قرار العودة كان مدروساً.. والهدف من ورائه إسعاد الناس أسعى إلى مجاراة جيل الشباب ومواكبة التجديد لست ناظراً ولا ناقداً فنياً.. والحكم متروك للجمهور حفلات دار الأوبرا المصرية «طوق نجاة» للفن الأصيل بعد تخلى الإذاعة عن حفلات التليفزيون كل جيل يشبه زمنه.. والتكنولوجيا أثبتت قدرة جيل الألفية على القيادة وتولى دفة السفينة من يملك الصدق والإحساس قولاً وأداء لم يكن فى حاجة للظهور الدائم حتى لا يسقط من ذاكرة الجمهور، فالفنان الحقيقى هو القادر على الحفاظ على توهجه الفنى ورصيده فى وجداننا على مدار العصور والأزمنة. حتى وإن غاب عن جمهوره قرابة الثلاثة عقود. وهذا ما حدث مع صوت مصر محمد ثروت، الذى قرر العودة للساحة الغنائية بعد غياب دام لسنوات طوال بأغنية «يا مستعجل فراقى»، والتى حققت أصداء إيجابية واسعة. متسلحا بإحساسه وصوته الطربى الشجى. نجاح الأغنية يعكس ذكاء الفنان الذى يتمتع به المطرب الكبير محمد ثروت، ولأنه يملك شفرة جمهوره، اختار صورة شعرية راقية قدمها المخرج أحمد ثروت، وعاطفة صادقة تصور كبرياء عاشق أبدعها الشاعر الغنائى تامر حسين، وجمل لحنية ترسم هزيمة رجل وقع فى فخ الحب صاغها بجدارة الملحن محمد رحيم، حتى توقيت طرح الأغنية كان مميزا، إذ طرحت تزامناً مع احتفالات عيد الحب. ليؤكد أنه ليس مهما للفنان متى يعود، الأهم كيف يعود؟. نجاح الأغنية ليس انتصارا للنجم محمد ثروت فحسب، وإنما انتصار للأغنية المصرية بشكل عام، والتى عانت من تردى الكلمة والنغمة تحت مسمى «أغانى المهرجانات». حول عودته للساحة الغنائية، والمعايير التى يختار على ضوئها كلمات أغانيه، وتحليله للوضع الغنائى الحالى. كان لنا معه الحوار التالى: رسائل حب ودعم وتشجيع جاءتك عن أغنية «يا مستعجل فراقى» كيف أثرت تلك الكلمات على محمد ثروت الفنان؟ كلمات الجمهور وزملائى من أهل المهنة أسعدتنى كثيرا لدرجة البكاء، كلماتهم وإشادتهم بالاغنية منحتنى حياة اخرى، وطاقة شاب على أول الطريق لمواصلة مشوارى الغنائى، وسعيد جدا أننى كسبت جمهورا جديدا من فئة الشباب الذين لا يعلمون شيئا عن محمد ثروت، وذهبوا لسماع الأغانى القديمة الخاصة بى بعد إعجابهم بأغنية «يا مستعجل فراقي»، وسعيد أيضاً بالحالة التى صنعتها الأغنية على السوشيال ميديا. هل توقعت هذا النجاح الكبير؟ بفضل الله أحظى بمكانة وأهمية كبيرة لدى الجمهور، بالإضافة إلى أنه كان هناك مؤشرات استباقية يمكنك من خلالها استشراف نجاح العمل من عدمه، فى الحقيقة تامر حسنى صانع كلمات صادقة ومعبرة، والملحن محمد رحيم نجح فى توظيف الكلمات فى جمل لحنية رائعة، ولكن يظل الفنان ينتظر مردود المشاهدين حول أى عمل. قرار العودة لم يكن بالأمر السهل على قيمة فنية كبيرة بحجمك.. كيف استعددت لها؟ أحب أن أنوه بأننى لم أتغيب عن الساحة الغنائية بالمعنى الحرفى للغياب، فقد كنت أشارك فى المناسبات الدينية وفى حفلات دار الأوبرا المصرية تحديدا ليالى مهرجان الموسيقى العربية، لكن يمكن القول إنها المرة الأولى بعد غياب طويل أعود للساحة كمطرب عاطفى مثلما عرفنى الجمهور منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، قرار العودة كان مدروساً ومخططاً له من البداية والهدف من ورائه إسعاد الناس وتقديم لهم عمل غنائى يليق بذوق الجمهور المصرى المتعطش للفن الراقى الطربى، تعاونت مع الشاعر الشاب تامر حسين، فأنا من أشد المعجبين بكلماته التى تحكى عن حالة درامية وليست كلمات عابرة، واخترت الملحن محمد رحيم فهو صاحب رؤية وفكر ويتميز بجمله اللحنية الدافئة وهذا ما كنت أبحث عنه؛ عمل عاطفى دافئ. نجاح «يا مستعجل فراقى» وهو لون غنائى افتقدناه وسط حالة التردى التى يعيشها سوق الغناء هل تعتبره انتصاراً لك وتعويضاً عن سنوات الغياب؟ نجاح أغنية «يا مستعجل فراقى» يؤكد أن ذوق الجمهور المصرى «لسه بخير»، وأن مصر ستظل أم الفنون ومهد الحضارات. وأتمنى أن عودتى تشجع جيلى من الفنانين ممن تواروا خلف الأضواء. هل ترى أن التوقيت خدم الأغنية خاصة أنها طُرحت تزامناً مع احتفالات عيد الحب؟ فى الحقيقة التوقيت خدمنا، لم يكن فى الحسبان صنع أغنية لعيد الحب، الأمر جاء بالصدفة، وباتت الأغنية صديقة ل«السناجل» فى عيد الحب. الأغنية من ضمن عدة مشاريع غنائية سيتم طرحها تباعا عبر قناتى الرسمية على اليوتيوب. تولى نجلك أحمد ثروت مهمة إخراج الكليب.. ما تقييمك فى أول تجربة إخراجية له؟ سعيد بنجاح أحمد بالتعاون معه جدا، أنا مؤمن به وبموهبته ورؤيته الفنية، الكليب كان صعبا، ومهمته كانت أصعب، وهى تصوير فيديو فى مكان واحد بمطرب وآلة موسيقية واحدة وهى البيانو، وبفضل الله ورؤية أحمد الفنية نال الكليب إعجاب الجمهور، واستقبل الفكرة بشكل جيد، حيث حافظ فى الكادر وشمل الدراما الموجودة فى الكلام واللحن، فهو الذى اختار مكان التصوير فى بيت قديم فخم لكنه منهار لتجسيد حالة الأغنية العائق المحب الذى اكتشف أنه كان يعيش فى أحلام وهمية وفى النهاية فتح على مأساة رغم روعة الحب. الحفاظ على النجاح أصعب من النجاح نفسه.. فكيف حافظ محمد ثروت على شعبيته ومكانته لدى الجمهور حتى لا يسقط من ذاكرتهم؟ الحفاظ على النجاح يتطلب خطة واستراتيجية معينة، وأنا خطتى احترام الجمهور وتقديم فن يليق بهم، ذوق الجمهور لم يتغير وخير دليل أن الأغنية نالت إعجاب الشباب والأطفال وليس الكبار فقط، الجمهور المصرى يقظ وواعِ، ويحترم فنى لأنى احترمته لما كانوا أطفالاً من أول «طيور النورس، وبسم الله، وجدو على، وحبيبة بابا رشا، وعيد الميلاد، وكل بلاد الدنيا جميلة لكن أجمل من وطنى لا»، فلا عمرى قدمت شيئا مبتذلا ولا خدشت حياءهم، ولا حاولت أركب الموجة، وبالفعل لى ذكرى طيبة فى ذاكرة الجمهور، وكذلك الأحفاد، لأننى طوال عمرى أتعامل مع الفن أنه رسالة وليس مصدر دخل، أنا فى الأصل مهندس وأعمل وأدخر من وراء مجالى وليس من وراء الفن. وفى النهاية رد لى الجميل فى «يا مستعجل فراقى». قدمت أغانى متنوعة ما بين دينية ووطنية وعاطفية.. متى نراك فى أغنية وطنية توثق ملامح الحياة السياسية وحالة الازدهار والبناء الذى تعيشه مصر عقب الثورة؟ فخور أولا بإنجازات الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يحرص على وضع مصر على خارطة التحضر والتحول الرقمى، وقريبة جدا سأقدم أغانى وطنية، فهى من ضمن المشاريع التى أعمل عليها حاليا. ألم تخشَ من العودة فى زمن فنى تسيطر عليه «أغانى المهرجانات» والألقاب فيه توزع يمينًا ويسارًا على فنانين لا يستحقونها؟ إطلاقاً، فرق التوقيت لم يفرق معى الأهم كان بالنسبة لى كيف أعود بعمل غنائى يليق بمكانتى ورصيدى الغنائى الذى أحتفظ به عند الجمهور. فرصيد الفنان هو جمهوره، وأعتقد أننى لدى رصيد كبير لديهم، فلا أبالغ إذا قلت إننى جاءتنى رسائل من جميع أنحاء العالم يشيدون بنجاح الأغنية ورحبوا بعودتى للفن، كل هذا ساعدنى على استعادة الثقة فى أذواقنا. عاصرت جيل الكبار وتعاونت مع كبار الملحّنين وعلى رأسهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ومحمد الموجى ومنير مراد ومحمد سلطان وحلمى بكر وعمار الشريعى، وأيضاً الأجيال الفنية التى تليك ومؤخرا تعاملت مع جيل الشباب فى أغنيتك الجديدة «يا مستعجل فراقى» هل لمست فروقا جوهرية بين الجيلين؟ بالتأكيد هناك فروقات، كل جيل يشبه زمنه، وهذا لا ينطبق على الفن فقط وإنما على كل القطاعات، أشعر أن الجيل الحالى مظلوم لكنه يملك الموهبة والدفة التى تؤهله لمجاراة كبار الفنانين والملحنين والشعراء، وأعتبر نفسى محظوظا لأننى عملت مع موسيقار كبير بحجم محمد عبدالوهاب ومحمد الموجى ومنير مراد ومحمد سلطان وحلمى بكر وعمار الشريعى، يكفى أنهم من ريحة مصر الجميلة الأصيلة ومن ريحة الزمن الجميل، وهذا لا يعنى أننى أقلل من شأن الجيل الجديد فهو أيضاً موهوب ومثقف ولكن الكثرة تغلب الشجاعة لأن الأسوأ أكثر، ولكن هذا لا يمنع أن هناك جيلا موهوبا وهذا لمسته من خلال تعاونى مع الشاعر الشاب تامر حسين، والملحن المميز محمد رحيم، جيل الألفية قادر على القيادة وتولى دفة السفينة، وهذا ما أكدته التكنولوجيا والتغير المتسارع فى نماذج الأعمال التى تتطلب الجيل الشاب الذى يتقنها، وهنا يأتى دور الكبار، الفنان الذى يريد أن يحافظ على وجوده بين الناس وفى ظل التغير المتسارع الذى نشهده عليه أن يواكب حركة التطور الذى تشهدها الساحة الغنائية مع الحفاظ على رونق الموسيقى الشرقية وجمال ونقاء الكلمة وعذوبة اللحن. وأن يمنح الجيل القديم خبراته للجيل الجديد بدلا من نعتهم والتقليل من شأنهم طوال الوقت. وكيف ترى حال الأغنية المصرية الآن؟ لست ناظرا ولا ناقدا فنيا، اعتدنا منذ قديم الأزل أن مثلما يكون هناك الطالح هناك أيضاً الصالح، والساحة الغنائية كبيرة تتسع للجميع والحكم فى النهاية للجمهور، أنا فقط أركز على أعمالى الغنائية والمضمون الذى أقدمه. بماذا تطمح بعد قرار عودتك للساحة الغنائية؟ بعد نيل «يا مستعجل فراقى» إعجاب الشباب أسعى فى الفترة المقبلة إلى مجاراة الجيل الجديد من الشباب من الفئات العمرية 16 و15 سنة الذين لا يعرفون شيئا عن محمد ثروت المطرب، ومواكبة التجديد. ولماذا اقتصر ظهورك الفنى طوال السنوات السابقة على حفلات دار الأوبرا المصرية ومهرجان الموسيقى العربية فقط؟ دار الأوبرا المصرية تعد رافدا من روافد الثقافة المصرية، وطوق النجاة للفن الأصيل خاصة بعدما تخلت الإذاعة عن حفلات ليالى التليفزيون، التى كانت تمثل محطة أساسية لإطلاق الأصوات الجديدة وتكريس نجومية المطربين لدى الجمهور المصرى، لكن حفلات الأوبرا وحدها لا تكفى جمهورية مصر العربية فيها 100 مليون مواطن وساحات الأوبرا لا تكفى هذا العدد، لذا أتمنى تكثيف الحفلات الغنائية فى كل محافظات وربوع مصر واكتشاف مواهب غنائية جديدة مثلما كان يحدث فى السابق. ما السبب الذى حال دون استمرارك فى الغناء كمطرب وفى السينما كممثل على الرغم من الجماهيرية العريضة التى حققتها آنذاك؟ كنت أتمنى الاستمرار، الابتعاد لم يأتِ عن طيب خاطر، ولكن الأعمال التى عرضت علىّ لم تكن مناسبة سواء على مستوى الأغنية أو السينما والدراما، الفنان يجب أن يكون مؤثراً فى الجمهور وهذا ما كنت أبحث عنه، فكما ذكرت سلفا الفن بالنسبة لى هواية ليس مصدر رزق، أنا فى الأصل مهندس وأعمل فى مجال مهنتى.