يتلاقى الجيشان في الموقعة الحربية فيلتحم الجنود في صراع ضارٍ ويحاول كل منهم ان يبدي أقصى قدر من العزم والشجاعة في مواجهة عدوه، ويسعى باصرار لا يعرف الكلل الى قتل أكبر عدد من جنود الجيش المعادي.. هذا الجندي الباسل يستند في طرد الخوف من قلبه الى استدعاء الغضب وتركه يستعر في داخله، فيستمر الحنق والأدرينالين المتدفق في امداده بالطاقة والعزم لافتراس المزيد من الجنود وتقطيع أوصالهم واذلال من يقع في الأسر منهم.. كل هذا يفعله الجندي الباسل من أجل الشرف والمجد.. الشرف لنفسه والمجد للسلطنة أو المملكة أو الامبراطورية، ولصاحب المقام الرفيع حاكم البلاد الذي أشرف على قيادة الجيش ودفع رجاله لمحاربة قوم لا يعرفونهم وقتل رجال لم يسيئوا اليهم وتخريب ديار قد تكون لم تمد لهم اليد بأي أذي!. هذا هو ما يحدث على مر التاريخ.. الجندي الذي انتزعوه من أحضان زوجه وأطفاله ليدفعوا به الى قتال لا يعرف أسبابه، ومعركة لن ينجو منها الا اذا قام بقتل كل من يصادفه من رجال هم مثله تماماً لهم عائلات وأطفال، ولديهم أرض تحتاج لمن يزرعها لإطعام أفواه الصغار. لكن ترى ما الذي يجعل الرجل ينصاع ليكون ترساً في آلة للقتل في معركة لا تخصه وانما فقط ترضي طموح القادة والملوك الذين يتصارعون من أجل توسيع رقعة المال والنفوذ والسيطرة؟.ما يجعله ينصاع هو الخوف من العقاب، فالملوك يضرب الواحد منهم بمَن أطاعه مَن عصاه! ولا يعني رفْض المشاركة في القتال الموت فقط، لكن تلويث الشرف، والعار الذي تنشط ماكينتهم الاعلامية في إلحاقه بذريته وأبنائه.و هناك أيضاً الحوافز التي يقدمها السادة للعبيد حتى يحصلوا على مجهودهم الحربي، والتاريخ يذكر لنا أمثلة عديدة لهذا النوع منها القاتل الأشهر «وحشي» الذي دفعوه لقتل رجل يحبه ويحترمه ويقدره كل التقدير هو حمزة بن عبد المطلب، مقابل حريته التي لم يحصل عليها أبداً.. على الرغم من أنهم أعتقوه!. في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر أتى الى ذكر حالة أحد الجنود التي مرت به وقت ان كان قائداً لأركان الجيش يعمل على الاعداد للمعركة.. ذكر الشاذلي أنهم عرضوا عليه مسألة غريبة تتعلق بجندي يرفض القتال، وأنهم يخشون من تأثيره على الروح المعنوية لبقية الجنود، وقال الشاذلي انهم أخبروه ان هذا الفتى يتعلل بأنه شخص مسالم لا يستطيع قتال حتى الذين يعتدون عليه، وأنه غير مؤهل للقتل ولا يؤمن بالحرب كوسيلة لحل المشكلات بين البشر.بطبيعة الحال فان السجن كان مصير هذا الشاب الذي يسهل على الجميع وصفه بالجبن والتخاذل والخيانة، خاصة وان الحرب التي دُعي اليها كانت حرباً عادلة من أجل تحرير الأرض التي اغتصبها بالحرب عدو غادر خسيس.. لكن قد يكون من المفيد النظر الى الأمر من زاوية أخرى هي ان هذا الشخص هو انسان مختلف حقاً، له قناعات يصعب علينا فهمها لأننا لا نقف معه على ذات الأرضية الفكرية والنفسية، وأنه قد لا يكون مَن حسبناه خواراً جباناً، بل شخص آمن حقاً -على العكس منا جميعاً- بمقولة المسيح: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا الى مبغضيكم!. نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية