يخطيء «الإخوان المسلمون» والرئيس محمد مرسي اذا كانوا يستهينون الى هذا الحد بقدرة المواطن المصري على تحدّيهم. يخطئون بحق انفسهم اولاً وبحق الثورة التي اطاحت النظام السابق، وبحق مصر في ان تنعم بمستقبل افضل بعد الآمال التي علّقت على الثورة والضحايا الذين سقطوا في سبيل الوصول الى هذا المستقبل. حجة «الإخوان» في تحدّي اكثرية المصريين انهم يلعبون اللعبة الديموقراطية على أصولها. رئيسهم، كما يقولون، جاء باكثرية حصل عليها بالانتخاب من دون تزوير، ودستورهم صوتت عليه اكثرية المصريين، بحسب الارقام المعلنة، وكان يمكن ان تشارك المعارضة في التصويت وان تسقط هذا الدستور. يقولون ايضاً انهم متعجّلون، لأنهم يريدون لعربة مصر ان تسير، بعد توقف دام حتى الآن قرابة عامين منذ 25 يناير. غير ان هذه الحجج تتهاوى امام واقع ان الاكثرية التي يتحدث عنها «الإخوان» لم تتجاوز نصف المصريين الذين صوّتوا لمرسي. اما بالنسبة الى الدستور، فاذا احتسبت نسبة الذين لم يشاركوا في التصويت، وهم اكثر من ثلثي المصريين، فانه يمكن القول ان ما لا يزيد عن 20 في المئة هم الذين صوّتوا ب «نعم» على هذا الدستور. وهل هكذا يتم تمرير الدساتير، التي من اولى المواصفات اللازمة لتحصينها أن تحظى بأوسع اجماع ممكن بين المواطنين؟ تتهاوى حجج «الإخوان» ايضاً امام واقع ان ما يفعلونه أحدث شرخاً عميقاً في المجتمع المصري، أين منه ما فعله نظام حسني مبارك. هناك اتهامات يطلقها «الإخوان» ضد خصومهم تصل الى حدود التشكيك بوطنيتهم وبايمانهم الديني، فيما يرد هؤلاء الخصوم بأن ثورة مصر قامت من اجل الانتقال الى الامام لا من اجل العودة الى عصور «ظلامية»، كما هي التهمة الموجهة عادة الى الفكر «الإخواني». وتتهاوى حجج «الإخوان» امام واقع الانهيار الذي يهدد الوضع الاقتصادي في مصر، بدءاً من الحركة السياحية ووصولاً الى الاستثمارات الاجنبية، وهي الضرورية لإنعاش أي اقتصاد. اذ كيف لهذه الاستثمارات ان تأتي في ظل ما يشهده رجال الاعمال على شاشاتهم كل مساء من مواجهات دامية بين «المجتمَعَين» المصريين، والتي ليس هناك ما يشير الى انها الى نهاية قريبة؟ وكيف للمجتمع المصري ان يتحمل اجراءات التقشف التي لا بد منها لمواجهة هذا الوضع الصعب، في غياب الالتفاف الوطني حول القيادة؟ ان ما يجري في مصر يكشف ضيق صدر «الإخوان» بأي رأي مخالف، وعجزهم عن الانفتاح على التيارات التي تخالفهم الرأي. لقد عاش «الإخوان»، في مصر كما في غيرها، على هامش العمل السياسي بسبب ما تعرضوا له من قمع، لم يكونوا ابرياء من المسؤولية عنه، بسبب اعمال العنف التي مارسها بعض التنظيمات القريبة منهم. وطوال هذا الوقت كانت القوى والاحزاب ذات الافكار المدنية والليبرالية، والتي لا تتفق مع فكر «الإخوان» بل تقف على النقيض منه، تدافع عن حقهم في العمل السياسي، وترفض اسلوب الإبعاد المعتمد ضدهم. فلماذا هم يتعاملون اليوم بهذه الطريقة الفجّة والفوقية مع كل تيار مختلف، وكأنهم وحدهم هم المؤتمنون عل مصر وعلى كل الحقيقة؟ لقد اثبتت انتفاضة اكثرية المصريين ضد الهيمنة التي يسعى «الإخوان» الى ممارستها على مؤسسات مصر، الدستورية والقضائية والعسكرية، ان هذه الاكثرية ترفض الخضوع للمتاجرة بالدين، في سبيل الوصول الى غايات سياسية، وتريد لثورة 25 يناير ان تحقق اهدافها في بلوغ مجتمع ديموقراطي حقيقي يكون فيه صوت المواطن مسموعاً، من دون ان تقمعه سلطة الرأي الواحد. وفي التحدي المصري ل «الإخوان» ما يمكن أن يبشر بالخير بالنسبة الى مستقبل مصر، وربما ايضاً الى مستقبل «الربيع العربي». اذ لم تعد الهيمنة «الإخوانية» امراً يسهل فرضه على المجتمع، في مصر كما في غيرها. نقلا عن صحيفة الحياة