سعاد كفافى..قاهرة المستحيل واجهت الصعاب بإنشاء جامعة مصر.. ونقلت التعليم من مرحلة الجمود إلى التجديد والحداثة شاركت فى تسليح المجتمع بثقافة حديثة تكنولوجية خالد الطوخى يتسلم الراية ويحقق قفزات نوعية هائلة فى الجامعة والمستشفى والأوبرا الابن البار يسير على خطى «الرائدة» بطموحات تصل عنان السماء غير هادف للربح الدكتور ينجح فى تحقيق متطلبات الثورة الصناعية الرابعة ويحول الجامعة إلى «جامعة ذكية» تملك بنية تكنولوجية قوية «قاهرة المستحيل».. ربما يكون هذا أدق وصف ينطبق على رائدة التعليم والتنوير فى العصر الحديث الدكتورة سعاد كفافى، المرأة التى استطاعت وحدها نقل التعليم من مرحلة «الجمود» إلى مرحلة «اليقظة والتجديد»، عبر النوافذ الحضارية التى فتحتها، والتى تجلت وتمثّلت فى إقامة صرح علمى كبير هو جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، والمعهد العالى للسياحة والفنادق، والمعهد العالى للهندسة المعمارية وتكنولوجيا إداراة الأعمال، وكما اهتمت بالتعليم، والثقافة والتنوير، وضعت الصحة نصب عينيها، فتم تدشين صرح طبى يحمل اسمها هو «مستشفى سعاد كفافى»، لخدمة الناس والوطن، ليتضح أنها كانت نموذجًا قلقًا على هذه الأمة، وصارت أيقونة للعناد والصلابة والوضوح والبساطة بما قدمته للمجتمع. اجتهادات الدكتورة الراحلة كانت نقطة الانطلاق الحقيقية التى أمسك الجميع بخيوطها فهى أول من أدخلت التعليم الخاص فى مصر ليتسلح المجتمع بالعلم والثقافة، وأول عين مصرية تأملت فى وعى عميق حضارة وثقافة الزمن القادم، فقررت أن تصنع لوطنها وللأجيال الشابة والجديدة جامعة حديثة تعتمد على التكنولوجيا والمعرفة، وتنقل واقع الغرب وثقافته التكنولوجية إلى الشرق، وربما هنا سارت على نهج ما صنعه الأوائل رفاعة رافع الطهطاوى وعميد الأدب العربى طه حسين عندما نقلا حضارة الفرنسيين إلى مصر وأدخلوا العرب فى مركز التأثير الإنسانى، فقد أدخلت كفافى الجيل الجديد نحو التكنولوجيا بالتعليم والعطاء السخى الذى لم يتوقف. إن قاهرة المستحيل سعاد كفافى كانت سليلا شرعيا للعلامة رفاعة رافع الطهطاوى وعميد الأدب العربى طه حسين، فى الفكر والتنوير والحداثة، وفتحت أمام العقل الإنسانى المغامرة والبحث والاكتشاف، ولذا تبوأت مكانة بارزة ومتميزة فى حركة التعليم لعطائها الكبير وثقافتها الموسوعية والحرص على سلامة النفس البشرية بالتعليم والصحة، إذ كان تنوير الأمة هدفا أساسيا من أهدافها، ومحورًا لكل ما صنعته وأبدعته هذه الرائدة الفذة التى قادت أجيالا وأجيالا إلى التنوير والمعرفة. وليس فى استطاعة أحد أن يوجز كل ما يتعلق بالوقائع والأحداث والمواقف والتطورات والإنجازات التى تمثل المعالم البارزة فى حياة هذه الرائدة العظيمة، ولا يمكن حصر العطاء الذى قدمته لوطنها وما زال تنهل منه الأجيال جيلا بعد جيل، ولعلنا فى هذا الملف نلقى الضوء على بعض من تاريخ قاهرة المستحيل سعاد كفافى. 1928.. من هنا كانت البداية والحكاية كان اليوم مختلفا ومتفردا وفريدا فى عام 1928، عندما جاءت الطفلة سعاد كفافى إلى الدنيا، فقد كتب لها القدر الخلود، كما كتبه لبعض نجوم هذه الفترة أمثال أم كلثوم، وسميرة موسى، وإن كانت أم كلثوم هى كوكب الشرق فى الغناء، فإن سعاد كفافى صارت كوكب الشرق المضىء فى التعليم والتنوير، عشقت الطفلة القراءة وشغفت بها وبالتعليم، حتى تخرجت ودرست الدكتوراة، لكنها لم تعمل بالتدريس الجامعى إلا بعد زواجها وإنجابها أطفالها، حيث بدأت فى التدريس الجامعى بجامعة القاهرة، بعدما أنجبت أولادها مما وضع عليها ضغطا كبيرا للمواءمة بين الجامعة والبيت. 1996.. «جامعة مصر» الحلم المستحيل يتحقق كان الجو مشحونا بالإرهاب الفكرى، والدولة قد رفعت حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب، فى التسعينات، ولم يكن طبيعيا أن يفرز المجتمع قيادة جديدة تحمل على كاهلها مهمة إنارة عصر جديد من العلم والثقافة ويبعث النهضة فى الأجيال الجديدة، بعد الهزة الفكرية والاجتماعية التى واكبت هذا الوقت، وقد انقسمت التيارات بأفكارها المختلفة، لكن جاءت سعاد كفافى لتصنع حلما بل معجزة بإنشاء أول جامعة مصرية خاصة للعلوم والتكنولوجيا، قاهرة المستحيل راودها حلم بإنشاء كيان تعليمى تثقيفى يخدم الشباب والبلد، وقاومت صعابا وتحديات ضخمة، ولعل كان فى مقدمتها كيف تقوم سيدة بفكرة إنشاء جامعة، وواجهت تحديات جمة، كانت كفيلة بإثناء أى إنسان عن هدفه، لكنها قهرت المستحيل بالصبر والإيمان واستفاد منها جميع من تعامل معها حتى أصبح الحلم حقيقة. الفكرة راودت الدكتورة الراحلة أثناء التدريس الجامعى بجامعة القاهرة، وتطورت فكرة التعليم عندها، وكانت البداية من معهد لغات ثم تطورت لمدرسة ومعهد عالٍ للسياحة ومعهد عالٍ للهندسة، ثم كانت الفكرة بضم تلك المعاهد داخل كيان واحد، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فى عام 1996، ومنذ إنشاء الجامعة لديها رؤية راسخة وهدف مختلف، وألا تكون تكرارًا للجامعات الموجودة، وشخصية الجامعة هى ما يميزها، وكذلك طرق التدريس، وهذا ما تنفرد به الجامعة عن باقى الجامعات، حتى وإن كان هناك بعض التشابه فى المناهج بحكم اتباعها للمجلس الأعلى للجامعات، ولكن المضمون بالتأكيد مختلف كليا، إدارة وتدريسًا. ربما تكون سعاد كفافى قد وضعت نصب عينيها مقولة طه حسين «التعليم كالماء والهواء» أو ما كتبه نابليون بونابرت: "إن جميع الناس متساوون عند الله وأن الشىء الذى يفرقهم عن بعض هو العقل والفضائل والعلوم والمعرفة فقط"، لتترجم هذه الكلمات ما كان فى عقل هذه الرائدة العملاقة والقيادة التى كانت مؤهلة وقادرة وراغبة فى حمل اللواء لصنع الأسس والدعائم لعصر التنوير الجديد والحديث، الذى انطلق فى أواخر التسعينات ومع الألفية الجديدة وتجسدت هذه القيادة وتمثلت هذه الريادة فى قاهرة المستحيل سعاد كفافى، لذلك من الطبيعى والمنطقى أن تتصدر الراحلة أى بحث أو دراسة يقوم بها مؤرخ لحركة التنوير فى مصر فى العصر الحديث، وسيقف التاريخ طويلا أمام هذه السيدة التى نهضت بحركة التعليم والصحة والفنون، بحضور طاغٍ وتأثير فعال. كانت سعاد كفافى حريصة على تقديم بيئات تعليمية جديدة ومناهج تدريسية مبتكرة فى كل أطروحاتها التربوية وكان لدى الراحلة الكريمة رؤى للكشف عن حلول جذرية للمشكلات والصعوبات فى مجال اهتماماتها، هذا فضلا عن تميزها فى التواصل والاتسام بروح الابتكار والإبداع، فهى تعد بحق نموذجا للمرأة المصرية الطامحة لبناء مجتمع ناجح يكفل بعضه البعض إما بالاستثمار الوطنى الذى يستند للفكر المستنير كتأسيس نموذج تعليمى وتنويرى لتربية الأجيال الجديدة، ممثلا فى جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، أو باستغلال هذا النماذج التعليمى فى كفالة عقول مصرية بمثابة نواة البناء مستقبلا. عاشت سعاد كفافى لحلمها وأهدافها حتى صارت رمزا كبيرا، وتجلى هدفها فى إثراء المجتمعات المحلية والدولية بالخبراء والدارسين والمتخصصين من ذوى الكفاءة فى ميادين عملهم، وكان للدكتورة سعاد كفافى نشاطها الملموس باعتبارها عضوة فى المجالس القومية المتخصصة فى مجال التعليم العالى، وفى جمعية أصحاب المدارس الخاصة فى مصر، حيث كرست حياتها للتعليم، ويمكن لأى شخص أن يلاحظ علامات ذلك فى الاعتداد بالنفس والفخر بما كانت تنجزه على امتداد حياتها، وتكمن متعتها الحقيقية فى الدور الحيوى الذى قامت به فى التعليم كرسالة مقدسة لا تقل أهمية لديها عن رسالتها كأم وزوجة. خالد الطوخى يتسلم الراية من الرائدة ويحقق طفرات واسعة فى 20 يوليو عام 2004 رحلت قاهرة المستحيل سعاد كفافى، عن عمر ناهز 76 عاما، أنفقت منها 50 عاما، فى نشر الوعى والثقافة والتنوير فى المجتمع العربى، رحلت تاركة وراءها صرحا علميا وطبيا، وأيضا ابنا بارا تسلم الراية من بعدها ليكمل ويستكمل السيرة والمسيرة الطويلة وهو الدكتور خالد الطوخى، الذى ما إن بدأ يشرف على مساحات الوعى ليستكشف الجديد فى قدرات الشباب حتى قام بإضافة كليات أخرى وفتح آفاقا جديدة، ورفع مستوى الجامعة فى عهده وصارت تضاهى الجامعات الأوروبية فى مستوى التعليم والأساليب الحديثة المتبعة للتعليم والتى تعد من أحدث الأساليب على مستوى العالم، وكما قال الشاعر أحمد شوقى لابن رفاعة الطهطاوى: يا ابن الذى أنقذ العرب معارفه.. أبوك كان لأبناء البلاد أبا. نستطيع القول لخالد الطوخى: يا ابن التى انقذت مصر معارفها.. أمك كانت لأبناء البلاد أما.. فالدكتور اقتبس من والدته نور العقل والمعرفة التى رفع بها أجيالا إلى القمة، واستمرت الانجازات على يد الدكتور خالد الطوخى الذى أحدث طفرة غير مسبوقة فى التعليم العالى، حيث أصبحت جامعة مصر فى عهده تضاهى أكبر جامعات العالم، ليضمن مستقبلا مشرقا لشبابنا ووطننا بإنجازاته التى نفخر بها أمام الدول، ليكون خير خلف لخير سلف بتجسيده نموذجًا مضيئًا للمبادئ النبيلة التى وضعت لبنتها الأساسية قاهرة المستحيل سعاد كفافى. قد يكون الدكتور خالد الطوخى مدينا فى مشواره العلمى والثقافى لوالدته سعاد كفافى، ولجهودها العملية والعلمية التى أثمرت عن وجود صرح علمى كبير يتمثل فى جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ينهل منها المصريون وغيرهم، تعليما حديثا، وللحق فإن الجامعة فى عهد خالد الطوخى شهدت طفرات واسعة على كل المستويات، تعليميا وإداريا وثقافيا، وتوسعت لتصل إلى 14 كلية آخرها التمريض التى بدأ الطوخى فى تدشينها، ليكمل سلسلة الكليات العلمية ومنها كلية الطب ومستشفاها التعليمي، كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي، كلية طب جراحة الفم والأسنان، كلية العلاج الطبيعي، اضافة إلى كلية العلوم الطبية التطبيقية، كلية التكنولوجيا الحيوية، كلية الهندسة والتكنولوجيا، كلية تكنولوجيا المعلومات، كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال، كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، كلية اللغات والترجمة، كلية الآثار والإرشاد السياحي. فى عهد خالد الطوخى تحولت الجامعة إلى جامعة ذكية وبها بنية تكنولوجية قوية جدا معلوماتيا، وتعزز الجامعة من موقفها التكنولوجى، بحيث تكون سرعة الإنترنت عالية تساعد على التواصل داخل الجامعة وخارجها مع المجتمع، وتواصل كامل على كل المستويات، فالدكتور خالد الطوخى يضع فى اعتباره أن الثورة الصناعية الرابعة تعتمد على الإنترنت والمعلومات وهى مصدر القوة للمحتوى الأكاديمى للجامعات ويتم تطويره على مدار الأعوام الماضية، على أن يتم ربطه بسوق العمل، وجامعة مصر شريك أساسى وفاعل فى تطوير التعليم فى مصر، وليست جهات هادفة للربح، فالمستشفى الخاص بالجامعة، به قسم علاج بالمجان وقسم آخر منخفض التكاليف، والحالات التعليمية فى الجامعة يتم علاجها دون مقابل، والمستشفى يغطى كافة التخصصات، و75% موجه للعلاج المجانى. لم يكتف خالد الطوخى بالتوسع فى الكليات العلمية والمعملية، بل جعل من أوبرا جامعة مصر منارة ثقافية لفنانى مصر والعالم العربى، حيث عمل على إثراء القيمة الفنية والتثقيفية لوجود أوبرا جامعة مصر، والتى تتبنى المواهب وتصقلها وتساعد على وجود حالة من الإبداع للاستفادة من مهارات الصغار والكبار، وفى كافة المجالات من الرسم والنحت وغير ذلك، فوجود الأوبرا يدعم العملية التعليمية ويدعم الأنشطة الفنية، حيث تهتم إدارة الجامعة أن يكون خريج الجامعة مثقفًا وليس متعلمًا فقط، وهنا تظهر أهميتها فى دعم الإبداع، إضافة إلى وجود مدارس داخل الجامعة للموهوبين للموسيقى والباليه، كما أن هناك العديد من مدارس المهارات داخل جامعة مصر، وقسم لصحة المرأة فى المستشفى والذى يهدف لخدمة كافة المواطنين فى شتى المحافظات، وهو خدمى وليس للربح، ويهدف إلى نشر الوعى بالإضافة إلى العلاج، وتعد جامعة مصر أول جامعة مصرية خاصة تشارك مع الاتحاد الأوروبى فى تبادل طلابى كامل، ولها السَّبق الكامل فى التعاون والتدريب مع الاتحاد الأوروبي، وشملت الاتفاقيات العديد من الجامعات العريقة بلندن وفرنسا ورومانيا، وتم سفر العديد من الطلاب فى دورات للتطبيق العلمى والتثقيفى واكتشاف الخبرات والتعاون المشترك. الدور العظيم والقوى الذى يقوم به خالد الطوخى يجب أن يدرس للعالم، وتجربته الملهمة تستحق أن تروى، فى كيفية استكمال مسيرة والدته، بخلاف كل الدعم تقدم الجامعة منحا للطلاب، وهذا ما أوصت به الراحلة العظيمة سعاد كفافى قبل وفاتها، وكذلك عدم زيادة المصروفات على الطلاب، وتعد جامعة مصر أقل شريحة فى مصاريف الدراسة بين الجامعات الخاصة، وتقدم منحًا لغير القادرين من الطلاب، وتسعى إلى أن يكون الطالب محبا لجامعته وليس مجبرا على الذهاب للجامعة، كما قامت الجامعة بعمل ملتقيات التوظيف ونجحت بشدة، وكانت الشركات تتقابل مع الطلاب، ويحدث التوظيف بينها وبين الطلاب، كما توجد فى الجامعة كلية التربية الخاصة وهى أول كلية بمصر والعالم العربى للتعامل مع ذوى القدرات الخاصة «أصحاب الهمم»، وأن لها رسالة سامية وكبيرة وندعمها بقوة، وتقوم بتأهيل معلمى أصحاب الهمم. إن خالد الطوخى تجربة ملهمة ومهمة ولن تتكرر فى عمل الخير وصناعة المستقبل، هو رجل حمل على كتفيه وصية والدته الراحلة العظيمة سعاد كفافى، وأوفى بوعده فى كل ما أوصت به، وعندما تأتى ذكراها يجب أن نتذكرها جميعا بالخير والحب والدعاء، فهى الإنسانة النبيلة التى قهرت المستحيل والرائدة التى قادت الأجيال لميادين التقدم والتجديد.