اليوم أجواء ثورة «يناير» تعود إلي ميدان التحرير بالقاهرة وميادين مصر المختلفة، وفي المقابل جماعة الإخوان المسلمين تحتشد أمام جامعة القاهرة، مصر كلها أصبحت في كفة وأنصار الاخوان الذين لا تتعدي نسبتهم خمسة في المائة من عدد سكان مصر في كفة أخري.. مصر بشبابها ورجالها وشيوخها ومثقفيها ومعلميها وأحزابها وقواها السياسية والوطنية والمدنية.. مصر بكل طوائفها تخرج في التحرير وميادين المحافظات للمطالبة بإسقاط الاعلان الدستوري.. والرئيس مرسي وأنصاره يصرون علي عدم الاعتراف بالخطأ والتراجع عن هذا الاعلان الباطل.. الرغبة الشعبية قالت كلمتها، وقضاة مصر بدأوا اعتصاما داخل نواديهم بالقاهرة ونوادي الأقاليم، والاضراب ساد محاكم ونيابات مصر.. ومستشارو الرئيس تبرأوا من الاعلان الدستوري، وبدأ التصدع في مؤسسة الرئاسة.. فلماذا لا ينهي الرئيس مرسي ذلك بكلمة واحدة، ليمنع كارثة محققة قد تصيب البلاد.. فأمام الرغبة الشعبية العارمة في اسقاط الاعلان الدستوري، وجب علي الرئيس السمع والطاعة، الشعب يسعد لو توفرت أدلة جديدة لمحاكمة رموز الفساد لكن يرفض الانقضاض علي السلطة القضائية وتكبيل عملها، واعتبارها ليست فيمن حضر أو غاب.. الشعب يريد دستوراً يعبر عن جموع المصريين ولا يريد دستوراً يعبر عن فصيل سياسي بعينه سواء كان هذا الفصيل جماعة دينية أو حزباً سياسياً.. فالأحزاب أو الجماعات قد تكون اليوم في السلطة وغداً بعيدة عنها، والدستور ثابت لا يتغير.. والشعب يرفض أن يتحصن الرئيس بقرارات إدارية ويسلب حقه في الطعن عليها، ويريد أن يقف لرئيسه عندما يخطئ ويقدم له التحية حين يصيب.. والشعب يريد القصاص العادل للشهداء، ولا يريد لأحد أن يرتكب جرماً سياسياً أو دستورياً حتي يحصل الشهداء علي حقوقهم.. الشعب يريد التمسك بالثوابت القانونية والأعراف الدستورية التي تميزت بها مصر علي مر تاريخها الطويل ويرفض هدمها بين عشية وضحاها.. الشعب يريد دولة مؤسسات والرئيس بالاعلان الدستوري يقضي علي دولة المؤسسات، الشعب يرفض تحصين مجلس الشوري، ويريد إزالة هذا المجلس تماماً من الخريطة السياسية المصرية، فلا قيمة له ولا دور له، ويوم أن أنشأه الرئيس الراحل أنور السادات كان بهدف ديكور سياسي ليس إلا، وتحول هذا المجلس الي دار تكريم لكل رموز النظام، أي نظام أو لنقل تحول الي وجاهة سياسية لا فائدة منه علي الإطلاق، سوي تكليف الدولة أموالاً باهظة.. والشعب يرفض تحصين الجمعية التأسيسية التي تتنظر حكم القضاء بشأنها قريباً، بالإضافة الي إصرار التيار الديني علي الانفراد بوضع الدستور، وضرب باقي الآراء الوطنية عرض الحائط.. وبدلاً من مناقشة أسباب انسحاب القوي الليبرالية والمدنية وممثلي الكنيسة المصرية من التأسيسية، فوجئ الجميع بصاروخ الاعلان الدستوري الذي يقول للجميع «طز فيكم»!! لهذه الاسباب مجتمعة كان من الطبيعي ان ينتفض الشعب المصري ويستعيد روح ثورة يناير، لمنع او صد هذا الصاروخ السياسي الذي يقوض مؤسسات الدولة.. وليس صحيحاً ان الشعب المصري يرفض سرعة اصدار الدستور، لكن يرفض عملية السلق التي يعتزم التيار الديني القيام بها.. مصر تحتاج بحق الي دستور يعبر عن جميع اطياف الامة ولا يعبر عن فصيل بعينه او حزب بذاته.. والذي زاد من الطين بلة أن انصار الرئيس تصوروا أنهم باستخدام العنف يمكن لهم اسكات ثورة المصريين الثانية .. وتصوروا خطأ ايضاً أنه بالملاحقة القانونية لرموز العمل الوطني والاحزاب، يمكن ان يتراجعوا عن موقفهم الوطني.. اليوم مصر في التحرير تقول «يسقط الاعلان الدستوري.. وتحيا دولة المؤسسات» وعلي الحاكم وانصاره الاستجابة للرغبة الشعبية التي تطلب دولة مدنية ديمقراطية حديثة.