45 دقيقة متوسط تأخيرات قطارات «طنطا - دمياط».. 14 ديسمبر    العدالة الذكية.. النيابة العامة تتجاوز حدود التحول الرقمي وتواكب التطور التكنولوجي    حادث جامعة براون وتحذير الأرصاد الأبرز.. جولة إخبارية لأهم الأحداث الساخنة (فيديو)    مصرع حداد سقطت عليه رأس سيارة نقل بالدقهلية    «ضحية الدارك ويب».. مستأنف شبرا الخيمة تستكمل اليوم محاكمة قتلة طفل شبرا الخيمة    Pluribus المسلسل الأكثر مشاهدة في تاريخ AppleTV    السودان يدين هجوم قوات الدعم السريع على مقر الأمم المتحدة بكادقلي    إعلام إسرائيلي: إيطاليا أعربت عن استعدادها للمشاركة في قوة الاستقرار بغزة    المغرب.. حريق مهول في سوق التمور بمدينة أرفود    نائب وزير الإسكان يعقد اجتماعا لمتابعة الاحتياجات من الطلمبات لشركات مياه الشرب والصرف الصحي    محمد علي خير: الأجور في مصر تحتاج إلى ثورة.. لا يمكن فتح بيت بأقل من 15 ألف جنيه    السعودية.. السماح للأجانب بتملك العقار وتطبيق النظام المحدث ينطلق قريبا    بعد مقتل 3 أمريكيين، قوات أمريكية وسورية تشن حملة تفتيش موسعة في "تدمر"    حبس مدير كيان تعليمي بدون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين    الشرطة الأمريكية تفتش جامعة براون بعد مقتل 2 وإصابة 8 في إطلاق نار    لميس الحديدي: اتفرجت على "الست" مرتين.. الناس بتصفق بعد كل مشهد    ستار بوست| عبلة كامل تتحدث بعد غياب.. وقرار غير حياة عمرو يوسف    مصدر أمني ينفي ادعاءات إخواني هارب بوجود دعوات لتجمعات بالمحافظات    في دورته الثالثة.. محافظ المنيا يشهد ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح    حفاظًا على صحة الأم والطفل.. الصحة تدعو للمباعدة «بين كل مولود وآخر»    نائبة بالأقصر تزور مصابي حادث انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    رئيس الإنجيلية يبدأ جولته الرعوية بمحافظة المنيا    فيلم فلسطين 36 يفتتح الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية بحضور مخرجته وكامل الباشا    نائب وزير الصحة: حياة كريمة كانت السبب الأكبر في إعلان مصر خالية من التراكوما المسبب للعمى    الصحة: لقاح الإنفلونزا يقلل الإصابة بنسبة 60% ويخفف شدة الأعراض    أوروبا.. تعاون مشروط وتحمل مسئولية الحماية    آرسنال ينتزع فوزًا مثيرًا من وولفرهامبتون ويواصل الابتعاد في الصدارة    الكتب المخفضة تستقطب زوار معرض جدة للكتاب 2025    باريس سان جيرمان يفوز على ميتز في الدوري الفرنسي    المستشار عبد الرحمن الشهاوي يخوض سباق انتخابات نادي قضاة مصر    توروب: الشناوي وشوبير؟ لست هنا لأصنف الحراس.. وهذا موقفي من عبد الكريم وديانج    نائب وزير الصحة: نسبة الإصابات بكورونا لا تتجاوز ال 2% والإنفلونزا الأعلى 60%    محامي عروس المنوفية: إحالة القضية للجنايات.. ووصف الجريمة قتل مقترن بالإجهاض    توروب عن إمام عاشور: عودته من الإصابة تمنح الأهلي قوة إضافية    إسلام عيسى: على ماهر أفضل من حلمى طولان ولو كان مدربا للمنتخب لتغيرت النتائج    أخبار مصر اليوم: الاحتياطي الاستراتيجي من زيت الطعام يكفي 5.6 أشهر، بدء الصمت الانتخابي في 55 دائرة بجولة إعادة المرحلة الثانية من انتخابات النواب غدا، الصحة تكشف حقيقة انتشار متحور جديد    رئيس أريتريا يزور ميناء جدة الإسلامي ويطّلع على أحدث التقنيات والخدمات التشغيلية    تراجع حاد في صادرات النفط الفنزويلية بعد مصادرة الناقلة والعقوبات الأمريكية    أخبار 24 ساعة.. موعد صرف معاشات تكافل وكرامة عن شهر ديسمبر    الزراعة: التوعية وتغيير سلوكيات المجتمع مفتاح حل أزمة كلاب الشوارع    خالد لطيف ل ستوديو إكسترا: الكل مسئول عن تراجع الكرة المصرية    وزراء رحلوا وسيرتهم العطرة تسبقهم    خلال ساعات نتيجة كلية الشرطة 2025    مصرع شاب تناول حبه غله سامة لمرورة بضائقة ماليه في العدوة بالمنيا    المصل واللقاح: الإنفلونزا هذا الموسم أكثر شراسة    إينيجو مارتينيز ينتظم في مران النصر قبل موقعة الزوراء    الداخلية تعلن نتيجة القبول بكلية الشرطة غدًا    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    استعدادات مكثفة بمستشفى أبو النمرس تمهيداً لافتتاحه    الليجا على نار.. برشلونة يواجه أوساسونا في مواجهة حاسمة اليوم    بيراميدز أمام اختبار برازيلي ناري في كأس القارات للأندية.. تفاصيل المواجهة المرتقبة    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفراد.. الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء فى آخر حوار له ل«الوفد» قبل وفاته
نشر في الوفد يوم 02 - 03 - 2020


التجديد سنة وقانون وضرورة.. وبضاعتنا فيه غنية
الإلحاد ظاهرة غربية دخل العالم الإسلامى ضمن موجات التغريب
إحياء القضية الفلسطينية فى عقل الأمة ووجدانها ضرورى
الحداثة مصطلح غربى تم تزييف مضمونه.. والعلمانيون يقيمون قطيعة مع الدين
أكد المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الخطاب الإسلامى لا بد أن يجمع بين «إيقاظ العقول» و«ترطيب القلوب» ليحقق الوسطية الإسلامية الجامعة بين «حسابات العقول» و«خطرات القلوب»؛ مشيراً إلى أن التجديد هو سنة وقانون وضرورة لإنزال الأحكام على الواقع المتغير، مع ضرورة الاهتمام بالجهاد الفكرى لتطبيق هذا التجديد على الواقع المعيش حتى لا يظل التجديد حبيس الكتب، وعن الإلحاد قال د.عمارة إنه ظاهرة غربية وهو وافد غربى وفد إلى عالمنا الإسلامى ضمن موجات التغريب التى جاءت إلينا فى ركاب الغزوة الغربية الحديثة عندما نظر البعض هنا إلى الدين الإسلامى بعيون الفلسفات المادية والوضعية الغربية وأرادوا أن يتعاملوا مع الإسلام، كما تعامل الأوروبيون مع اليهودية والنصرانية؛ إلا أن المفكر الإسلامى د.عمارة أكد أن طريق الإلحاد فى الواقع الإسلامى مسدود بشرط الجهاد الفكرى الذى يطهر واقعنا المعيش من الإلحاد، كما تطهر منه واقعنا التاريخى القديم، «الوفد» تنفرد بحوار مع المفكر الإسلامى الكبير د.محمد عمارة قبل وفاته،
كيف نفهم ونقدم الإسلام فى عصرنا الراهن ولإنساننا المعاصر؟ وما المنهج السديد للدعوة الإسلامية فى عصرنا الراهن؟ وما موقفكم من التجديد؟
لفهم الإسلام فى عصرنا الراهن وتقديمه لإنساننا المعاصر سبل كثيرة، منها: أن تكون هناك مستويات فى الخطاب الإسلامى تلبى وتناسب احتياجات ومستويات ومفاهيم المخاطبين، تمهيدا للارتفاع بهم إلى المستويات الأعلى.. فلا بد من خطاب برهانى لأهل الحكمة والمنطق والبرهان.. وخطاب وعظى للجمهور والعامة.. وخطاب بين هذين الخطابين لأهل الجدل.
وهذه المستويات جميعها، أشار إليها القرآن الكريم فى آية: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن) «العنكبوت:46.. وأشارت إلى منهجها آية«يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة»، يوسف :67.. فالحق واحد، والمقاصد واحدة، لكن السبل والطرق متعددة.
وأن يجمع الخطاب الإسلامى بين إيقاظ العقول وبين ترطيب القلوب، وبذلك يحقق الوسطية الإسلامية الجامعة بين حسابات العقول وخطرات القلوب.
وأن ندرك معانى ومرامى النبوة، التى لاتقف عند بلاغ الآيات القرآنية، وإنما تضيف إليه التزكية – التربية – والحكمة – أى كشف الأسرار القرآنية – (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) «آل عمران:164».
وأن نُحسن الاستفادة –عند مخاطبة العلميين والماديين– من حقائق الإعجاز العلمى للقرآن الكريم (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) «فصلت: 53».
أما التجديد، فهو سنة وقانون وضرورة لإنزال الأحكام على الواقع المتغير.. وبضاعتنا فيه –والحمد لله – غنية إذا نحن استفدنا من إبداعات مدرسة الإحياء والتجديد التى ارتاد ميدانها الإمام محمد عبده (1266 1323ه 1849 1905م) ومن سار على دربه من علماء الأزهر ودار العلوم ومدرسة القضاء الشرعى، ونظائرها فى مشرق العالم الإسلامى ومغربه.
مع الاهتمام بالجهاد الفكرى لتطبيق هذا التجديد على الواقع المعيش، حتى لا يظل التجديد حبيس الكتب.. وحتى لايظل الجاهلون والمتجاهلون يتساءلون: أين التجديد؟ بينما هم الذين يحولون دون تطبيقاته فى فلسفة الحكم...والشورى..والعدالة الاجتماعية..وغيرها من ميادين التجديد.
كيف ترى موجات الإلحاد والتشكيك فى الدين فى العقود الأخيرة، وما تاريخها وخلفياتها وأسبابها؟
الإلحاد ظاهرة غربية، منذ المادية اليونانية – مادية ديمقريطس (القرن الخامس ق.م) – وحتى عصرنا الراهن – المادية الجدلية والتاريخية والفلسفة الوضعية الغربية – وهو وافد غربى، وفد إلى عالمنا الإسلامى ضمن موجات التغريب التى جاءت إلينا فى ركاب الغزوة الغربية الحديثة، عندما نظر البعض منا إلى الدين الإسلامى بعيون الفلسفات المادية والوضعية الغربية..وأرادوا أن يتعاملوا مع الإسلام؛ كما تعامل الأوروبيون مع اليهودية والنصرانية.
وإذا نحن قارنا بين حجم هذا المرض العقلى فى بلادنا وبين وضعه الكارثى فى المجتمعات الغربية لن ننزعج كثيرا من هذا الأمر...فقط علينا أن ننهض فنجعل من محاربة الإلحاد مهمة من مهام العقل المسلم المعاصر، تقدم العقلانية الإسلامية التى تستوعب الشكوك وعلامات الاستفهام وألوان القلق العقلى..وتقدم الإعجاز العلمى للقرآن الكريم..كما تقدم الهدى الإسلامى والإصلاح الاجتماعى والسياسى الذى يقدم الإسلام المعجز فى التقدم والنهوض بالمجتمعات عبر الزمان والمكان..وعند ذلك سيرى الملاحدة واللاأدريون كيف يقدم الإسلام – إلى جانب سعادة
الطمأنينة القلبية – الحل للمشكلات الاجتماعية التى تقذف بالبعض إلى دائرة الإلحاد.
وعندما رأست تحرير مجلة «الأزهر» يسر الله –سبحانه وتعالى – تقديم العديد من الأعمال الفكرية التى كونت ما يشبه مكتبة تعالج هذا الوافد الضار الذى يزعج الغيورين على الدين فى واقعنا المعيش.
ولأن الإلحاد هو جزء من التغريب الوافد إلى عالم الإسلام، كان تأثيره أكثر فى العلمانية المتغربة.. وفى البيئات التى يسود فيها الجمود والتقليد الدينى الذى يخلق الفراغ الذى يتمدد فيه التغريب.. فالتقليد الأعمى لماضينا، والتقليد الأعمى للماضى الغربى، هما وجهان لعملة واحدة، فى فضائهما يتمدد الإلحاد.
وإذا نحن نظرنا إلى حجم الإلحاد فى الواقع الإسلامى، وقارناه بانتشار الإسلام بالمجتمعات الغربية ستطمئن قلوبنا إلى أن طريق الإلحاد فى الواقع الإسلامى مسدود مسدود، شريطة الجهاد الفكرى الذى يطهر واقعنا المعيش من الإلحاد، كما تطهر منه واقعنا التاريخى القديم.
ما موقفكم من الحداثة؟ وما موقفكم من الغرب وحضارته الحديثة؟ وما الذى يمكن أن نستفيد فيه من الغرب؟ وما الذى ينبغى أن نحذره؟ ولماذا تتصدى للتوجهات التغريبية بشكل خاص؟
الحداثة.. مصطلح غربى تم تزييف مضمونه عندما خلط المتغربون مضمونه بمضمون مصطلح التجديد الإسلامى.. فعلى حين يعنى التجديد الانطلاق من الثوابت الجامعة إلى فقه الواقع المتغير والبحث له عن الأحكام التى تصله بمناهج الإسلام،على النحو الذى يجمع بين العقل والنقل وبين فقه الواقع وفقه الأحكام، فإن الحداثة هى النزعة الغربية التى تقيم قطيعة معرفية كبرى مع المورورث ومع الموروث الدينى على وجه الخصوص..
إنها الثقافة التى زعمت أن الدين إنما مثل طفولة العقل البشرى فى التاريخ القديم وجاءت الميتافيزيقا لتقيم قطيعة معرفية مع مرحلة الدين، ثم جاءت الفلسفة الوضعية لتقيم قطيعة معرفية مع الميتافيزيقا ولتحل الإنسان فى مركز الثقافة بدلاً من الله..
تلك هى الحداثة – فى مضمونها الغربى – ولذلك تجد كل الحداثيين – فى بلادنا وفى غيرها – علمانيين، يقيمون قطيعة معرفية مع الشريعة..ويتبنون – فى بلادنا – كأسلافهم الغربيين – القانون الوضعى الغربى بدلا من الفقه الإسلامى فى المعاملات.. ومن هؤلاء العلمانيين من يقفون بالدين عند ما لله، جاعلين ما لقيصر هو للنظم الغربية فى الحكم والإدارة والقضاء والتشريع..ومنهم ماديون يجعلون قيصر هو السيد على ما لله أيضا.. فحداثتهم تقيم قطيعة معرفية مع الدين...وعلمانيتهم تقيم قطيعة بين الأرض والسماء.
أما موقفى من الغرب وحضارته الحديثة، فهو موقف التمييز بين ما أبدعه الغرب الحديث فى العلوم الطبيعية وتطبيقاتها، وهو مشترك إنسانى عام، لاتختلف حقائقه وقوانينه باختلاف ديانات وفلسفات المبدعين لها..ولقد سبق للغرب القديم أن تتلمذ فى هذا الميدان على الحضارات الشرقية القديمة..ثم تتلمذت الحضارة الإسلامية فيه على الإغريق والرومان.. ثم تتلمذت النهضة الأوروبية الحديثة فيه على الحضارة الإسلامية.. فكان هذا الجانب من الإبداع الحضارى مشتركا إنسانيا عاما، كالماء والهواء، لايعرف الحدود ولا السدود.. بينما ظلت الثقافات والعقائد والفلسفات بمثابة البصمة التى تمايز بين الأمم فى منتدى الحضارة الإنسانية.
ولهذه الحقيقة التى ترى العالم منتدى حضارات، بينها مشترك إنسانى عام، كما أن لكل منها خصوصية تميزها، كان تركيزى على ضرورة التمييز بين «التفاعل الحضارى» – المطلوب – وبين «التبعية الحضارية» – المرفوضة -.
إن لدينا لونين من الجمود السلفى، يهاجر أصحاب اللون الأول من الحاضر إلى تجارب الماضى وشكلياته، أما اللون الثانى فيهاجر أصحابه من الشرق الحضارى إلى الغرب الحضارى – بزعم وحدة الحضارة على النطاق العالمى – وأولهما لا يميز أصحابه بين الثوابت والمتغيرات، وثانيهما لا يميز أصحابه بين ما هو مشترك إنسانى عام بين كل الحضارات وبين ماهو من الخصوصيات الثقافية والحضارية.
ولقد تصديت لكلا الانحرافين – انحراف الجمود والتقليد.. وانحراف التغريب.. ونبهت على أن انحراف الجمود هو الذى يخلق الفراغ الذى يتمدد فيه التغريب.. كما أن انحراف التغريب يخيف أهل الجمود فيزدادون انغلاقاً على
جمودهم.. بينما التجديد هو الذى يحافظ على الهوية، ويملأ الفراغ فلا يدع مجالاً لتمدد التغريب فى فضائنا الحضارى.
وإذا كنت قد ركزت كثيراً على مخاطر التغريب، فلأن أغلب نظم الحكم الشرقية قد سخرت مؤسسات الفكر والثقافة والتعليم والإعلام لخدمة التغريب، الأمر الذى جعل من هذا التغريب الحداثى الخطر الأكبر على الإسلام وحضارته.
ما القضايا الأساسية للأمة المسلمة الآن؟.. وكيف نقاربها؟
القضايا الأساسية للأمة المسلمة الآن كثيرة فى مقدمتها:
تحقيق الاستقلال الحقيقى لشعوبها عن هيمنة النظام الاستعمارى «الغربى» الذى يسمونه خطأ النظام الدولى.
لقد حققت الشعوب الإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية استقلال «العلم» و«النشيد»، وهو الاستقلال الشكلى، الذى ترك دول هذه «الشعوب ومقومات مجتمعاتها مربوطة بسلاسل التبعية للمركزية الحضارية الغربية.. فلم يتحقق لها جوهر الاستقلال.
تحرير ثروات العالم الإسلامى من قبضة النهب الإمبريالى الغربى.. لقد قيل بحق : إنَّ الرأسمالية هى أعلى مراحل الاستعمار.. وطالما بقيت ثروات العالم الإسلامى فى قبضة الشركات الغربية المتعددة الجنسيات والمتعدية للقارات فإنَّ العالم الإسلامى سيظل بعيدًا عن تحقيق جوهر الاستقلال.
تحقيق الاستقلال الفكرى والثقافى للعقل المسلم، وذلك لتحقيق التميز الذى يحقق التعددية الفكرية والثقافية فى العالم الذى نعيش فيه.. أما إذا ظللنا أسرى للتبعية الفكرية للغرب، نرقص على أنغامه، ونقيس تجديدنا بحداثته، وفلسفة حكمنا بعلمانيته وتأويلنا بالهيرمونيطيقا الغربية، فستظل قلوبنا وعقولنا تتجه نحو القبلة الغربية.
التحرر من الفصام النكد بين ما هو «دينى» وما هو «مدنى».. فالإسلام هو دين السماء كما هو دين الأرض، ودولته مدنية مرجعيتها الشريعة التى لا كهانة فيها.. وكل المعارف والعلوم التى تخدم الاجتماع وتقربه إلى المثل الإسلامية هى معارف وعلوم إسلامية شرعية كانت أو مدنية ولقد نبه على هذه الحقيقة إمام دار الهجرة مالك بن أنس «93 -179ه 712 795م» رضى الله عنه عندما قال: «إن ديننا هذا علم، وإن علمنا هذا دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».
بهذا يصبح الاستقلال الحقيقى هو جوهر القضايا الأساسية للأمة الإسلامية.
وإذا كنا نردد المأثور الذى يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.. فلقد كان صلاح أول هذه الأمة ب:
استقلالها الفكرى الذى أحل التوحيد محل الوثنية، واستقلالها السياسى الذى امتلك الدين به الدولة، واستقلالها الاقتصادى الذى امتلكت به السوق وإحياء الأرض الموات، وتطبيق نموذجها المتميز فى فلسفة الأموال والثروات؛ فلسفة استخلاف الإنسان عن الله فى الثروات والأموال، تلك هى أهم القضايا الأساسية التى يجب أن يعيها العقل المسلم.
أخيراً.. القضية الفلسطينية هى الأولى من القضايا العالمية للمسلمين، وفى ظل تصاعد دعوات التطبيع مع الاحتلال واعتراف عدة دول بالقدس عاصمة لإسرائيل، كيف ترى القضية الفلسطينية الآن؟.. وما واجب العلماء والأمة تجاهها؟.
الموقف الحالى للحكومات العربية والإسلامية يذكرنا بالمناخ والملاسنات التى ضاعت فى ظلالها الأندلس!.. البعض يطبعون مع العدو، بل ويتحالفون ضد المقاومة!.. بينما الأمة فى مجموعها على ولائها للقضية، لكنها مغلولة الأيدى.
ويذكرنا هذا الموقف كذلك بحقبة الغزوة الصليبية «489 690ه 1096 1291م» التى شهدت قيام إمارات وأمراء وسلاطين تحالفوا مع الصليبيين المغتصبين للأرض والمدنسين للعرض والذين حولوا الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كنيس لاتينى واصطبل للخيول!.
بينما ظلت الأمة رافعة راية الجهاد ضد الغزو الصليبى.. ولقد وصف المؤرخ أبوشامة «600 -666ه 1203 1268م» صاحب، «كتاب الروضتين» فى أخبار الدولتين النورية والصلاحية» هذه الازدواجية، وهو يؤرخ لإحدى الحوليات فقال فى ختامها : «وانقضى العام وأهل التجارة فى تجارتهم وأهل الحرب فى حربهم، ولله عاقبة الأمور»!.
ولأن عاقبة الأمور تحكمها السنن والقوانين الإلهية التى لا تبديل لها ولا تحويل.. فإننا نؤمن بأن الصهيونية ودولتها المزروعة قسرًا فى قلب الجسد الإسلامى مصيرها هو مصير الكيانات الصليبية التى سبق وزرعت فى الأرض المقدسة.. ولقد عبر صلاح الدين الأيوبى «532 589ه، 1133 1193م» عن هذه الحقيقة فى رسالته إلى الملك الصليبى «ريتشارد قلب الأسد «1157 1199م» عندما قال له: «.. وطالما استمر الجاد، فلن يقوم لكم حجر فى هذه البلاد».
أما واجب العلماء فهو إبقاء القضية المقدسة حية فى عقل الأمة ووجدانها.. وهذا ما صنعه العلماء والأدباء والشعراء إبان الغزوة الصليبية وإبان حقب الاستعمار للأوطان الإسلامية شحذاً للهمم، وإعدادًا واستعدادًا لمعركة التحرير.
إن صلاح الأمة رهن بصلاح العلماء والأمراء.. وإن صلاح العلماء هو الشرط لصلاح الأمراء هكذا علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهكذا يجب أن يعى العلماء مكانهم ودورهم فى تحرير الأرض المقدسة.
د. محمد عمارة فى سطور
مفكر إسلامى عضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة
عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
حصل على العديد من الجوائز والأوسمة التقديرية
حصل على وسام التيار الفكرى الإسلامى القائد المؤسس 1998م
حقق لأبرز أعلام اليقظة الفكرية الإسلامية الحديثة جمال الدين الأفغانى وعبدالرحمن الكواكبى.
ألف الكتب والدراسات عن أعلام التجديد الإسلامى، مثل الدكتور عبد الرزاق السنهورى باشا، والشيخ محمد الغزالى ورشيد رضا وخير الدين التونسى ومن أعلام الصحابة على بن أبى طالب، كما كتب عن تيارات الفكر الإسلامى القديمة والحديثة.
من مؤلفاته: الخطاب الدينى بين التجديد الإسلامى والتبديل الأمريكانى، والغرب والإسلام.. أين الخطأ وأين الصواب؟ ومقالات الغلو الدينى واللادينى والشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، مستقبلنا بين التجديد الإسلامى والحداثة الغربية، أزمة الفكر الإسلامى الحديث، والإبداع الفكرى والخصوصية الحضارية.
أسهم فى العديد من الدوريات الفكرية المتخصصة.
التفسير الماركسى للإسلام
معالم المنهج الإسلامى
الإسلام والمستقبل
نهضتنا الحديثة بين العلمانية والإسلام
* معارك العرب ضد الغزاة.
الغارة الجديدة على الإسلام
التراث والمستقبل
الإسلام والسياسة.. الرد على شبهات العلمانيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.