كيف ينجح حكم الرئيس محمد مرسي لمصر وسط أمواج متلاطمة، وهو وجماعته وحزبه لا يوفرون أسباب النجاح؟ ولماذا بدأ بعض المصريين ممن ناصروا الثورة وشاركوا فيها يحنون إلى أيام النظام الذي سقط مع إقرارهم بأنه كان فاسداً؟ ومتى يزول الشعور بأن أحداً لم يحقق فائدة من الثورة إلا الإسلاميين عموماً و»الإخوان» خصوصاً؟ هل يستطيع مرسي أن يكمل فترة ولايته وسط هذا المناخ، أم أن مصر مقبلة على مرحلة تختلط فيها الأوراق... وربما الدماء؟ سُئل قيادي بارز في جماعة «الإخوان المسلمين» عضو في الجمعية التأسيسية للدستور عن تأثير انسحاب ممثلي القوة المدنية من الجمعية احتجاجاً على استئثار الإسلاميين بكتابة الدستور وإعلان لجنة المستشارين، المشكلة من شخصيات عامة لتقديم المشورة الى الجمعية، عن وقف أعمالها للأسباب نفسها. فأجاب بعدما أبدى أسفه لتلك الانسحابات، بأنه سيتم الاختيار من بين الاحتياطيين ليحلوا محل المنسحبين، وبالتالي فإن مشكلة المنسحبين ستُحل ببساطة، معتبراً أن لجنة المستشارين أنهت أعمالها وقدمت مشورتها بالفعل ولم يعد لأعضائها دور في صياغة الدستور! ثم أردف منوهاً بأن الدستور صار في مرحلته الأخيرة، وأن مواده جرى التوافق حولها! لا يختلف كلام القيادي الإخواني كثيراً عن كلام آخر صدر عن الرئيس محمد مرسي عندما تحدث الشهر الماضي إلى حشود «الإخوان» الذين تجمعوا في ستاد القاهرة، واعتبر أن آلاف المخالفات المرورية دليل على أن معضلة المرور في البلد قد حُلت بنسبة عالية!. والحق أن كلام الرئيس والقيادي الإخواني لخص المشهد في مصر، فالإخوان يعتبرون أن لا مشاكل كبيرة، وأن مرسي تسلم البلد «خربانة» والنهضة تحتاج إلى وقت، وأن الليبراليين والقوميين والناصريين واليساريين يستكثرون على «الإخوان» خصوصاً والإسلاميين عموماً حكم البلاد، وأن رجال الأعمال من أصحاب الفضائيات يستخدمون قنواتهم وبرامجهم لإسقاط الرئيس المنتخب، وأن القوى المنافسة أو المعارضة تضع العراقيل، وأنه لولا تصيد الأخطاء أو محاولات منع الرئيس وحكومته من الحكم وتأليب الإعلام والنخب للناس لكان الوضع أفضل، وأن القوى المدنية تمارس ابتزازاً سياسياً لتعرقل تمرير الدستور، كما تسعى في الوقت نفسه إلى إفشال حكم الرئيس الإخواني. ويتهم «الإخوان» أيضاً «فلول» النظام السابق سواء كان الأمر يتعلق بتظاهرة أو اعتصام أو احتكاك بالأمن أو حتى بحادثة قطار مروعة. المتابع للأوضاع في مصر كان يدرك قبل الانتخابات الرئاسية أن الرئيس المقبل، أياً كان، سيواجه مصاعب جمة بينها رفض منافسيه له ومؤامرات «الفلول» ضده واهتراء أجهزة الدولة وفساد القائمين عليها، وأن الناس يمكن أن يتحملوا لفترة بل وسيساعدوا الرئيس ليعبر بالبلد المرحلة الصعبة إذا وجدوا لدى الحكم رؤية واضحة المعالم وخططاً قصيرة وطويلة الأمد للنهوض بالبلاد من كبوتها ووضع أسس لدولة حديثة تحترم فيها كرامة الإنسان ويعيش فيها المواطن محققاً أبسط حقوقه في العيش الكريم حتى لو كان هذا المواطن لا ينتمي إلى الحزب الحاكم أو جماعة الرئيس ولا يهتم أصلاً بالسياسة و»قذارتها» ولا يطمح في مقعد برلماني أو منصب وزاري. كان الاعتقاد وقتها بأن الرئيس سيلقى المساندة من جموع الشعب إذا أدرك المواطن أن لدى الحكم كوادر تنفيذية قادرة على الإبداع والعمل بمهارة لضرب منظومة الفساد وليس استغلالها ومعالجة أمراض الماضي وليس «الطرمخة» عليها وإذا ما أيقن الناس أن الثورة ستحقق لهم ما أرادوه ولن تخصم منهم ما في حوزتهم بالفعل. لو احتفظ الناس بالأمل في مستقبل أفضل لن يغضب بعض المصريين من وقوف الرئيس ومساندته لحركة «حماس» ولن يعتبروه يفضل «أهله وعشيرته» عليهم، وسيدركون أن خطط الحكم بدأت لعلاج اهتراء المرافق فلا يتهمونه بالإهمال إذا ما وقعت كارثة قطار أو تفشت الحرائق، وسيلتحمون معه لمواجهة الإرهاب في سيناء ولا يصدقون أن الرئيس وجماعته سبباً فيه، وسيدعمون اللجنة الدستورية إذا ما رأوا أن غالبية أعضائها يقدرون مخاوف الآخرين ويمنحون منافسيهم الفرص متساوية معهم في صياغة دستور يحقق مصالح الكل. عموماً لم تفت الفرصة بعد ويستطيع الرئيس مرسي وحزبه وجماعته تدارك الموقف العصيب إذا ما بدأوا اختيار حكومة لدى أعضائها القدرات العالية للتعامل مع وضع استثنائي تعيشه البلاد ولا يتحمل منح المناصب لأهل الثقة أو المكافآت للمناصرين والمؤيدين وإذا ما أوقفوا الحملة على الإعلام المعارض وتأكدوا أن مصالحهم محل اهتمام وليس أصواتهم فقط... عندها لن يخشى المواطن أن يذهب إلى ملعب رياضي ويخرج منه في نعش! ومخفر للشرطة فيعذب أو يشارك في تظاهرة فيجرح أو يقف على الحدود ليحرسها فيقتل، وعندها أيضاً لن تجد من ينتقدون جولات الرئيس للصلاة في المساجد، لأن أحداً لن يعاني أو يُمنع. أما إذا كان الحكم يرى أنه بلا أخطاء أو أن العيب في المنافسين فإن المخاوف من كوارث أخرى ستزيد بما يجعل بعضهم يتوقع أن الرئيس لن يصلي في جماعة في المستقبل لأنه... لن يجد من يقف خلفه! نقلا عن صحيفة الحياة