لو نعود بذاكرتنا إلي الأيام الأولي من ثورة 25 يناير المجيدة.. التي توجت بانتصار الإرادة الوطنية علي نظام من أشد الأنظمة الحاكمة استبدادا وقهرا.. انهار في 18 يوما فقط.. أمام الإصرار وعزيمة شعب مصر الثائر الذي أراد الحياة.. بحرية، وكرامة إنسانية، وعدل.. واستجاب القدر بعد ان استشهد ما يزيد علي 1000 شهيد، وأصيب آلاف من أبنائه.. سالت دماؤهم الطاهرة علي تراب الوطن. وكان أمل الخلاص من فترة حكم غاشم.. دافعا قويا لأن يولد في بدايات الثورة.. «الحلم المصري» الذي طال انتظاره.. في أن تعود مصر إلي ما كانت عليه من مكانة تستحقها.. ولتاريخ مشرف حققته وحملته معها عبر العصور.. ولا يتوقف ذلك علي تاريخ قديم علمت الانسانية فيه الحضارة.. ولكن أيضا في التاريخ الحديث.. كانت نهضة مصر فيه حقيقية.. وليست «نهضة علي ورق» كما نري الآن!!. فلقد كانت نهضة مصر الحديثة مدعاة لأن تجيء الدول إلي مصر للاستزادة من نموذج النهضة الوطنية المصرية علي جميع نواحي الحياة.. ومن تلك الدول كانت اليابان والهند وغيرهما. ولعلنا سنتذكر أيضا.. كيف طالت الهامات وتجدت الآمال وكان الشعب كله بكل طوائفه وتنوعاته بحق «يدا واحدة». هذا.. بالرغم من فترة الارتباك التي مرت بها البلاد وكان سببها لجنة التعديلات الدستورية «سامحها الله» التي جعلت الانتخابات البرلمانية للمجلسين، والرياسية.. قبل اعداد الدستور.. والتي أجري عليها استفتاء 19 مارس.. جري فيه ما جري.. واقحمت فيه الجنة والنار.. مع أنه كان من الموجب الانتهاء من الدستور أولا.. الذي هو أساس بنيان الأوطان يعرف «بكتاب الوطن»!!. ومع ذلك كان حرص المواطن المصري في أن يكمل المشوار حرصا علي تحقيق «الحلم المصري» والمحافظة عليه.. والذي جددته الثورة المجيدة. فبعد الانتخابات الرئاسية.. وحصول الرئيس محمد مرسي علي حوالي «12 مليون» صوت بنسبة 51٫3٪ من مجموع الأصوات الكلية للناخبين.. وكان الفرق بينه وبين المنافس الفريق أحمد شفيق أقل من 2٪.. ومع ذلك كان الاتجاه العام.. وخاصة ممن لم ينتخبوه.. هو الاصطفاف وراء الرئيس الجديد وتجاوز الاختلافات السياسية.. خاصة بعد تكرار ما تعهد.. ووعد به قبل الانتخابات مباشرة وعند تنصيبه المنصب امام المحكمة الدستورية العليا، وخطاباته وكلماته المرتجلة التي ألقاها في جامعة القاهرة وميدان التحرير. ومنذ ذلك الوقت «حوالي 5 شهور».. تعرض الشعب المصري لممارسات لم تكن أبداً في الحسبان.. كانت بسبب قرارات رئاسية.. واصدار اثنين من الاعلانات الدستورية.. أدت إلي احداث الفرقة والانقسامات بين الطوائف والهيئات.. مثل ما حدث بالنسبة لقضاء مصر الشامخ.. وبين ابناء الشعب الواحد عامة، وأصبح هناك فسطاطان.. أحدهما يريد لمصر العظيمة أن تصبح ولاية عاصمتها خارج البلاد، و«طظ في مصر»!! والآخر يريد العودة بمصر التي علمت الانسانية الحضارة.. وكان سبيلها في ذلك الدين المستنير والتوحيد.. والعلوم والفنون.. والعظمة في البناء والتشييد. وما نحن فيه الآن بسبب فصيل واحد يريد اختطاف وطن بأكمله!!. ظهر ذلك واضحا من خلال ما سمي بالإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي في 22 نوفمبر.. والذي ملخص مواده تقول بوضوح.. «لا أوريكم إلا ما أرى». أما عن مشروع الدستور الجديد الذي سيجري عليه استفتاء شعبي في السبت 15 ديسمبر 2012 بحجة الاستقرار التي هي نفس الحجة التي يستعملها كل ديكتاتور لكسب تأييد شعبه.. ولنتذكر خطابات الرئيس السابق قبل اسقاطه!! هذا مع أن عدم الاستقرار الذي يحيط بنا كان نتيجة لارتباك نظام الحكم الحالي.. ومحاولة إرساء مصالح الجماعة وحزب الحرية والعدالة ذراعها السياسية علي حساب المصالح العليا للوطن.. وذلك بتحويل مصر «أم الدنيا» إلي دويلة تابعة. الكلمة الأخيرة السؤال المطروح: هل سيتبدد.. الحلم المصري؟؟ والإجابة: لا.. وألف لا.. فبعد ثورة 25 يناير المجيدة.. شعب مصر عرف طريقه وعادت إليه روحه الوثابة التي تصنع المعجزات.. فكم مرت علي البلاد كوارث.. وكم حاول مستعمرون ومستبدون قهرها، والاستيلاء عليها.. ولكن أين هم الآن؟ لقد سحقتهم وصهرتهم مصر بداخلها. ولنتذكر ذلك دائما.. والذكري تنفع المؤمنين.