زهرة آن لها أن تفتح ، عاش أجواء الثورة ، مازالت صور الشهداء فى العبور العظيم تداعب مخيلته مع كل احتفال بذكرى اكتوبر المجيد ، شرح له مدرسوه كيف قهر المصرى العدو الصهيونى ورده خائبا فى حرب 73 ، وكيف حطم السد المنيع ، إنتصار سيظل للتاريخ نبراسا ، سوف يفخر محمود وزملائه بمصريتهم وانتمائهم للأرض العظيمة التى أنجبت الأبطال مصطفى كامل ، سعد زغلول ، عبد الناصر والسادات ، وهاهى ثورة التحرير تقوم ضد الفساد ، فأطاحت بثلاثة عقود من الإستبداد ، محمود عاش أجواء الثورة ، هؤلاء الشهداء يسقون الميدان بالدم من أجل الحرية والكرامة ، لم يأبهوا بالرصاص ، فتحوا صدورهم وتصدروا المشهد ، صمموا على التغيير ، هذا أوان الشعار ( إرفع رأسك فوق أنت مصرى ) راح محمود يعب من كأس الشجاعة ، وامتلأت روحه بالجسارة والإباء ، مازال بالمرحلة الإعدادية لكن الشعور بأهمية الإنتصار على الظلم يملأ جنباته ، لايقبل الضيم ، حب الوطن تغلغل فى أوردته وشرايينه ، صور الثوار فى ماسبيرو ومحمد محمود ، العباسية وبورسعيد ألهبت حماسته عندما كان يسير إلى جوار زميله الذى تم خطف هاتفه المحمول من أحد عتاة الإجرام ، فأراد محمود أن يلقنه درسا فأطلق لساقيه العنان وعندما أمسك باللص وهدده بإبلاغ الشرطة كانت يد الإجرام تسدد له طعنة نافذة فسقط مضرجا فى دمائه ، فى محيط مدرسته والمدارس المجاورة ، ومايدمى الأفئدة أنه لم تهب القلوب الرحيمة لنجدة محمود ، الكل آثر أن يكون بمعزل عن الدماء الطاهرة ، بمعزل عن النبل والشهامة والمروءة ، ونجدة المحتاج التى كانت جميعها صفات المصريين قديما ، لتصبح الأنانية والجشع واللامبالاة ، القسوة والغلظة شعار المرحلة ، ترك محمود فى نهر الطريق ينزف بغزارة ، وصعدت روحه إلى بارئها ، قتل محمود وقتل الحلم الذى ادخره للمستقبل وساهم فى تكوينه جو الفداء ، محمود راح غدرا بيد المجرميين الذى تعج بهم مصر الآن ، وينتشرون كالجراد ، كالوباء ، كم حمل فى جانبيه هذا الكم من الإيثار ، والوطنية ومازال بعمر الطفولة ، لكن إحساسه بالمسئولية فاق كل تصور مقارنة بالكبار الذين تقاعسوا عن آداء الواجب ، ومات الضمير ، ستظل النار مشتعلة فى قلب أمه وجدته وصديقه الذى ضحى من أجله ، سيظل موكب الشهداء يضم كل يوم شهداء جدد ، فهناك ألف محمود استقوا من معين الثوار كل طيب ونبيل ، ويظل القصاص مطلبا ملحا ليتحقق العدل