ل عارف نفت الرئاسة المصرية ما كشفته وسائل الإعلام المصرية والعربية والدولية عن زيارة سرية تمت مع نهاية العام الماضي لقائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني للقاهرة. واجتماعه مع مساعد الرئيس المصري للشؤون الخارجية عصام الحداد وعدد من قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" لنقل خبراته في وسائل السيطرة على أجهزة الأمن الرسمية، وانشاء تنظيمات موازية تدين بالولاء للجماعة، ورغم النفي الرسمي، فإن قضية الزيارة مازالت تتفاعل في الحياة السياسية في مصر، ربما لأن الكثير مما تم نفيه رسمياً قبل ذلك ثبت بعد ذلك صحته، وربما لأن الواقع يكشف حتى بدون مثل هذه الزيارة عن جهد محموم في اتجاه ما أصبح يسمى في مصر ب"أخونة" مؤسسات الدولة، والهيمنة عليها. وفي هذا الإطار، ترافق حديث الزيارة السرية، مع التعديل الوزاري الذي ضاعف من عدد الوزارات التي تشغلها كوادر إخوانية والذي أثار الشكوك حول إمكانية أن تجرى الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر ابريل المقبل في مناخ محايد، مع سيطرة الإخوان على الوزارة المختصة بالإدارة المحلية والإشراف على الأجهزة الإدارية في المحافظات، ومع السيطرة على وزارات الإعلام والأوقاف والمالية وغيرها. ومع تغيير وزير الداخلية والمجيء بوزير جديد يعرف أن سلفه فقد مقعده الوزاري رغم جهده المعترف به في الفترة الماضية - لأنه لم ينفذ تعليمات "الإخوان المسلمين" في مواقف عديدة. ويتوافق حديث الزيارة السرية وما قيل عن "أجندة" الموضوعات التي تناولها، مع اذاعة تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أحداث الثورة وما تلاها، وما كشف عنه من وجود مجموعات مسلحة خاصة بالإخوان، شاركت في أحداث الثورة بعد 28 يناير. ويترافق الأمر كذلك مع مخاوف تتصاعد من انتشار الميلشيات المسلحة، ليس في سيناء وحدها، بل في قلب القاهرة وعواصم المحافظات. في أحداث الاتحادية كانت هناك ميلشيات منظمة ومسلحة جاءت للانتقام من الثوار. وفي العديد من الأحداث كان هناك دور غامض لجماعات غير معروفة، أو دور ظاهر ومكشوف كما حدث في الهجوم على حزب "الوفد" وصحيفته، والتهديد بمحاصرة أقسام الشرطة وتأديب وزير الداخلية ورجاله، كما هدد أبو أسماعيل ابن الاخوان قبل ذلك وحليفهم الآن، وتتزايد الخطورة حين يبدو الأمر في صورة مخطط شامل للإمساك بكل مفاصل الدولة. وربما كان الأبرز في هذا السياق ما يحدث مع القضاء والإعلام. يناضل القضاة ببسالة لصد الهجمة التي تستهدف اختراق القضاء والسيطرة عليه. لقد تم الانتقام من المحكمة الدستورية العليا والتي كانت تحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم، بتقليص عدد أعضائها في الدستور الجديد للتخلص من قضاة مستقلين في مقدمتهم القاضية الشجاعة تهاني الجبالي. ويتكرر الأمر في الإعلام. وزير إخواني للسيطرة علي التلفزيون والإذاعة الحكوميين. وقرارات ضد القانون للهيمنة علي الصحف القومية. ورغم ذلك فإنهم مرعوبون من الإعلام المستقل الذي يتمثل في عدد من الصحف المستقلة والقنوات التلفزيونية الخاصة. ومن هنا تأتي الحملة الهائلة التي يشارك فيها كل المسؤولين مع قيادات الجماعة ضد "إخوان الشيطان" كما يطلقون على الصحافيين الذين يعارضون سياستهم. وهنا ينبغي أن نقول إنه منذ أن صدر الوعد الرئاسي بعدم الحبس في قضايا النشر عام 2004 لم يحبس صحافي مصري واحد في قضية نشر حتي الآن. وحتى في القضايا التي حكم فيها بالإدانة لم تنفذ الأحكام ووجدنا طريقة قانونية لإلغائها. لكن هذا الوضع يبدو مرشحاً للتغيير في ظل موجة القضايا التي تطارد الصحافيين، وفي ظل تورط رئاسة الجمهورية نفسها فيها، وفي ظل فتح الباب مرة ثانية، وبنص دستوري، لمصادرة وتعطيل وإلغاء الصحف. لكن الأخطر هو ما يجري في أجهزة الأمن، وإذا كانت المخابرات والجيش مازالا بعيدين عن مثل هذه المخططات، فإن التركيز يبدو أكثر على جهاز الشرطة، وهناك الآن حديث عن محاولة تعيين آلاف من خريجي الحقوق كضباط بعد تدريب سريع لمدة 6 شهور، وهناك أيضاً حديث عن مجموعات للمساندة الشعبية من متطوعين لمساعدة الشرطة في استتباب الأمن، وقد تكون معارضة مثل هذه المخططات وراء الخروج غير المتوقع لوزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين.. بالإضافة إلى أسباب أخري منها رفضه التدخل واستخدام السلاح في أحداث "الاتحادية" واتهامه بالتقصير في حماية مقرات حزب "الحرية والعدالة "الإخواني من الحريق على أيدي الجماهير الغاضبة، ومنها وربما أهمها على الإطلاق- التقارب الذي حدث بين وزير الداخلية السابق ووزير الدفاع الفريق السيسي، والتنسيق الذي تم بينهما في مواقف كثيرة. وبغض النظر عن زيارة قائد فيلق القدس الإيراني أو عدم زيارته، فإن ما أثير حولها هو جوهر الصراع الآن في مصر. البعد الخاص بالأمن القومي العربي هنا يحتاج لحديث مفصل، خاصة مع جماعة ناضلت ضد "العروبة" واستخدمت الدين لضرب حركة القومية العربية، وتحالفت مع العدو لتقطع الطريق على وحدة العرب. الصراع الآن في مصر هو حول "التمكين" للفاشية الجديدة التي تستخدم الدين لفرض الديكتاتورية. والمهمة الأساسية للقوى الوطنية في مصر الآن هي منع تحول مصر إلى هذا الطريق. القضاة يقاومون والصحافيون يقاومون، وأجهزة الأمن ترفض "الأخونة"، مصر المدنية تقاوم بمثقفيها ومبدعيها وبالملايين التي تقول "لا" وترفض الفاشية مهما ارتدت قناع الدين الحنيف. وحين يكون الحديث عن تنظيمات موازية لأجهزة الأمن يتم التباحث بشأنها مع قائد فيلق القدس الإيراني، فإن هذا يعني أنهم فشلوا في السيطرة على أجهزة الأمن وفي اختراق جيش مصر الوطني الذي كان على الدوام في طليعة الحركة الوطنية لا ينفصل عنها، ولا يخون ما التزم به من أن يكون حامياً للوطن وللشعب. مخطط "أخونة مصر" سوف يفشل، بل فاشل قبل أن يبدأ، مصر أكبر من أي جماعة فاشية، حتي لو تمتعت بدعم "الشريك الاستراتيجي" واشنطن، أو "الصديق الوفي" في تل أبيب، أو " الناصح الأمين" في تشكيل الحرس الثوري، "الأخونة" لن تنجح، والميلشيات لن تحكم مصر. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية