أسعار الطماطم والبصل والفاكهة في أسواق الشرقية اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 26 كتوبر    مصرفي ثري، "نيويورك تايمز" تكشف اسم المتبرع المجهول للبنتاجون لدفع رواتب العسكريين    اليوم، أولى جلسات طعن سعد الصغير على حكم حبسه 6 أشهر في قضية المخدرات    خبير أثري: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم.. ونقل مركب خوفو تم بخبرة مصرية خالصة    نجيب ساويرس: «من حق الشعب الفلسطيني أنه يلاقي عنده مدارس وملاعب مش دمار وحرب لا تنتهي»    النشرة الصباحية من «المصري اليوم»: حماس: السلاح على طاولة النقاش.. اشتباكات في سوريا.. الطقس خريفي.. مشهد مؤثر للسيسي مع طفلة فلسطينية.. كييف توجه السكان للبقاء في الملاجئ    خبير سيارات: لا تنخدعوا في إعلانات «زيرو فوائد»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه بالبنك المركزي المصري والبنوك الأخرى الأحد 26 أكتوبر 2025    الأنبا كيرلس في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي: وحدانية الكنيسة راسخة في قداستها وجامعيتها ورسوليتها منذ مجمع نيقية    القبض على المتهم بقتل سائق لخلافات عائلية فى الوراق    رسميًا.. مواعيد بدء امتحانات الترم الأول 2025-2026 وإجازة نصف العام لجميع المراحل الدراسية    سكرتير شعبة الذهب: اللي معاه سيولة لازم يشتري ولكن «يمسك العصاية من النصف»    42 مليون أمريكى مهددون بالجوع قريبا.. وتطور مهم في ملف غزة (فيديو)    نائب رئيس حزب المؤتمر: احتفالية «مصر وطن السلام» أبرزت وجه مصر الإنساني ورسالتها الحضارية للعالم    محسن صالح: لن نبدأ من الصفر في دعم المنتخبات وهذا الفارق مع المغرب    صابر الرباعي يحيي ذكرى محمد رحيم بأغنية «وحشني جدًا» في ختام مهرجان الموسيقى العربية    روبيو: أمريكا لن تتخلى عن دعم تايوان مقابل اتفاق تجاري مع الصين    محمد سلام يشوق جمهوره لمسلسله الجديد «كارثة طبيعية»    ب440 قطعة حشيش وبندقية آلية.. سقوط 3 تجار مخدرات في القصاصين    عاجل - غارة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة القليلة جنوب لبنان    من «كارو» ل«قطار الإسكندرية».. مباحث شبرا الخيمة تعيد «محمد» لأسرته    الطريق إلى بروكسل    ضبط صانعة محتوى لنشرها فيديوهات رقص خادشة للحياء    هشام عباس وميريهان حسين وياسر إبراهيم يشاركون أحمد جمال وفرح الموجى فرحتهما    سلوت عن هدف محمد صلاح: لقد كان إنهاء رائعا من مو    اشتباكات بين الجيش السوري و"قسد" شرق دير الزور    الهندسة النانوية في البناء.. ثورة خفية تعيد تشكيل مستقبل العمارة    هانيا الحمامي تتوج ببطولة أمريكا المفتوحة للاسكواش بعد الفوز على أمينة عرفي    محافظ الغربية في جولة ليلية مفاجئة بالمحلة الكبرى لمتابعة النظافة ورفع الإشغالات    وسط غزل متبادل، منة شلبي تنشر أول صورة مع زوجها المنتج أحمد الجنايني    بالصور.. حملات مكبرة بحي العجوزة لرفع الإشغالات وتحقيق الانضباط بالشارع العام    لتفادي النوبات القلبية.. علامات الذبحة الصدرية المبكرة    الصحة: مصرع شخصين وإصابة 41 آخرين في حادث مروري على طريق (القاهرة - السويس)    مدرب إيجل نوار: الأهلي كان قويا رغم الطرد    وزير الرياضة: سنساعد الزمالك وفقا للوائح والقوانين.. وقد نمنحه قطعة بديلة لأرض أكتوبر    انتخابات الأهلي – الغزاوي: التنمية والاستثمار هما هدف المرحلة المقبلة للمجلس    محمد عبد الجليل: يانيك فيريرا أقل من تدريب الزمالك.. وأنا أفضل من زيزو بمراحل    وزيرة التضامن تتابع إجراءات تسليم الأطفال لأسر بديلة كافلة    مصرع شاب وإصابة شقيقه فى حادث تصادم سيارة نقل بدارجة نارية بالمنوفية    الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    غادة عبد الرحيم تدعو وزارة التعليم لتبني حقيبة "سوبر مامي" لدعم أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه    أكثروا من الألياف.. نصائح فعالة لعلاج شراهة تناول الطعام    السر في فيتامين B12.. أبرز أسباب الإرهاق المستمر والخمول    أسعار الكابوريا والجمبري والأسماك بالأسواق اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    صلاح يسجل أمام برينتفورد وليفربول يخسر للمرة الرابعة تواليا في الدوري الإنجليزي    بداية شهر من الصلابة.. حظ برج الدلو اليوم 26 أكتوبر    عضو إدارة بتروجت يكشف كواليس انتقال حامد حمدان للزمالك    عمرو أديب: مُهمة التدخل للبحث عن جثث الرهائن فى غزة تظهر قوة مصر وحكمتها    رئيس جامعة المنيا يشارك الاحتفالية العالمية «مصر وطن السلام» بمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية    الأزهر للفتوى: الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا جريمة فى ميزان الدين والقيم    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفراد.. الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء فى آخر حوار له ل«الوفد» قبل وفاته
نشر في الوفد يوم 02 - 03 - 2020


التجديد سنة وقانون وضرورة.. وبضاعتنا فيه غنية
الإلحاد ظاهرة غربية دخل العالم الإسلامى ضمن موجات التغريب
إحياء القضية الفلسطينية فى عقل الأمة ووجدانها ضرورى
الحداثة مصطلح غربى تم تزييف مضمونه.. والعلمانيون يقيمون قطيعة مع الدين
أكد المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الخطاب الإسلامى لا بد أن يجمع بين «إيقاظ العقول» و«ترطيب القلوب» ليحقق الوسطية الإسلامية الجامعة بين «حسابات العقول» و«خطرات القلوب»؛ مشيراً إلى أن التجديد هو سنة وقانون وضرورة لإنزال الأحكام على الواقع المتغير، مع ضرورة الاهتمام بالجهاد الفكرى لتطبيق هذا التجديد على الواقع المعيش حتى لا يظل التجديد حبيس الكتب، وعن الإلحاد قال د.عمارة إنه ظاهرة غربية وهو وافد غربى وفد إلى عالمنا الإسلامى ضمن موجات التغريب التى جاءت إلينا فى ركاب الغزوة الغربية الحديثة عندما نظر البعض هنا إلى الدين الإسلامى بعيون الفلسفات المادية والوضعية الغربية وأرادوا أن يتعاملوا مع الإسلام، كما تعامل الأوروبيون مع اليهودية والنصرانية؛ إلا أن المفكر الإسلامى د.عمارة أكد أن طريق الإلحاد فى الواقع الإسلامى مسدود بشرط الجهاد الفكرى الذى يطهر واقعنا المعيش من الإلحاد، كما تطهر منه واقعنا التاريخى القديم، «الوفد» تنفرد بحوار مع المفكر الإسلامى الكبير د.محمد عمارة قبل وفاته،
كيف نفهم ونقدم الإسلام فى عصرنا الراهن ولإنساننا المعاصر؟ وما المنهج السديد للدعوة الإسلامية فى عصرنا الراهن؟ وما موقفكم من التجديد؟
لفهم الإسلام فى عصرنا الراهن وتقديمه لإنساننا المعاصر سبل كثيرة، منها: أن تكون هناك مستويات فى الخطاب الإسلامى تلبى وتناسب احتياجات ومستويات ومفاهيم المخاطبين، تمهيدا للارتفاع بهم إلى المستويات الأعلى.. فلا بد من خطاب برهانى لأهل الحكمة والمنطق والبرهان.. وخطاب وعظى للجمهور والعامة.. وخطاب بين هذين الخطابين لأهل الجدل.
وهذه المستويات جميعها، أشار إليها القرآن الكريم فى آية: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن) «العنكبوت:46.. وأشارت إلى منهجها آية«يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة»، يوسف :67.. فالحق واحد، والمقاصد واحدة، لكن السبل والطرق متعددة.
وأن يجمع الخطاب الإسلامى بين إيقاظ العقول وبين ترطيب القلوب، وبذلك يحقق الوسطية الإسلامية الجامعة بين حسابات العقول وخطرات القلوب.
وأن ندرك معانى ومرامى النبوة، التى لاتقف عند بلاغ الآيات القرآنية، وإنما تضيف إليه التزكية – التربية – والحكمة – أى كشف الأسرار القرآنية – (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) «آل عمران:164».
وأن نُحسن الاستفادة –عند مخاطبة العلميين والماديين– من حقائق الإعجاز العلمى للقرآن الكريم (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) «فصلت: 53».
أما التجديد، فهو سنة وقانون وضرورة لإنزال الأحكام على الواقع المتغير.. وبضاعتنا فيه –والحمد لله – غنية إذا نحن استفدنا من إبداعات مدرسة الإحياء والتجديد التى ارتاد ميدانها الإمام محمد عبده (1266 1323ه 1849 1905م) ومن سار على دربه من علماء الأزهر ودار العلوم ومدرسة القضاء الشرعى، ونظائرها فى مشرق العالم الإسلامى ومغربه.
مع الاهتمام بالجهاد الفكرى لتطبيق هذا التجديد على الواقع المعيش، حتى لا يظل التجديد حبيس الكتب.. وحتى لايظل الجاهلون والمتجاهلون يتساءلون: أين التجديد؟ بينما هم الذين يحولون دون تطبيقاته فى فلسفة الحكم...والشورى..والعدالة الاجتماعية..وغيرها من ميادين التجديد.
كيف ترى موجات الإلحاد والتشكيك فى الدين فى العقود الأخيرة، وما تاريخها وخلفياتها وأسبابها؟
الإلحاد ظاهرة غربية، منذ المادية اليونانية – مادية ديمقريطس (القرن الخامس ق.م) – وحتى عصرنا الراهن – المادية الجدلية والتاريخية والفلسفة الوضعية الغربية – وهو وافد غربى، وفد إلى عالمنا الإسلامى ضمن موجات التغريب التى جاءت إلينا فى ركاب الغزوة الغربية الحديثة، عندما نظر البعض منا إلى الدين الإسلامى بعيون الفلسفات المادية والوضعية الغربية..وأرادوا أن يتعاملوا مع الإسلام؛ كما تعامل الأوروبيون مع اليهودية والنصرانية.
وإذا نحن قارنا بين حجم هذا المرض العقلى فى بلادنا وبين وضعه الكارثى فى المجتمعات الغربية لن ننزعج كثيرا من هذا الأمر...فقط علينا أن ننهض فنجعل من محاربة الإلحاد مهمة من مهام العقل المسلم المعاصر، تقدم العقلانية الإسلامية التى تستوعب الشكوك وعلامات الاستفهام وألوان القلق العقلى..وتقدم الإعجاز العلمى للقرآن الكريم..كما تقدم الهدى الإسلامى والإصلاح الاجتماعى والسياسى الذى يقدم الإسلام المعجز فى التقدم والنهوض بالمجتمعات عبر الزمان والمكان..وعند ذلك سيرى الملاحدة واللاأدريون كيف يقدم الإسلام – إلى جانب سعادة
الطمأنينة القلبية – الحل للمشكلات الاجتماعية التى تقذف بالبعض إلى دائرة الإلحاد.
وعندما رأست تحرير مجلة «الأزهر» يسر الله –سبحانه وتعالى – تقديم العديد من الأعمال الفكرية التى كونت ما يشبه مكتبة تعالج هذا الوافد الضار الذى يزعج الغيورين على الدين فى واقعنا المعيش.
ولأن الإلحاد هو جزء من التغريب الوافد إلى عالم الإسلام، كان تأثيره أكثر فى العلمانية المتغربة.. وفى البيئات التى يسود فيها الجمود والتقليد الدينى الذى يخلق الفراغ الذى يتمدد فيه التغريب.. فالتقليد الأعمى لماضينا، والتقليد الأعمى للماضى الغربى، هما وجهان لعملة واحدة، فى فضائهما يتمدد الإلحاد.
وإذا نحن نظرنا إلى حجم الإلحاد فى الواقع الإسلامى، وقارناه بانتشار الإسلام بالمجتمعات الغربية ستطمئن قلوبنا إلى أن طريق الإلحاد فى الواقع الإسلامى مسدود مسدود، شريطة الجهاد الفكرى الذى يطهر واقعنا المعيش من الإلحاد، كما تطهر منه واقعنا التاريخى القديم.
ما موقفكم من الحداثة؟ وما موقفكم من الغرب وحضارته الحديثة؟ وما الذى يمكن أن نستفيد فيه من الغرب؟ وما الذى ينبغى أن نحذره؟ ولماذا تتصدى للتوجهات التغريبية بشكل خاص؟
الحداثة.. مصطلح غربى تم تزييف مضمونه عندما خلط المتغربون مضمونه بمضمون مصطلح التجديد الإسلامى.. فعلى حين يعنى التجديد الانطلاق من الثوابت الجامعة إلى فقه الواقع المتغير والبحث له عن الأحكام التى تصله بمناهج الإسلام،على النحو الذى يجمع بين العقل والنقل وبين فقه الواقع وفقه الأحكام، فإن الحداثة هى النزعة الغربية التى تقيم قطيعة معرفية كبرى مع المورورث ومع الموروث الدينى على وجه الخصوص..
إنها الثقافة التى زعمت أن الدين إنما مثل طفولة العقل البشرى فى التاريخ القديم وجاءت الميتافيزيقا لتقيم قطيعة معرفية مع مرحلة الدين، ثم جاءت الفلسفة الوضعية لتقيم قطيعة معرفية مع الميتافيزيقا ولتحل الإنسان فى مركز الثقافة بدلاً من الله..
تلك هى الحداثة – فى مضمونها الغربى – ولذلك تجد كل الحداثيين – فى بلادنا وفى غيرها – علمانيين، يقيمون قطيعة معرفية مع الشريعة..ويتبنون – فى بلادنا – كأسلافهم الغربيين – القانون الوضعى الغربى بدلا من الفقه الإسلامى فى المعاملات.. ومن هؤلاء العلمانيين من يقفون بالدين عند ما لله، جاعلين ما لقيصر هو للنظم الغربية فى الحكم والإدارة والقضاء والتشريع..ومنهم ماديون يجعلون قيصر هو السيد على ما لله أيضا.. فحداثتهم تقيم قطيعة معرفية مع الدين...وعلمانيتهم تقيم قطيعة بين الأرض والسماء.
أما موقفى من الغرب وحضارته الحديثة، فهو موقف التمييز بين ما أبدعه الغرب الحديث فى العلوم الطبيعية وتطبيقاتها، وهو مشترك إنسانى عام، لاتختلف حقائقه وقوانينه باختلاف ديانات وفلسفات المبدعين لها..ولقد سبق للغرب القديم أن تتلمذ فى هذا الميدان على الحضارات الشرقية القديمة..ثم تتلمذت الحضارة الإسلامية فيه على الإغريق والرومان.. ثم تتلمذت النهضة الأوروبية الحديثة فيه على الحضارة الإسلامية.. فكان هذا الجانب من الإبداع الحضارى مشتركا إنسانيا عاما، كالماء والهواء، لايعرف الحدود ولا السدود.. بينما ظلت الثقافات والعقائد والفلسفات بمثابة البصمة التى تمايز بين الأمم فى منتدى الحضارة الإنسانية.
ولهذه الحقيقة التى ترى العالم منتدى حضارات، بينها مشترك إنسانى عام، كما أن لكل منها خصوصية تميزها، كان تركيزى على ضرورة التمييز بين «التفاعل الحضارى» – المطلوب – وبين «التبعية الحضارية» – المرفوضة -.
إن لدينا لونين من الجمود السلفى، يهاجر أصحاب اللون الأول من الحاضر إلى تجارب الماضى وشكلياته، أما اللون الثانى فيهاجر أصحابه من الشرق الحضارى إلى الغرب الحضارى – بزعم وحدة الحضارة على النطاق العالمى – وأولهما لا يميز أصحابه بين الثوابت والمتغيرات، وثانيهما لا يميز أصحابه بين ما هو مشترك إنسانى عام بين كل الحضارات وبين ماهو من الخصوصيات الثقافية والحضارية.
ولقد تصديت لكلا الانحرافين – انحراف الجمود والتقليد.. وانحراف التغريب.. ونبهت على أن انحراف الجمود هو الذى يخلق الفراغ الذى يتمدد فيه التغريب.. كما أن انحراف التغريب يخيف أهل الجمود فيزدادون انغلاقاً على
جمودهم.. بينما التجديد هو الذى يحافظ على الهوية، ويملأ الفراغ فلا يدع مجالاً لتمدد التغريب فى فضائنا الحضارى.
وإذا كنت قد ركزت كثيراً على مخاطر التغريب، فلأن أغلب نظم الحكم الشرقية قد سخرت مؤسسات الفكر والثقافة والتعليم والإعلام لخدمة التغريب، الأمر الذى جعل من هذا التغريب الحداثى الخطر الأكبر على الإسلام وحضارته.
ما القضايا الأساسية للأمة المسلمة الآن؟.. وكيف نقاربها؟
القضايا الأساسية للأمة المسلمة الآن كثيرة فى مقدمتها:
تحقيق الاستقلال الحقيقى لشعوبها عن هيمنة النظام الاستعمارى «الغربى» الذى يسمونه خطأ النظام الدولى.
لقد حققت الشعوب الإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية استقلال «العلم» و«النشيد»، وهو الاستقلال الشكلى، الذى ترك دول هذه «الشعوب ومقومات مجتمعاتها مربوطة بسلاسل التبعية للمركزية الحضارية الغربية.. فلم يتحقق لها جوهر الاستقلال.
تحرير ثروات العالم الإسلامى من قبضة النهب الإمبريالى الغربى.. لقد قيل بحق : إنَّ الرأسمالية هى أعلى مراحل الاستعمار.. وطالما بقيت ثروات العالم الإسلامى فى قبضة الشركات الغربية المتعددة الجنسيات والمتعدية للقارات فإنَّ العالم الإسلامى سيظل بعيدًا عن تحقيق جوهر الاستقلال.
تحقيق الاستقلال الفكرى والثقافى للعقل المسلم، وذلك لتحقيق التميز الذى يحقق التعددية الفكرية والثقافية فى العالم الذى نعيش فيه.. أما إذا ظللنا أسرى للتبعية الفكرية للغرب، نرقص على أنغامه، ونقيس تجديدنا بحداثته، وفلسفة حكمنا بعلمانيته وتأويلنا بالهيرمونيطيقا الغربية، فستظل قلوبنا وعقولنا تتجه نحو القبلة الغربية.
التحرر من الفصام النكد بين ما هو «دينى» وما هو «مدنى».. فالإسلام هو دين السماء كما هو دين الأرض، ودولته مدنية مرجعيتها الشريعة التى لا كهانة فيها.. وكل المعارف والعلوم التى تخدم الاجتماع وتقربه إلى المثل الإسلامية هى معارف وعلوم إسلامية شرعية كانت أو مدنية ولقد نبه على هذه الحقيقة إمام دار الهجرة مالك بن أنس «93 -179ه 712 795م» رضى الله عنه عندما قال: «إن ديننا هذا علم، وإن علمنا هذا دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».
بهذا يصبح الاستقلال الحقيقى هو جوهر القضايا الأساسية للأمة الإسلامية.
وإذا كنا نردد المأثور الذى يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.. فلقد كان صلاح أول هذه الأمة ب:
استقلالها الفكرى الذى أحل التوحيد محل الوثنية، واستقلالها السياسى الذى امتلك الدين به الدولة، واستقلالها الاقتصادى الذى امتلكت به السوق وإحياء الأرض الموات، وتطبيق نموذجها المتميز فى فلسفة الأموال والثروات؛ فلسفة استخلاف الإنسان عن الله فى الثروات والأموال، تلك هى أهم القضايا الأساسية التى يجب أن يعيها العقل المسلم.
أخيراً.. القضية الفلسطينية هى الأولى من القضايا العالمية للمسلمين، وفى ظل تصاعد دعوات التطبيع مع الاحتلال واعتراف عدة دول بالقدس عاصمة لإسرائيل، كيف ترى القضية الفلسطينية الآن؟.. وما واجب العلماء والأمة تجاهها؟.
الموقف الحالى للحكومات العربية والإسلامية يذكرنا بالمناخ والملاسنات التى ضاعت فى ظلالها الأندلس!.. البعض يطبعون مع العدو، بل ويتحالفون ضد المقاومة!.. بينما الأمة فى مجموعها على ولائها للقضية، لكنها مغلولة الأيدى.
ويذكرنا هذا الموقف كذلك بحقبة الغزوة الصليبية «489 690ه 1096 1291م» التى شهدت قيام إمارات وأمراء وسلاطين تحالفوا مع الصليبيين المغتصبين للأرض والمدنسين للعرض والذين حولوا الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كنيس لاتينى واصطبل للخيول!.
بينما ظلت الأمة رافعة راية الجهاد ضد الغزو الصليبى.. ولقد وصف المؤرخ أبوشامة «600 -666ه 1203 1268م» صاحب، «كتاب الروضتين» فى أخبار الدولتين النورية والصلاحية» هذه الازدواجية، وهو يؤرخ لإحدى الحوليات فقال فى ختامها : «وانقضى العام وأهل التجارة فى تجارتهم وأهل الحرب فى حربهم، ولله عاقبة الأمور»!.
ولأن عاقبة الأمور تحكمها السنن والقوانين الإلهية التى لا تبديل لها ولا تحويل.. فإننا نؤمن بأن الصهيونية ودولتها المزروعة قسرًا فى قلب الجسد الإسلامى مصيرها هو مصير الكيانات الصليبية التى سبق وزرعت فى الأرض المقدسة.. ولقد عبر صلاح الدين الأيوبى «532 589ه، 1133 1193م» عن هذه الحقيقة فى رسالته إلى الملك الصليبى «ريتشارد قلب الأسد «1157 1199م» عندما قال له: «.. وطالما استمر الجاد، فلن يقوم لكم حجر فى هذه البلاد».
أما واجب العلماء فهو إبقاء القضية المقدسة حية فى عقل الأمة ووجدانها.. وهذا ما صنعه العلماء والأدباء والشعراء إبان الغزوة الصليبية وإبان حقب الاستعمار للأوطان الإسلامية شحذاً للهمم، وإعدادًا واستعدادًا لمعركة التحرير.
إن صلاح الأمة رهن بصلاح العلماء والأمراء.. وإن صلاح العلماء هو الشرط لصلاح الأمراء هكذا علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهكذا يجب أن يعى العلماء مكانهم ودورهم فى تحرير الأرض المقدسة.
د. محمد عمارة فى سطور
مفكر إسلامى عضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة
عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
حصل على العديد من الجوائز والأوسمة التقديرية
حصل على وسام التيار الفكرى الإسلامى القائد المؤسس 1998م
حقق لأبرز أعلام اليقظة الفكرية الإسلامية الحديثة جمال الدين الأفغانى وعبدالرحمن الكواكبى.
ألف الكتب والدراسات عن أعلام التجديد الإسلامى، مثل الدكتور عبد الرزاق السنهورى باشا، والشيخ محمد الغزالى ورشيد رضا وخير الدين التونسى ومن أعلام الصحابة على بن أبى طالب، كما كتب عن تيارات الفكر الإسلامى القديمة والحديثة.
من مؤلفاته: الخطاب الدينى بين التجديد الإسلامى والتبديل الأمريكانى، والغرب والإسلام.. أين الخطأ وأين الصواب؟ ومقالات الغلو الدينى واللادينى والشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، مستقبلنا بين التجديد الإسلامى والحداثة الغربية، أزمة الفكر الإسلامى الحديث، والإبداع الفكرى والخصوصية الحضارية.
أسهم فى العديد من الدوريات الفكرية المتخصصة.
التفسير الماركسى للإسلام
معالم المنهج الإسلامى
الإسلام والمستقبل
نهضتنا الحديثة بين العلمانية والإسلام
* معارك العرب ضد الغزاة.
الغارة الجديدة على الإسلام
التراث والمستقبل
الإسلام والسياسة.. الرد على شبهات العلمانيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.