قضت المحكمة الإدارية العليا فى حكم موجع، برئاسة المستشار عادل بريك، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين سيد سلطان، والدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، ونبيل عطالله وأسامة حسنين، نواب رئيس مجلس الدولة، بمجازاة (إ. م. م. م. ف)، عميد كلية التربية بجامعة بنها، بعقوبة العزل من الوظيفة الجامعية والاحتفاظ بالمعاش. رفضت المحكمة عودته إلى عمله بالجامعة لارتكابه رشوة جنسية مقابل استغلال نفوذه وتسريب أسئلة الامتحان من مادة طرق التدريس التى يقوم بتدريسها بدبلوم العام التربوي، الفرقة الثانية، التى تم انعقاد امتحانها يوم 2 يناير 2018 وتسريب أسئلة هذه المادة والتزوير من خلال إعادة توزيع درجات الأسئلة التى لم يتم الإجابة عنها من السيدة (ل. م. ا. ح) التى تم تسريب الامتحان لها مع أخرى. بهذا الحكم تكون المحكمة الإدارية العليا حسمت قضية "أخلاقيات المهنة للأستاذ الجامعي"، الذى أقسم اليمين بأن يكون أمينًا في حمل رسالة العلم وتنشئة الأجيال وتربيتهم، الذي يمثل صفوة المجتمع ليربي الأجيال ويصدر للوطن خيرة الشباب ليتخرجوا من تحت يديه قياديين أمناء على مصلحة البلاد للوصول بها إلى مصاف الدول المتقدمة حضاريًا. وأنهت المحكمة أسطورة أن الأستاذ سيد المادة، يتصرف بها كيف يشاء من دون رقيب أو حسيب، بل يخضع للقانون في تصرفاته وسلوكياته غير الأكاديمية وغير الأخلاقية كافة، سواء كانت متعلقة بطلابه أم بمؤسسته الجامعية أم بزملائه والعاملين فيها؛ فالأساس الأخلاقي للأستاذ الجامعي يرتبط بوظيفته فلا ينفصل الإنسان عن خُلقه. أكدت المحكمة في حكمها أن الرقابة الإدارية أحكمت قبضتها فى مراقبة وتسجيل وتصوير اللقاءات بين عميد التربية وسيدة بالدراسات العليا بالرشوة الجنسية، مقابل تسريب أسئلة مادة طرق التدريس، وأن من ينحدر إلى المستوى المسلكي المذموم بأفعال شاذة تجرمها القوانين وتلفظها التقاليد لا يكون أهلًا لتولي المناصب الجامعية أو الاستمرار في الانتماء للجامعة، وأن عميد كلية التربية خان أمانة الوطن الذى عهد إليه مقدرات العملية التعليمية والطلاب لتخريج معلمين ومربين لأجيال ناشئة على الفضيلة والقيم السامية والأخلاق والعميد ضرب مثلاً غير صالح ما كان يجب أن يسود أرجاء الجامعة وهى المنارة المضيئة، وأن ما قام به عميد كلية التربية يعد انحرافاً خلقياً فادحاً يمس السلوك ويهدم السمعة ويؤثر تأثيراً سيئاً على الوظيفة الجامعية ويقلل من الثقة فيها وفيمن يشغلها ويزرى بشرفها، وأن عميد الكلية ظن أن منصبه يجعله فى مأمن من المسئولية والعقاب وله ما شاء من التصرفات ولو خالفت القانون وخرقت الأخلاق وانتهكت القيم ونالت من تعاليم الأديان، ولا توجد سلطة مطلقة تفلت من أحكام القانون إذا جنحت ومالت إلى غير الحق. قالت المحكمة إن الجامعات هي منارات العلم ومعقل الفكر وموئل المفكرين وذخيرة الوطن من العلماء في شتي مناحي الحياة، وقاطرة التقدم في المجتمع للوصول إلى بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العملي في التفكير وتنمية المواهب ونشر القيم الحضارية والروحية، وهو ما يفرض على أساتذة الجامعات التحلى بالأخلاق الكريمة والسلوك القويم بما يتفق مع التقاليد الجامعية العريقة لكونهم قدوة لطلابهم يعلمونهم القيم والأخلاق وينهلون من علمهم ما ينفعهم، فإذا ما خرج أحدهم عن إطار تقاليد الوظيفة الجامعية وتنكب بمسلكه وأفعاله وتصرفاته الطريق القويم وأتى فعلاً مزريًا بالشرف والاعتبار فقد الثقة والاعتبار ويتعين بتره من الجامعة ليبقى ثوبها أبيض ناصعًا. أضافت المحكمة، أن الثابت فى الأوراق، أن مذكرة النيابة العامة في القضية رقم 152 لسنة 2018 إداري قسم ثان بنها والمقيدة برقم 479 لسنة 2018حصر أمن الدولة العليا ورد بها أنه بناءً على معلومات وردت لهيئة الرقابة الإدارية بطلب الطاعن بصفته عميد كلية التربية جامعة بنها من السيدة (ل. م. ا. ح)، معلمة بإدارة الشروق التعليمية، ومتقدمة للحصول على دبلوم العام التربوى نظام العامين من كلية التربية جامعة بنها، مواقعتها جنسياً مقابل استغلال نفوذه لدى المختصين بالكلية لمساعدتها في النجاح والحصول على درجات وتقدير مرتفعين في امتحانات دبلوم العام التربوي نظام العامين للعام الجامعى 2017/ 2018. وأكدت تحريات الهيئة صحة المعلومات الواردة إليها، وهو ما حداها إلى استصدار إذن من النيابة العامة – نيابة أمن الدولة العليا – في مراقبة وتسجيل وتصوير اللقاءات التي تتم في الأماكن العامة والخاصة بين طرفى الواقعة الطاعن والسيدة المذكورة، وكذا سماع ومراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل الهاتفية، إرسال واستقبال، التى تتم من خلال الهواتف المحمولة أربعة أرقام موبيل للطاعن مذكورة حصرًا فى التحقيق ورقمى موبيل للسيدة المذكورة، وتنفيذًا للإذن السالف رصدت الهيئة مكالمات عدة بين المذكورين تضمنت بعضها قيامهما بعلاقة جنسية خلال الهاتف. وذكرت المحكمة أن النيابة العامة – نيابة شمال بنها الكلية – تولت التحقيق مع المتهمين في قضيتها رقم 152 لسنة 2018 إداري قسم ثاني بنها، وقد وجهت للطاعن اتهامات عدة تتمثل فى: أخذ رشوة جنسية من المتهمة (ل. م. ا. ح) مقابل حصولها على منفعة منه، متمثلة فى إعطائها أسئلة مادة طرق التدريس التى يقوم بتدريسها لها بالدبلوم العام التربوي، والتزوير في محررات رسمية وهي أوراق الإجابة الخاصة بكل من المتهمة المذكورة وزميلة لها (ف. م. ف)، بإضافة بيانات بها على خلاف الحقيقة بإعطائها عددًا من الدرجات تزيد على عدد الدرجات المقررة لكل سؤال، وبترويج وتسريب أسئلة امتحان مادة طرق التدريس الخاصة بالدبلوم العام التربوى التي يقوم بتدريسها بجامعة بنها، وذلك قبل عقد الامتحان الخاص بتلك المادة بقصد الإخلال بالنظام العام للامتحانات، وبقصد تنفيذ جريمته محل الاتهام الأول. وأشارت المحكمة إلى أن التحقيق أسفر عن اعتراف الطاعن بأنه أقام علاقة جنسية خلال الهاتف، مع السيدة (ل. م. ا. ح) الطالبة لديه فى الدبلوم العام التربوي، وكانت تلك العلاقة تنتهي بإفراغ الرغبة الجنسية، وأن ما ورد بالمكالمات المسجلة بينهما صحيح، وقد أكد محضر خبير الأصوات بالهيئة الوطنية للإعلام بفحص وتفريغ محتوى الإسطوانة المحرزة على ذمة القضية رقم 152 لسنة 2018 إداري قسم ثاني بنها والمسجل عليها المكالمات بين المتهمين فى القضية، على أن الصوت الوارد بها مطابق لأصوات المتهمين في القضية. أسفرت التحقيقات أيضًا عن قيام الطاعن بإعطاء الطالبة السيدة (ل. م. ا. ح) والطالبة الأخرى السيدة (ف. م. ف) سؤالين في امتحان مادة طرق التدريس التي يقوم بتدريسها، وقد اختص المتهمة بإعطائها السؤال الثالث في الامتحان، قبل موعد انعقاده بيومين خلال محادثة هاتفية – تم تسجيلها – بينهما، وأنه طمأن المتهمة بعدما أخبرته بعدم إجابتها على السؤال الرابع فى الامتحان، وقام من نفسه بإعادة توزيع درجات هذا السؤال على باقي الأسئلة لأن الطالبتين لم تجيبا عنه، وقررت النيابة العامة حبسهما على ذمة التحقيق، ثم انتهت نيابة أمن الدولة العليا في مذكرتها بنتيجة التحقيق في القضية رقم 152 لسنة 2018 إداري قسم ثان بنها والمقيدة برقم 479 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا إلى إرسال الأوراق إلى الجامعة التابع لها الطاعن لمحاكمته تأديبيًا. وقالت المحكمة إن الثابت من الأوراق أن المخالفات المنسوبة للطاعن التى تتمثل فى ارتكابه رشوة جنسية مقابل استغلال نفوذه وتسريب أسئلة الامتحان من مادة طرق التدريس التى يقوم بتدريسها بدبلوم العام التربوي الفرقة الثانية التى تم انعقاد امتحانها يوم 2 يناير 2018 وتسريب أسئلة هذه المادة والتزوير من خلال إعادة توزيع درجات الأسئلة التى لم يتم الإجابة عنها من السيدة (ل. م. ا. ح) التى تم تسريب الامتحان لها مع أخرى، ثابتة فى حقه ثبوتًا يقينيًا على نحو ما وردت بالمكالمات المسجلة بينهما التى أحكمتها هيئة الرقابة الإدارية والتى أكدها تقرير خبير الهندسة الإذاعية بالهيئة الوطنية للإعلام بفحص وتفريغ محتوى الإسطوانة المحرزة على ذمة القضية رقم 152 لسنة 2018 إداري قسم ثاني بنها والمسجل عليها المكالمات بين المتهمين فى القضية وهما الطاعن والسيدة (ل. م. ا. ح) على أن الصوت الوارد بها مطابق لأصوات المتهمين في القضية. وقد تضمن التقرير عبارات عدة تؤكد حدوث العلاقة الجنسية خلال الهاتف، وأن ما فعله الطاعن يشكل تسريبًا للامتحان، إضافة أنه خالف القواعد العرفية المتبعة بشأن حالة توزيع درجة سؤال على باقي أسئلة الامتحان، التى تتطلب وجود شكوى جماعية من الطلبة بأن السؤال ورد خارج المقرر، أو من المقرر المحذوف بمعرفة أستاذ المادة، وهو لم يحدث في الحالة المعروضة، وهى أفعال تكشف عن ضعف الخلق وانحراف الطبع والتأثر بالشهوات مخلاً بأقدس مهنة فى محراب العلم و بكرامة الوظيفة الجامعية وبالثقة الواجب توافرها فيه، متعديًا تعديًا سافرًا على القيم العلمية والاجتماعية والدينية، ويمثل ما ارتكبه أفعالًا مشينة تزري بنزاهة وشرف عضو هيئة التدريس، ولا ريب أن من ينحدر إلى هذا المستوى المسلكي المذموم، بما ينطوي عليه من أفعال شاذة تجرمها القوانين وتلفظها العادات والتقاليد لا يكون معه الطاعن أهلًا لتولي المناصب الجامعية أو الاستمرار في الانتماء للجامعة، في موقعه الوظيفي كعميد لكلية التربية عُهد إليه مقدرات العملية التعليمية والطلاب الذين ائتمنه الوطن عليهم لتخريج معلمين ومربين لأجيال ناشئة الفضيلة والقيم السامية والأخلاق، مما يجعل بقاء الطاعن في وظيفته متعارضًا ومقتضيات شغل وظيفته بالجامعة ويكون عزله هو الجزاء الأوفى له. وانتهت المحكمة أنه لا ينال من ذلك ما نعاه الطاعن من الغلو فى تقدير الجزاء، فذلك مردود بأن المخالفات المنسوبة إليه تعد إخلالاً جسمياً بواجبات الوظيفة الجامعية ومقتضياتها وخروجاً سافراً على القيم والمبادئ والتقاليد الجامعية، وانحرافاً خلقياً فادحاً يمس السلوك ويهدم السمعة ويؤثر تأثيراً سيئاً على الوظيفة الجامعية ويقلل من الثقة فيها وفيمن يشغلها ويقوم بأعبائها ويزرى بشرفها، خصوصًا أنه يشغل منصب عميد كلية التربية المنوط بها إعداد خريج يعهد إليه بتعليم النشء فى المجتمع وضرب مثلاً غير صالح ما كان يجب أن يسود أرجاء الجامعة، وهى المنارة المضيئة، وقد ظن أن منصب عميد الكلية يجعله فى مأمن من المسئولية والعقاب وأن له ما شاء من التصرفات والأفعال ولو خالفت القانون وخرقت الأخلاق وانتهكت القيم ونالت من تعاليم الأديان، دون رقيب أو حسيب، وقد غاب عنه أنه لا توجد سلطة مطلقة تفلت من أحكام القانون إذا جنحت ومالت إلى غير الحق، ويصبح قوله عن الغلو لا يحتاج ردًا، كما أنه فى الحق لم يكن يستأهل ذكرًا.