اشتعلت فتنة الأضرحة في مصر خلال الأسبوعين الماضيين، واستشاط المنتمون إلي التصوف غيظا للمساس بمقامات آل البيت الذين يعدونهم بركة مصر وسبب حراستها من الانهيار، وكان وجود آل البيت في مصر إضافة إلي مرور السيدة مريم العذراء وابنها عيسي المسيح عليه السلام بها سببا لتسميتها »مصر المحروسة«. توجهت الاتهامات إلي السلفيين، ولأن الأمر جلل وعظيم دعا الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية علي من يمس قبور آل البيت، واتخذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر موقفا أشد عندما دعا إلي محاربة الأفكار المتطرفة في المساجد وعلي المقاهي، وأكد العالمان الجليلان أن الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة ليست باطلة، والدليل علي ذلك أن المسجد النبوي يحوي قبر النبي صلي الله عليه وسلم ويرقد إلي جواره صاحباه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وأعلن عدد ذلا بأس به- من العلماء السلفيين أنه لا علاقة لجماعتهم بهدم الأضرحة، وأنهم ينهون عن الصلاة في مساجد الأضرحة، لكنهم يرفضون هدمها، وأنهم يرون جواز الصلاة فيها عند الضرورة. وتكرار النفي من أئمة السلفيين ذو دلالة علي أنهم لا يرضون عن الممارسات الهمجية تجاه الصالحين الذين توفاهم الله ويحمل لهم جمع كبير من المصريين مودة وحبا لقرابتهم من رسول الله صلي الله عليه وسلم، مع التسليم بأن هناك جهلاء يغالون في الاعتقاد بأصحاب القبور، لكن هؤلاء الجهلاء ليسوا هم القاعدة، وإنما الشائع أن كثيرا من مسلمي مصر لديهم هوي وعاطفة لكل ما يمت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم بصلة، والبسطاء منهم ممن لا يملكون القدرة المادية محرومون من زيارته، فيجدون بعض العوض في نسائم الأماكن التي حل بها أهل بيته الكريم في مصر. وقبل أن تتحول الفتنة إلي حرب دينية علي خلافات هامشية، جاءت الدعوات من أطراف عاقلة تنادي بالصلح بين طرفي المشكلة، من أجل وأد فتنة لا تستحقها مصر، ومن هذه الأصوات القيادي الإخواني جمال حشمت الذي تبني الدعوة إلي الصلح بين الصوفية والسلفيين في البحيرة والإسكندرية، ووجدت الدعوة قبولا من الطرفين، ونرجو أن تكلل هذه الجهود الحميدة بالنجاح. إن مصر في هذه الفترة الفاصلة تحتاج إلي جميع الجهود، وأن نبحث عما يجمعنا وندع ما يفرقنا، وألا نلتفت إلي الأيادي التي تعبث لتجرنا إلي الخراب ثم تترك الآخرين يتحاربون ويتقاتلون علي قضايا هامشية لن تنفع، ولكنها تضر. وعلينا أن نتذكر مقولة الإمام الشافعي رضي الله عنه: »رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب«، وهذا أحد أئمة الإسلام الكبار لا يدعي لنفسه العصمة من الخطأ في الرأي. لذا فإنه علي الجماعات الدينية أن تجتمع علي المهمة العظيمة التي تنتظرها مصر من جميع أبنائها، وهي التفكير في كيفية بناء مستقبل مصر، وتحقيق مراد الله منا بإعمار الأرض وتركها عامرة خضراء لنا وللأجيال المقبلة، ففي الحديث الشريف عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: »إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتي يغرسها فليغرسها«. المهمة التي تنتظرنا الآن هي غرس أرض مصر بالخير واستخراج ثرواتها والاستفادة من كل قطرة ماء فيها، واحتضان العقول البشرية الوطنية الجبارة قبل أن تهرب إلي الخارج. لو استطعنا، ستكون مصر من أرقي الأمم خلال سنوات قلائل. [email protected]