قالت مجلة " تايم" الأمريكية إنه بعد عامين تقريبا منذ ذهول العالم بالاحتجاجات التي اجتاحت تونس، وأسقطت ديكتاتورية الرئيس "زين العابدين بن على" التى دامت 23 عاما، وأشعلت الربيع العربي، شهدت الأيام الأخيرة، مع الذكرى السنوية الثانية لثورة "الياسمين"، دويا مماثلا مرة أخرى، حيث خرج المئات من الشباب التونسي وخاضوا معارك ضارية مع الشرطة بسبب نفس القضية التي اقتادتهم الى الشوارع في ديسمبر2010 ، وهى "الوظائف". ولمدة ثلاثة أيام في الأسبوع الماضي، تجمهر الشباب في شوارع "سليانة"، وهي بلدة يعيش فيها 25 ألف شخص فقط جنوب غرب العاصمة تونس وهى مماثلة في الواقع لبلدة "سيدى أبوزيد"، التى شهدت مولد ثورة "الياسمين" ، عندما أقدم الشاب العاطل عن العمل والبائع المتجول "محمد البوعزيزي" على إحراق نفسه. واشارت المجلة أن نحو 300 شخص أصيبوا في أعمال شغب خلال الأسبوع الماضي، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والخراطيش في حشود من الشباب، الذين رشقوا الشرطة بالحجارة، واندلعت مظاهرات مماثلة في تونس العاصمة. ونقلت المجلة عن " سام جوريات " احد المحتجين في "سليانة قوله : " ليس هناك أمل في المستقبل بين جيلنا، عمري 28 سنة وعاطل عن العمل منذ خمس سنوات". وقالت المجلة إن الحكومة استشعرت الخطر والخوف من الفوضى فى "سليانة" ، ولذا قام الجيش بالانتشار لاستعادة النظام، وعلى الرغم من الهدوء حاليا في سماء المدينة، الا ان ذلك وضع مؤقتا، وبالامس دعا الرئيس التونسى "منصف المرزوقي"، وهو ليبرالي علماني، الحكومة الاسلامية الى الاستقالة، واضاف محذرا :"اذا استمرت الاشتباكات ولم تكن استجابة الحكومة كافية، سيكون هناك فوضى وطريق مسدود." لكن الشباب التونسي لديهم سبب ليشعرون بأنهم قد وصلوا بالفعل الى النهاية الاقتصادية القاتلة، وعلى الرغم من أن الشباب مثل" جوريات" لديهم حقوق ديمقراطية حاليا ، فإنهم يواجهون أزمة تراجع فرص العمل بشكل أسوأ عما كانت عليه قبل الثورة ، فمعدل البطالة في البلاد ارتفع في الواقع منذ ذلك الحين بنحو 7٪، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، وهى اكبر زيادة في المنطقة منذ انطلاق الربيع العربي ، وصندوق النقد الدولي يقول ان البطالة في بعض مناطق تونس بلغت حوالي 30٪، وتبلغ في المتوسط حوالي 17.6٪. وبينما تلتزم الحكومة الجديدة، التي انتخبت في أكتوبر من العام الماضي، بمحاولة إيجاد فرص عمل لملايين الشباب، الا ان القيود التي تواجهها كبيرة، وسيعتمد بقاء الحكومة من عدمه على حل هذه المشكلة . السياحة واوضحت المجلة ان ، تونس، التى تستغرق الرحلة الجوية اليها من فرنسا مجرد ساعتين ، تعتمد اعتمادا كبيرا على السياحة التى اصابها الركود الذى ضرب أوروبا، فضلا عن عمليات الشركات المتعددة الجنسيات " . وعلى النقيض من جارتها ليبيا الغنية بموارد النفط الضخمة، تمتلك تونس ثروات طبيعية قليلة لتخفيف الازمة الاقتصادية، وهذا كان احد الاسباب التى ادت الى الثورة. وبعد أن اندلعت أعمال الشغب الأسبوع الماضي، حذر "ليبتون ديفيد" نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي من أنه على الرغم من انتخاب حكومات ديمقراطية جديدة فى بلدان الربيع العربى، إلا أن الصراع السياسي والمصالح التجارية المكتسبة يمكن أن تقود المنطقة الى الركود الاقتصادي أو النمو الفاتر. وبعد عامين من ثورة الياسمين، فإنه من الواضح بشكل متزايد أنه في حين أن الدكتاتور السابق "زين العابدين بن على" كان يستحق الاطاحة به، إلا أنه لا يمكن أن نرجع مشاكل تونس الاقتصادية (وهي كبيرة) إلى فساده والمحسوبية، ولا على الاضطرابات الاقتصادية التي أعقبت سقوطه. ويعتقد خبراء الاقتصاد أن المشكلة تكمن في ايجاد الحوافز السخية التى تقدمها تونس الشركات الأجنبية، والسماح لهم بتجميع المنتجات في المصانع التونسية باستخدام قطع مستوردة ومن ثم تصدير السلع النهائية معفاة من الضرائب ، جنبا إلى جنب مع تخفيف قواعد العمل الصارمة والأسواق المغلقة مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية. الاستقرار السياسى ولكن الإصلاحات الاقتصادية ليست سوى قضية واحدة، المهم لجذب المستثمرين هو الاستقرار السياسي، الذي ثبت ان لايزال بعيد المنال ، ففي سبتمبر الماضي، خرج مئات من السلفيين المتشددين بدافع من الغضب بسبب شريط الفيديو الأمريكي المعادي للإسلام على موقع "يوتيوب" ، وهو نفسه الذي أثار أعمال شغب في مصر وباكستان وأماكن أخرى، وهناك مخاوف غربية من تزايد العنففى تونس . وخوفا من أن تدهور الاقتصاد التونسي يمكن ان يسبب اضطرابات سياسية متزايدة، وافق البنك الدولي على قرض ب 500 مليون دولار للحكومة الاسبوع الماضي، بهدف إصلاح الممارسات التجارية منذ عقود، بما في ذلك الضرائب وتبسيط والأنظمة الجمركية، وفتح بعض الصناعات امام القطاع الخاص مثل صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية، والتي كانت دائرة يسيطر عليها اقارب "بن علي" .