أعلن الرئيس محمد مرسي أنه سيصدر قرارا اليوم بدعوة الشعب إلى الاستفتاء على الدستور الجديد يوم 15 ديسمبر الجاري وفيما يلي نص كلمة الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية التي ألقاها أمام أعضاء الجمعية التأسيسية عقب تسلمه رسميا المسودة النهائية للدستور المصري الجديد اليوم "السبت". "بسم الله الرحمن الرحيم .. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"."إنه في هذا اليوم العظيم من هذا الوطن الكبير مصر وفي هذا اليوم الأغر من واقع مصرنا الحبيبة .. يسطر فيه الشعب المصري العظيم صفحة ناسطعة جديدة في تاريخ حضارته وكتاب ومجده بعد ثورته الكبيرة .. ثورة 25 يناير". "إن المتتبع لمسار مصر الدستوري العريق الذي بدأ منذ ما يزيد عن 175 عاما منذ أن أصدر محمد على أول وثيقة شبه دستورية، يجد أن كفاح المصريين استمر من أجل الوصول إلى نظام دستوري مستقر يحقق الديمقراطية والعدل والكرامة الإنسانية". " دوما كانت أهم تلك اللحظات الدستورية تأتي في سياق ثورات شعبية ملهمة وموحية ونحن أمام هذه اللحظة الجديدة الكبرى بعد ثورة يناير المجيدة التي لا تقتصر عظمتها على مصر وشعبها ولكن تمتد تجربتها الفريدة بين شعوب العالم أجمع جغرافيا وتاريخيا وحضاريا". "إذا كنا نخطوا اليوم خطوة جديدة أخرى في مجال استكمال الثورة، فلا يمكن لنا أن ننسى أبدا تضحيات شهدائنا الأبرار وكذلك مصابي هذه الثورة العظيمة وذويهم أيضا.. هؤلاء الشهداء الذين لولا دماؤهم الذكية ما كنا لنصل إلى هذا المشهد المهيب الذي نحياه الآن. "ورغم صعوبة المرحلة الانتقالية التي أوشكت على الانتهاء ، إلا أن إصرار المصريين على إنفاذ إرادتهم ظل هو العنوان الأبرز وقاموا جميعا ليرسموا ملامح هذه المرحلة ابتداء من الخامس والعشرين من يناير بداية الثورة ومرورا باستفتاء 19 مارس عام 2011 ومرورا بالانتخابات البرلمانية بمراحلها المختلفة والانتخابات الرئاسية بجولتيها ليؤكدوا إصرارهم على إنجاح ثورتهم ..المصريون مصرون على المضي قدما إلى الأمام للوصل إلى اهداف هذه الثورة المجيدة. "إن هذه الجمعية التي وضعت هذا المشروع هي أول هيئة تأسيسية مصرية منتخبة طوال التاريخ الحديث حيث أن لجان وضع الدساتير السابقة في تاريخنا كانت معينة سواء كانت ملكية أو رئاسية ..فلم يكن في تاريخنا لجنة منتخبة وضعت مشروعا لدساتير سابقة وهو أمر له دلالة كبيرة ، حيث تم اختياركم في ثلاث محطات ديمقراطية ..الاولى عبر الاستفتاء الذي جرى في مارس عام 2011 والذي حدد طريقة تشكيل هذه الجمعية ، والثانية جاءت عبر انتخابات مجلسي الشعب والشورى والتي شارك فيها أكثر من 32 مليون مصري ..والثالثة عبر انتخابات أجراها أعضاء البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى المنتخبين ، ثم مرت الجمعية التأسيسية بمراحل كثيرة عشناها جميعا لحظة بلحظة ..حيث حلت الجمعية الأولى بحكم قضائي وتشكلت الجمعية الحالية بعد أن اتفقت القوى الفاعلة في المجتمع المصري على معايير عضويتها وتحديد أعضائها. وقد شاركتم عبر ما يقرب من 6 أشهر متصلة في صياغة مواد هذا المشروع بدرجات متفاوتة ..وكانت مناقشاتكم المستفيضة في كل الجلسات تقريبا تنقلها وسائل الاعلام على الهواء مباشرة شاهدا على المجهود الضخم الذي استهدف صالح الوطن ومستقبله ، فلكم جميعا أتوجه بخالص الشكر والتقدير ..ومن أراد ان يجزل لأخيه في العطاء فليقل له جزاك الله خيرا ..فجزاكم الله خيرا . إن أحدا لا يستطيع ان يوفي هذه الجمعية حقها في الثناء على ما قامت به من عمل رغم الظروف الصعبة والضغوط المستمرة عليكم سواء من شارك منكم حتى الجلسات النهائية أو من لم يشارك حتى النهائية . وتحية خاصة للقاضي الجليل المستشار حسام الغيرياني ..وعظيم التقدير لتفانيه في هذا المشروع وما تحمله برئاسته للجمعية التأسيسية الكثير والكثير . إن مشروع الدستور هو صناعة ايديكم في الجمعية وثمرة أفكاركم وحصيلة حوار مجتمعي متد وعميق شارك فيه كل اطياف الجماعة الوطنية المصرية في جميع ربوع مصر وخارجها مصريين في الخارج ايضا أخذت آراؤهم وتم الالتقاء وضمت هذه الآراء معكم كما أعرف وأتابع أعمالكم . " لقد حققت مسودة الدستور التي تابعتها كما تابعها الملايين من الشعب المصري عبر وسائل الإعلام، الطموحات المأمولة في اتجاهات عديدة من بينها أنها أكدت على سيادة الشعب وحقوق وحريات المصريين". " فالكرامة بمقتضى هذا المشروع أضحت حقا لكل إنسان يعيش على أرض مصر حتى وإن لم يكن مصريا وهذه سابقة في كل دساتير الأرض". "كما اعتمدت المواطنة كمبدأ رئيسي حاكم لكل مواد الدستور يساوي بين الجميع دون تمييز بين المصريين بسبب المعتقد أو النوع.. ولأول مرة في تاريخ مصر ينتصر الدستور لإرادة الشعب، فتقلصت صلاحيات رئيس الجمهورية". " ولم يعد يستطع رئيس الجمهورية حل البرلمان إلا بالاستفتاء ، فإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض وجب عليه أن يستقيل ، وذلك مع صلاحيات توسيع السلطة التشريعية بغرفتيها ليس بمحاسبة القائمين على الأمر في البلاد فحسب ولكنها طالت أيضا آلية تعديل الدستور ذاته". "وهو ما تبدى في تمكين خمس أعضاء البرلمان من اقتراح التعديلات على الدستور وبذلك تضع آلية تعديل ديمقراطية يشترك الشعب ممثلا في مجلس نوابه وعبر الاستفتاء في تغيير ما يراه ضروريا من مواد الدستور وذلك استجابة للظروف والمطالب الجديدة". " فالدساتير تولد وتعيش بإرادة الشعوب.. كم كنا نحلم نحن المصريون عقودا طويلة بأن يكون الشعب بحق مصدر السلطة وهذا ما تابعته ورأيته في النصوص التي أذكرها من مشروع الدستور. "كما أحسب أن مشروع الدستور جاء معبرا عن اهداف ثورة 25 يناير المجيدة، وبالتأكيد على العدالة الاجتماعية منه خلال ضمان حد أدنى للأجور والمعاشات ، كما عمل على محاربة الفساد والاستبداد والانتصار لحرية الاعتقاد والفكر والرأي والإبداع بأشكاله المختلفة والحق على الحصول على المعلومات وحرية الصحافة والطباعة والنشر وإصدار الصحف ، وهو ما يؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي يمكن ان يبني بحق نموذجا متفردا لوطننا العظيم . هذا ما نصنعه معنا بأيدينا وما سوف يقول الشعب فيه رايه بكل حرية وشفافية ..اما الرموز الوطينة التي فضلت عدم المشاركة في الجلسات الختماية فلهم أقول " لا شك انكم ابليتم بلاء حسنا لمشاركتكم في صياغة هذا المشروع وانضاج مواده وانجاح مهمة الجمعية حتى وإن اختلفت رؤيتكم في ختام هذا المشورع .. إلا أن جهدكم مقدر ولا يمكن ان يضيع أثره أو ننساه . ومهما كانت الدوافع لعدم مشاركتكم في الجلسات الختامية فإن التاريخ سيخلد موقفكم الوطني في إعداد هذا المشروع . وأقول لكم أن أهم ما يعنينا هو أن يكون الدستور ماضيا في الاتجاه الصحيح ممهدا الطريق لتحقيق الاهداف المرجوة في بناء الوطن وطننا الكبير مصر. إننا نريد أن نتجاوز مرحلة التجاذب والاختلاف لننطلق إلى افاق العمل الجاد المنتج .. ندرك أن هناك تحديات جساما تنتظرنا في المستقبل في الداخل والخارج ونحن أهل مصر لها إن شاء الله . وذلك قدر كل الشعوب الحرة وكل البنائين العظام ، ومن هنا أجدد الدعوة لفتح حوار وطني جاد حول هموم الوطن بكل صراحة وتجرد لإنهاء المرحلة الانتقالية في اسرع وقت بما يضمن حماية ديمقراطيتنا الوليدة . " إن مصر فخورة باجواء الحرية والشفافية التي مارست بها الجمعية مهامها فقد نوقش مشروع الدستور تحت أعين الجميع داخل مصر وخارجها ..ويعد هذا المشروع حلقة جديدة من نجاحات ثورة الخامس والعشرين من يناير وأيضا يعد نجاحا لشهدائها ومصابيها ..وأيا كان موقف الشعب المصري على الاستفتاء على هذا المشروع قبولا أو رفضا فلا شك أن هذا الاستفتاء سيكون لبة جديدة في بناء نظامنا الديمقراطي وممارسة عملية للتعبير عن الرأي والمشاركة في صنع مستقبل مصر الكبيرة بأبنائها جميعا بواقعها وتاريخها وحضارتها . فالديقراطية هي ثقافة تتراكم عبر ممارستها .. وها نحن نفعل ، وإنا لماضون لذلك إن شاء الله. أيها السيدات والسادة .. إنني وأنا بصدد دعوة الأمة إلى الاستفتاء على الدستور لا أنسى الدور العظيم للقضاء المصري المجيد في الاشارف على الانتخابات والاستفتاءات التي سبق إجراؤها بكل حياد ونزاهة. ولا أغفل دوره الشجاع يوم أعلن رجاله عن تزوير الانتخابات في ظل النظام السابق متحدين بذلك قوى البطش والارهاب ..ويقيني وبثقة كاملة أن هذا القضاء العظيم سيبقى دائما حارس العدل ضامن الحقوق حامي الحريات يعمل الليل والنهار تقربا إلى الله في محراب العدالة ليصل كل حق إلى صاحبه ..وأن شعاره دائما أن القوي عنده ضعيف حتى يأخذ الحق منه ..وأن الضعيف قوي حتى يأخذ الحق له . إن هذا الوطن يقوم على سيادة القانون وعلو الدستور وتوقير القضاء ونزول جميع مؤسسات الدولة والمواطنين كافة عند أحكامه التي هي عنوان العدالة واحترامها من اعتبارات النظام العام الذي لابد منه . "كلي ثقة أن قضاة مصر الاجلاء سيكونون عونا لوطنهم وشعبهم كما كانوا دائما للمشاورة والرأي والفكرة وانه لا يمكن ان ينصرف أحد خارج دائرة المشروعية القانونية . أيها السيدات والسادة .. إن العالم من حولنا ينظر إلى تجربتنا فمنذ اللحظة الاولى للثورة المصرية ..شدت الثورة المصرية بابداع شبابها وتفاني رجالها ونسائها انظار العالم إليكم وما زالت . وينظر هذا العالم كيف سيبني المصريون مؤسساتهم ليقيموا نموذجه الديمقراطي في مصر العظيمة ويستمر عطاء المصريين الحضاري ملهما وموحيا للعالم أجمع وخاصة لثورات الربيع العربي . والآن وبعد متابعتنا لجهود الجمعية التأسيسية وتسلم بكل حب وتقدير لمشروع الدستور من رئيس الجمعية ..وحرصا مني على بناء مؤسسات الوطن دون تراجع أو تباطؤ فسأصدر قراري اليوم بدعوة جموع الشعب المصري إلى الاستفتاء على الدستور وذلك يوم السبت الموافق 15 من ديسمبر عام 2012 "والذي أدعو الله وأتمنى أن يكون يوما جديدا من أيام مصر الديمقراطية المستقرة إن شاء الله"، وليذهب الجميع من أيد أو تحفظ .. من وافق ومن عارض ، فيذهب الجميع إلى هذا الاستفتاء ليقول رأيه فى هذا المشروع الدستور بكل حرية ومسئولية وشفافية ، فبنا جميعا يبني الوطن ...فالديمقراطية هى المشاركة والتعبير عن الرأي بحرية". "أدعو جميع المواطنين لينظروا بكل دقة وموضوعية وتدبر فى مواد هذا المشروع الذى بين أيدينا كي نحكم عقولنا ونختار بضمائرنا ،، إرضاء لربنا وتحقيقا لمصلحة وطننا نختار بضمائرنا ما يصلح بلادنا ويحقق آمالنا وآمال أبنائنا وأحفادنا ومن يأتى من بعدنا، آمال عريضة لهؤلاء بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الحقيقية والاستقرار". "إنني ونحن نبدأ معا بناء هذه المرحلة المهمة وبناء مؤسسات الدولة ونطور نظامنا السياسي أقول لشعبنا العظيم المعارض قبل المؤيد "أعينوني بقوة فيما حملتموني من مسئولية إدارة شأن الوطن" هذه المسئولية تحتم علي أمام الله وأمام الشعب المصري وأمام العالم أن أمضي قدما إلى الامام وألا أتردد أبدا فى أن أنفذ إرادة هذا الشعب الذى أعتقد يقينا أنها بعد إرادة الله ستنجح فى أن تصل بمصر إلى بر الأمان". واختتم الرئيس مرسي كلمته بالآية الكريمة "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب". وأنهى كلمته بتوجيه الشكر مرة أخرى إلى رئيس الجمعية التأسيسية وأعضائها على إنجاز مسودة الدستور الجديد ثم قام بمصافحة المستشار الغرياني وحيا الحضور وخرج من القاعة.