لقد وقف القرآن الكريم مع صفات الشيطان وأعماله في القرآن الكريم في كثير من الآيات والسور، وفسّر أعماله ووسوسته وأوضح مدى سلطانه على الإنسان سواء كان مؤمنًا أو كافرًا، وممّا يعتقده بعض الناس عن الشيطان أنّ له تأثيرًا قويًّا وسلطانًا على البشر. ولكنّ هذا القول مردود ومرفوض بما ذكره الله -سبحانه- في القرآن الكريم عن ذلك السلطان المزعوم، وإنّ أوّل أمر ينبغي معرفته عن الشيطان أنّه لا سلطان له حتى على الكافرين، وإنّما تنحصر مهمّته في الوسوسة وتزيين المعاصي للبشر لكي يرتكبوها؛ فمن ذلك ما قاله تعالى في سورة إبراهيم: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،[2] فإذًا هو لم يجبرهم ويقهرهم على المعاصي والذنوب، وإنّما فقط وسوس لهم وهم أطاعوه، ولذلك فقد تبرّأ منهم، وكذلك الشيطان لا يجعل الله -تعالى- له سبيلًا على عباده المخلصين، وإنّما سبيله -وهي الوسوسة من أحاديث النفس التي يحدّث بها البعيدين عن الحق- تكون على الذين ابتعدوا عن طريق الهداية وارتكبوا المعاصي؛ فالشيطان حينها يوسوس لهم ويُزيّن لهم طريق المعصية حتى يقعوا في المعاصي ويستمرؤوها ويعتادوها، ومن ثمّ يسير معهم ليجعلهم يقعون في الحرام ما أمكن له، وذروة ما يطمع له الشيطان هو أن يشركوا بالله تعالى، وبذلك تكون غايته التي أقسم عليها قد تحققت، يقول تعالى في سورة الحجر: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، وهذا أهمّ ما يمكن الحديث عنه حول تفسير أعمال الشيطان ووسوسته في القرآن الكريم.