السنة تؤصل للوسطية والاعتدال والدعوة لإلغاء الفقه مغالطة شنيعة «داعش» أحد أسباب ضعف الأمة و«الإسلاموفوبيا» نتاج تطرف غربى أكد فضيلة العالم الجليل الدكتور الشريف حاتم العونى أستاذ الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى الإرادة الصادقة والمعرفة الكافية مع الصبر على خطط الإصلاح المتدرجة والطويلة الأمد حتى تنهض من كبوتها الراهنة؛ وقال إن جميع المدارس والمشارب الإسلامية فى حاجة إلى مراجعة وتصحيح؛ فالتصوف فى حاجة إلى إصلاح من داخله وأتباع المذاهب الأربعة فى حاجة إلى إصلاح وكذلك السلفية المعاصرة. وأكد العالم الكبير أن السنة النبوية المشرفة تؤصل للوسطية والاعتدال وأنها لم ترتبط بالتشدد إلا بسبب غلط بعض المنتسبين إليها فى فهمها، خاصة من أتباع المدرسة السلفية المعاصرة فظن بعض الناس أن مشكلة التشدد والغلو نابعة من السنة لكن التشدد والغلو هو نتاج الفهم المغلوط للسنة وضعف الفقه فيها. وأشار فضيلة الدكتور «العونى» إلى أن الخطاب المتطرف شوّه الدين وأساء إلى صورته فى قلوب كثير من الناس؛ وأضاف العالم الكبير أن «داعش» أحد أهم أسباب ضعف الأمة الإسلامية وتسلط الطامعين فيها وأن خطرها بات عظيمًا. «الوفد» حاورت أستاذ الشريعة بجامعة أم القرى وهذا نص الحوار. بداية.. كيف ترى واقع الأمة الإسلامية وما آلت إليه.. وهل ترى أن حالة الضعف التى تعانى منها عارضة أم أنها أصبحت مرضًا يصعب علاجه، وما الحلول الناجعة لكل ما تعيشه الأمة الآن؟ إن حالة الضعف التى تمر بها الأمة الإسلامية عميقة، وعلاجها صعب جدًا، وليس مستحيلًا؛ إذا وُجدت الإرادة الصادقة والمعرفة الكافية، ولا بد من الأمرين، مع الصبر على خطط الإصلاح المتدرجة والطويلة الأمد، لكى تنهض الأمة من كبوتها. ظهرت فى بعض الدول مؤخرًا محاولات قوية لتأجيج الصراع بين السنة والشيعة.. كيف برأيك يمكن تجنب هذا الصراع؟ الدعوات الطائفية دعوات فتنة ودمار، لا شك أنها تُضعف أصحابها قبل أن تضعف غيرهم، وتكون سببًا فى تسلط العدو الخارجى والطامع فيهم جميعا. ولذلك لم يربح من الطائفية أى طائفة، وإن ربحوا فى العاجل أرباحًا مؤقّتة، فإن مآلها إلى الخسران، وإلى أن تفقد جميع مكتسباتها الموهومة. ونقصد بالطائفية: كل ظلم يقع على المخالف فى الدين أو المذهب، بسبب دينه أو مذهبه. أما العدل والانتصاف، وردع المعتدى، فليس من الطائفية فى شيء. لكم موقف من السلفية وطالبتم بضرورة مراجعة السلفية لنفسها فما أهم العناصر التى يحتاج السلفيون إلى مراجعتها فى رأيكم؟ لم يكن هذا خاصًا بالسلفية المعاصرة، بل هو ما طالبت به كل المدارس والمشارب الإسلامية: فجميعها فى حاجة إلى مراجعة وتصحيح. فالتصوف محتاج إلى إصلاح من داخله، والمذهبية (أتباع المذاهب الأربعة) فى حاجة إلى إصلاح من داخلهم، و(الأشعرية) و(الماتريدية) فى حاجة إلى إصلاح من داخلها. وإنما أذكر الإصلاح الداخلى لأنه أعمق الإصلاح (أو هكذا يجب أن يكون)؛ ولأنه أولى إصلاح بالقبول. أما السلفية المعاصرة (وأنا أحد خريجى مدرستها) فأنتقد عليها: غلوها فى التبديع، وقبول بنائها العقدى للتشرذم وإثارة الفتن فى المجتمع وبين المسلمين، فضلًا عن شيوع التكفير والغلو فيه، وميلها إلى التشدد والتنطع فى الأحكام الفقهية، واستعصاء فكرها عن النقد الذاتى والتجديد والتطوير، كما أنها تفتقد النظرة الواقعية فى سُلم الأولويات وفى طريقة الإصلاح. السنة تؤصل للوسطية والاعتدال فلماذا يرتبط التمسك بالسنة أو بفهم مقاصدها بالتطرف والتشدد ورفض الآخر.. من وجهة نظركم؟ لم ترتبط السنة بالتشدد إلا بسبب غلط بعض المنتسبين إليها فى فهمها، خاصة من أتباع المدرسة السلفية المعاصرة (كما سبق)، خاصة مع ادعائهم احتكار الانتساب إلى السنة. فظن بعض الناس أن مشكلة التشدد والغلو نابعة من السنة، وحاشاها من ذلك، وإنما التشدد والغلو هو نتائج الفهم المغلوط للسنة وضعف الفقه فيها. هناك من يدعو إلى إلغاء الفقه وتحرير الناس من قيود الحل والحرام التى تقيد الحياة وتضع حواجز بينهم وبين التقدم.. فما ردكم على هذا الطرح؟ هل للخطاب الدينى المتطرف دور فى بروز ظاهرة الإلحاد؟ أولًا: هذا الكلام قائم على مغالطة شنيعة، وهى ادعاء أن الأحكام الفقهية تقيد الحياة وتمنع من التقدم، هذا كلام لا دليل عليه، بل الدليل ينقضه، ويدل على نقيضه. فالفقه الإسلامى أكبر داع للتقدم، وأفضل ما وسّع للناس حياتهم حفظًا يحقق لهم المصالح ويدرأ عنهم المفاسد. ولقد كانت الأمة الإسلامية فى يوم من أيام التاريخ صانعة الحضارة، رغم التزامها بأحكام الفقه والشرع الحنيف. ثانيًا: لا شك أن الخطاب المتطرف شوّه الدين وأساء إلى صورته فى قلوب كثير من الناس. ونحن قد نعذر غير المسلم إذا أساء الظن بالإسلام لجهله به، أما أبناء المسلمين فلا عذر لهم أو لمن يقوم على تعليمهم وتربيتهم من أن يُنشئهم نشأة تحصنهم من الأفكار المتطرفة ومن أن يحسبوها صحيحة الانتساب إلى الإسلام. فوجود الخطاب المتطرف وإن كان من أسباب الإلحاد فعلًا، إلا أنه ليس مبرِّرًا يسمح بإعذار من ألحد والتبرير له؛ وإلا للزم من اعتبار التطرف مبررًا للإلحاد أن يكون عامة الناس: إما متطرفين أو ملاحدة، والواقع أن غالب المسلمين لا من أهل التطرف ولا من الملاحدة أيضاً؛ لأن الأمرين كليهما تطرف وغلو، والناس بفطرتها ترفض الغلو فى الجانبين: غلو اللادينية والغلو المنسوب للدين. كيف ترى خطورة بعض التنظيمات الإرهابية التى تتستر بعباءة الدين مثل «داعش» على المنطقة وما آليات المواجهة؟ خطرها عظيم، وهى أحد أهم أسباب ضعف الأمة، وتسلط الطامعين فيها. منظمات إسلامية غربية حذرت من تصاعد موجة «الإسلاموفوبيا» فما خطورة ذلك وما السبيل للحد من الخوف من الإسلام؟ الإسلاموفوبيا: هو نتاج تطرف غربى وعنصرية ضد الإسلام والمسلمين، اتخذوا من وجود قلة شاذة تطرفت من أبناء المسلمين، ليوهموا الناس أن ذلك التطرف والغلو هو حقيقة الإسلام فى نفسه. فالملوم الأول على الإسلاموفوبيا هم مثيروه فى الغرب وهو مشكلتهم هم مع الواقع الإسلامى، وعليهم إصلاح هذا الغلط؛ لأن وجود غلاة متطرفين لا ينجو منه دين أو شعب، المهم هو هل كان تطرف المتطرفين غالبًا على المنتمين للإسلام؟! أو هل الإسلام فعلًا يدعو للتطرف؟! فإن تنزه الإسلام والمسلمون من الأمرين كليهما صارت إثارة الناس ضدهم ظلمًا واعتداء، وهو تطرف وغلو فى الجانب الآخر، وعنصرية مقيتة لا يقبلها كل إنسان سَوى الفطرة. ما تقييمك لجهود الأزهر فى التصدى لظاهرة «الإسلاموفوبيا» حول العالم؟ الأزهر الشريف إحدى أهم المؤسسات الدينية فى عالمنا الإسلامى، وهو بعلمه وعلمائه كان ومازال مصدر إشعاع إسلامى للعالم كله، وهو منبر الوسطية والاعتدال. فلا شك أن وجوده وقوته هى التى جعلته الحصن الذى يحفظ الإسلام، ويعطى التصور المشرق عنه، ويُكذِّب كل دعاوى الطاعنين فيه. صورة الإسلام يشوبها غموض ولبس لدى الغرب فكيف يمكن للمسلمين توضيح صورة الإسلام الحقيقية أمام الغرب؟ بأمور عديدة، منها: أن يثبتوا بالتقدم العلمى والحضارى إثباتًا عمليًّا أن دينهم لم يحل بينهم وبين العلم والتقدم، رغم تمسكهم به. - أن يمتلكوا إعلامًا عالميًا، ومنتجات إعلامية: من أفلام وبرامج، قادرة بقوتها أن تقاوم الإعلام الذى يشوه صورة الإسلام والمسلمين. - أن يكون المسلمون بأعمالهم هم أول من يحرص على ألا يعطى تصورًا سيئًا عن الإسلام. كيف يمكن دعم الهوية الإسلامية فى نفوس الشباب؟ بالثقافة القوية عن الإسلام وتاريخه وحضارته، بالتركيز على كليات الدين ومشتركاتها الإنسانية، بترسيخ العقائد الدينية بالأدلة العقلية اليقينية. وهذا يجب أن تضطلع به المؤسسات التعليمية الإجبارية فى مراحل التعليم كلها، ووسائل الإعلام. ماذا عن رؤيتكم لحوار الأديان، خاصة أن البعض يصفه ب«حوار الطرشان» وهل توافق على هذا المسمى؟ حوار الأديان إن كان المقصود به إشاعة روح التسامح بينها: فهو مطلب إسلامى وإنسانى. وإن كان بقصد معرفة الحق وتمييزه عن الباطل، وفق آليات الحوار الصادق فى نيته وأدواته وتنظيماته: فهو من الدعوة للحق والخير الذى تدعو له الأديان كلها. وأما إن كان بقصد الخداع والإكراه على تغيير العقائد والشرائع: فهو مؤامرة خبيثة يجب التصدى لها. وأما إن كان للاستهلاك الإعلامى ولإيهام الساسة أنهم يقومون بشيء فيه نفع البشرية، دون قيامهم بشيء من ذلك: فهذا هو حوار الطرشان! الإساءة للرسول والمقدسات والعقيدة بين الخفوت والثورة من حين لآخر.. فما تحليلكم لهذه الإساءات، خاصة أنها تصدر بدعوى حرية التعبير؟ الغرب وحضارته المادية يقدس حرية التعبير، وليست عنده مقدسات دينية البتة، ولذلك لا يكترث بشيء اسمه مقدس دينى، بل يرى فى منعه عن الإساءة للمقدسات الدينية إساءة لقدسية حرية التعبير لديه. ولا يريد الغرب أن يحترم خُمس أهل الأرض من المسلمين ومعهم مثلهم من كل المؤمنين بالمقدسات الدينية الذين يؤذيهم كل الأذى ويؤلمهم أشد الألم أن يُساء إلى مقدساتهم ورموزهم الدينية. لا يريد الغرب أن يفرق بين حرية التعبير وفوضى التعبير، لا يريد أن يفهم أن حرية تعبيرك لا تجيز لك إيذاء إنسان، فكيف بمئات الملايين من البشر! هذا الغلو فى فهم قداسة حرية التعبير على حساب القداسة الدينية عند شعوب وأُمم على وجه الأرض لا معنى له إلا أنه غرور غربى وعنصرية فاضحة، تدل على أن الغرب يعتقد أن معاييره هى المعايير التى يجب أن يعتمدها الناس كلهم فى معرفة المقدس من غير المقدس. هل ترى أن وسائل الإعلام العربية والإسلامية مقصرة فى نقل الصورة الحقيقية لما يحدث فى العالم الإسلامى وعرض قضايا المسلمين؟ لا شك فى ذلك، ولذلك أطالب بوجود إعلام إسلامى بمستوى عالمي. ما المطلوب من العقل العربى والإسلامى تجاه ما يسمى بصدام الحضارات الذى تحول إلى واقع دولى؟ أن يشرحوا للعالم أن صدام الحضارات كان واقعًا تاريخيًا، قبل زمن اتصال الحضارات وتواصلها واكتشافها. يجب أن يؤمن البشر أن اختلافهم الحضارى نعمة، وأن هذا الاختلاف هو الذى يؤدى إلى التلاقح الفكرى والحضارى لينتج منه الاكتشاف والإبداع والتطور البشرى. فهو كاختلاف الزوجين، الذى لولاه لما وُجدت ذرية، ولما تعاقبت الأجيال. وهذا مصداق قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}. رسالة توجهها للعقل الغربى والعقل المسلم فماذا تقول؟ رسالتى للعقل الغربى: تواضع، واحترم فطرتك الإنسانية، ولا تحتقر أصلك باعتقاد تخلف الجنس البشرى قبل حضارتك الراهنة. رسالتى للعقل المسلم: انفتح على الأفكار بعد أن تعرف دينك معرفة صحيحة، فلا الانغلاق بالنافع لك، ولا الانفتاح الذى لا يميز الحق من الباطل بالنافع لك. لكم تجربة مع الشعر فما أهم ملامحها.. وهل صدرت لك دواوين شعرية مطبوعة؟ تجربتى مع الشعر متواضعة جدًا، لكنى محب للشعر جدًا، وقارئ متذوق له، أحاول أن أفهم أسباب سحر الكلام البليغ، وأن أدخل من خلاله فى نفسية كاتبه وأن أكتشف خفاياها التى أنتجت ذلك الشعر أو النثر. كيف يحافظ المسلم على صيامه وما الثمرة المرجوة من الصيام؟ بالعزلة، إلا من العبادات فى المساجد. يتفرغ للذكر وقراءة القرآن بتدبر وفهم، وبقراءة سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وسُنته قراءة متفقه متعلم. كيف تقضى يومك فى رمضان وما الروشتة التى تقدمها للمسلمين فى هذا الشهر الكريم؟ جدول مشحون بالأعمال الخاصة، مبتعدًا عن الخلطة؛ إلا بأهل بيتى. أخيرًا ما مشروعكم الفكرى الذى تحلمون بتحقيقه؟ هو الإصلاح الدينى، فهو أساس كل إصلاح فى أمتنا الإسلامية، التى ما زالت أمة متدينة، رغم الغفلات والمعاصى، فما زالت تحب الدين ومأسورة فى تصوراته، لذلك سيكون الإصلاح الدينى هو أساس الإصلاح فيها، لتنجح فى كل أمورها؛ حيث إن الإسلام دين يشمل بأحكامه وتصوراته شئون الدنيا كلها والآخرة.