مناخ الصراع السياسي المحتدم حاليا، فتهاجم مقرات الأحزاب كما جري لحزب وجريدة «الوفد» منذ شهر ونصف الشهر دون أن تقوم النيابة العامة بالتحقيق في جريمة الهجوم علي حزب سياسي كبير! وتحاصر المحكمة الدستورية العليا، بل ويحاصر مقر رئاسة الوزراء، ومقر رئيس الجمهورية وغير ذلك من الدور الحكومية!،والغريب أن تظل هذه الوقائع تسند الي «مجهولين» بما يكشف عجز وارتباك الحكومة القائمة!، ولا يقبل منطق بهذا القول ومصر تعج بالكثير من الأجهزة الأمنية التي يمكنها كشف هذه التنظيمات المسلحة وتبعيتها ومصادر تمويلها والجهات التي توجهها في نشاطها!، وها هو ما حذرت من عودة الحياة السياسية المصرية إليه يعود!، ميليشيات حقيقية عاملة بالفعل، وأخري يستجد تشكيلها كما رأينا في حالة «البلاك بلوك»، التي تحرك النائب العام في مواجهتها باعتبارها منظمة إرهابية!، وها نحن ننتظر «الوايت بلاك» - الكتلة البيضاء الإسلامية - أحدث مواليد عائلة الميليشيات العسكرية الحزبية!، ومازالت مصر تنتظر المنقذ!