سبق أن كتبت مقالاً تحت عنوان "حكمة القنافذ" وأشرت فيه إلى ضرورة أن يستفيد النظام الرسمي العربي من هذه الحكمة بعد أن أصبح هذا النظام "حارة كل من ايده اله". كما قال الممثل السوري دريد لحام "غوار الطوشه" في إحدى مسرحياته المشهورة وحكاية هذه الحكمة كما هو معروف أن مجموعة من القنافذ شعرت بالبرد الشديد فاقتربت من بعضها لعلها تجد الدفء لكنها اقتربت كثيراً والتحمت فشعرت هذه القنافذ بوخز إبرها فاضطرت إلى الابتعاد عن بعضها لكنها شعرت أيضاً بقسوة البرد حتى جاء حكيم من بين هذه القنافذ فنصحها أن تبحث عن منطقة وسطى بحيث لا تقترب جداً فتشعر بوخز الإبر ولا تبتعد جداً فتشعر بقساوة البرد وتحقق لها ذلك عندما وجدت هذه المنطقة الوسطى. هذه الحكمة أشرت إليها بعد أن أصبح حال الأمة العربية لا يحتمل ولا يطاق من حيث الفرقة والانقسام وهذه الفرقة هي سبب ضعفنا وسبب عجزنا أمام أعداء هذه الأمة بل هي سبب تخلفنا وتقاعسنا وهي سبب غطرسة العدو الصهيوني وهي سبب احتلال العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية والبريطانية وهي سبب غزو واحتلال بيروت عام 1982 وهي سبب تلك المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق أهلنا في جنوب لبنان وقطاع غزة وهي سبب استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية وهي سبب كل الكوارث والمآسي والويلات التي تحل بالأمة العربية وهي لا حصر لها. هذه الفرقة وهذا الانقسام سببهما معاهدة سايكس – بيكو الاستعمارية التي قسمت الوطن العربي إلى دويلات ورسمت حدوداً مصطنعة بين هذه الدول. الآن وفي هذه المرحلة من حياة هذه الأمة هناك مخططات تتعدى حدود سايكس – بيكو إلى تقسيم المقسم وتفتيت المفتت من خلال خريطة الشرق الأوسط الكبير بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقومية وهذا ما تأكد في العراق الشقيق بعد الاحتلال عندما انقسم المجتمع العراقي إلى شيعي وسني وكردي وصابئي وتركماني ولا يزال الخطر قائماً على العراق من هذه الفتنة. في مصر وبعد ثورة 25 يناير نجد هذه الفتنة تطل برأسها عندما بدأت بتحريك الأقباط ولا تزال.. وها هي الآن تنقسم في مظاهرات الأمس ما بين إسلام سياسي ودولة مدنية بل أن مظاهرات الأمس تحمل في طياتها خطراً داهماً حملته شعارات الإخوان المسلمين عندما رفعت شعار "الشرعية والشريعة" وهذا الشعار كاف بحد ذاته لتقسيم المجتمع المصري إلى مسلم وآخر غير مؤمن بالإسلام علما بأن المظاهرات الأخرى هم مسلمون لكن الإخوان يصفونهم ب"الليبراليين" وكأن هؤلاء لا يؤمنون بالإسلام. هذه الشعارات كافية لصب الزيت على نار الفتنة التي تصب في النهاية في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي دعت إليه الإدارة الأمريكية تنفيذاً للرغبات والمخططات الصهيونية. المطلوب الآن من عقلاء مصر ومن كل الوطنيين الشرفاء والمخلصين أن يمنعوا من يحاول أن يأخذ مصر إلى فخ الفتنة ويسارع هؤلاء فوراً إلى البحث عن المنطقة الوسطى ما بين هذه التظاهرات وهذه الجماهير وأن يأخذوا العبرة من حكمة القنافذ. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية