تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي واحة تتمتع بقدر من السلام والاستقرار في وسط الاضطرابات والفوضى التي تعصف بأرجاء منطقة الشرق الأوسط جراء ثورات الربيع العربي والانتفاضات الشعبية. فباستثناء مملكة البحرين وسلطنة عمان فإن مظاهر الاحتجاجات والتوترات المرتبطة بموجة ثورات الربيع العربي تبدو نادرة الحدوث بعد أن انطلقت شرارة هذه الثورات في تونس منذ حوالي العامين تقريبا. ومع هذا لا يمكننا أن نغفل عن الأحداث التي بدأت مؤخرا بخطى متسارعة لتخلخل حالة الهدوء والسلام في كل من الكويت والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. فقد هزت الكويت في الأسبوع الماضي سلسلة من الاحتجاجات التي تحولت إلى أعمال عنف. حيث اتجه المتظاهرون إلى السجن المركزي للبلاد للمطالبة بالإفراج عن عضو البرلمان السابق مسلم البراك، الذي اعتقل إثر خطاب ألقاه أمام المتظاهرين، وانتقد فيه أمير البلاد سمو الشيخ صباح، ولكن أطلق سراح البراك في آخر الأمر مقابل كفالة مالية بلغت عشرة آلاف دينار كويتي أي ما عادل (35.574 دولار). إلا أن هذه الإجراءات لم تردع الناشطين والمجموعات الشبابية من تنظيم مظاهرات احتجاجية في يوم الأحد الماضي تحت شعار " كرامة البلاد 2"، رغم منع الحكومة لأي تجمعات جماهيرية تضم أكثر من عشرين شخصا، في ضوء الصدامات التي وقعت بين الشرطة والمحتجين على التعديلات التي فرضها سمو الأمير بعد موافقة مجلس الوزراء على قانون الانتخابات لعام 2006. وقد شارك في المظاهرة التي فرقتها قوات الأمن الكويتية باستخدام القنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية عدد كبير من المتظاهرين. وفي هذه الأثناء، تصاعدت المظاهرات الاحتجاجية للشيعة في محافظة القطيف في شرق المملكة العربية السعودية، وهي مظاهرات أسفرت منذ اندلاعها في مطلع عام 2011، عن مقتل 14 مدنيا واثنين من ضباط الشرطة. كما تمت محاكمة تسعة عشر شخصاً في الأسبوع الماضي بعد التظاهر بالقرب من سجن طرفاية للمطالبة بإطلاق سراح أفراد أسرهم المحتجزين فيه. وتتزايد الاحتجاجات في المملكة مع استمرار الأقلية الشيعية في ممارسة الضغط على الحكومة للحصول على المزيد من الحقوق. كما أدت الاحتكاكات بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين في الإمارات إلى التراشق بالكلمات. وقد نشبت هذه الأزمة إثر الكشف عن تزايد نفوذ الجماعات الإسلامية في الحياة السياسية للبلاد. حيث كان ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي أكثر صراحة بشأن نشاط جماعة الإخوان المسلمين التي اتهمها عبر حسابه في تويتر، بالتآمر لتغيير أنظمة الحكم في بلدان مجلس التعاون الخليجي. وفي السياق نفسه أكد مؤخرا وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان تخوف بلاده مما ينظر إليه على أنه تدخل الجماعة، بدعوته دول مجلس التعاون للعمل معا لمنع الإخوان المسلمين من تقويض أنظمة الحكم في المنطقة. ومع أن قطر بعيدة عن الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة لما تتمتع به من هدوء واستقرار داخلي، إلا أن المخاطر الخارجية الناجمة عن دعم البلاد للشعوب في بلدان الربيع العربي، ودورها في مساعدة ضحايا المواجهات الدامية في سوريا من المدنيين، قد لا يروق للبعض. فقد صرح مؤخرا اللواء حسن فيروز آبادي رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية قائلاً بأن الإدارة الأمريكية بصدد إثارة فتنة جديدة في سوريا، ونصح قطر "بعدم تعريض أمنها للخطر بالوقوع في فخ الأمريكيين". وتحمل تصريحات أبادي تهديدات مقنعة لقطر مفادها، أن استمرارها في دعم السوريين قد يعرض أمنها واستقرارها للخطر. ولهذا فإن كل هذه الأحداث والاحتجاجات الطائفية المستمرة في البحرين، والمسيرات بسبب البطالة في عمان، لا تبشر بخير لمستقبل المنطقة. فالمنطقة تشهد الآن تهديدات غير مسبوقة ليس لأمنها واستقرارها فحسب، بل أيضا تغيير النظام السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي. فنزعة الناس في المنطقة نحو المطالبة بالمزيد من الحقوق والحريات قد أخذت تتنامى. ولهذا هنالك احتمال كبير في أن تصل يوما حكومات دول مجلس التعاون إلى نقطة التحول إلى ملكيات دستورية شبيهة بما هو قائم اليوم في بريطانيا وإسبانيا واليابان وتايلاند، حيث تعمل الملكيات ضمن إطار دستوري بشكل يضمن استمرارها السياسي في الحكم. وقد اتخذت كل من الكويت والبحرين خطوات في هذا الاتجاه، بإقامة برلمانات منتخبة، ولكن لا يزال الأمراء يحتفظون بحق اختيار رئيس الوزراء ومجلس الوزراء الذي يتمتع بصلاحيات تشريعية كبيرة. وقد يتغير هذا الوضع مدفوعا برغبة الناس في المزيد من الإصلاحات الديمقراطية تحت التأثير الجزئي لانتفاضات الربيع العربي. وأن وجود رئيس وزراء وبرلمان منتخب لم يكن فكرة بعيدة المنال بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي مستقبلا. ومع ذلك، فإن تحقيق المزيد من الحريات الديمقراطية بالتحول إلى ملكيات دستورية لن يحل جميع المشكلات التي تعاني منها كل دولة من دول المجلس في آن واحد. بل قد يسفر عن ذلك تفاقم للأوضاع، خاصة أن دول مجلس التعاون ليست لها تقاليد راسخة في ممارسة السياسة عبر أحزاب سياسية كما هو قائم في الغرب اليوم. حيث يدعم الناس أحزاباً سياسية بعينها انطلاقا من فكرها السياسي. ولهذا تعد دول المجلس بحاجة إلى وضع أسس تحول دون قيام أحزاب على أسس دينية أو طائفية أو قبلية، بل على أسس وقواعد فكرية سياسية إنسانية وبرامج تقوم على الديمقراطية والقيم الأخلاقية بشكل لا يؤدي إلى المزيد من التصدعات في المكونات الاجتماعية لدولها. حيث إننا رأينا في ثورات الربيع العربي الجميع يقف صفا واحداً، الإسلاميون والليبراليون واليساريون ورجال ونساء وأطفال القبائل المختلفة ضد الاستبداد ومن أجل الحرية والعدالة والكرامة. وكان صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد أكد في مقابلة مع صحيفة الفايننشال تايمز في عام 2012، بأن الديمقراطية ينبغي أن تتحقق "خطوة خطوة... وتحتاج إلى تعليم جيد ومحللين جيدين". ولهذا فإن التحدي الذي يواجه دول المجلس الآن يتمثل في كيفية تعليم شعوبهم بشكل ينتقل بهم إلى مرحلة التفكير بعيدا عن التحالفات الطائفية والقبلية المعتادة، ليدعموا أحزاباً ذات رؤى سياسية وقوى لها برامج قابلة للتطبيق وتسهم في تطور ونماء هذه البلدان. والتغيير في المنطقة أمر لا يمكن تجنبه أو استبعاده. وقد توقع هذا صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عند زيارته للولايات المتحدة في عام 1997، حيث اقتبس من مقولات الرئيس الأمريكي جون اف كنيدي قوله: "إن الذين يجعلون من الثورة السلمية أمرا مستحيلا، فإنهم يجعلون من العنف الثوري أمرا لا مفر منه". نقلا عن صحيفة الشرق القطرية