أمناء الحوار الوطني يعلنون دعمهم ومساندتهم الموقف المصري بشأن القضية الفلسطينية    حياة كريمة.. أشادت بها كل المؤسسات والمنظمات الدولية.. 23 ألف مشروع تم تنفيذهم فى 1477 قرية بإجمالى 18 مليون مستفيد    الفئات المستحقة لصرف 10 كيلو دقيق شهريا من وزارة التموين .. تعرف عليهم    علا الدحدوح.. أخر صحفية تستشهد على يد قوات الاحتلال.. وصاحبة الجلالة تفقد 145 أخرين منذ انطلاق طوفان الأقصى    هل يمتلك الأهلي عروضا رسمية لاحتراف مع محمد عبد المنعم في أوروبا؟    تفحم سيارة ملاكي بسبب ارتفاع درجة الحرارة بالغربية    ما حكم من أحرم بالحج ثم مات بعد الوقوف بعرفة؟.. «المفتي» يجيب    نتيجة الشهادة الإعدادية في كفر الشيخ وأسماء الأوائل .. الآن على هذا الرابط    استقرار أسعار الذهب في مصر.. وعيار 21 يسجل 3110 جنيهات    زيادة رأسمال شركة أبو الهول المصرية للزيوت والمنظفات إلى 200 مليون جنيه    السكرتير المساعد لبني سويف يناقش إجراءات تعزيز منظومة الصرف بمنطقة كوم أبوراضي الصناعية    وزارة الإسكان تستعرض مميزات وأهداف محور عمر سليمان    غرفة عمليات «طيبة التكنولوجية»: امتحانات نهاية العام دون شكاوى من الطلاب    وزيرا خارجية المغرب وكوريا يبحثان تعزيز علاقات التعاون الاقتصادية والتجارية    وزيرة التخطيط ل"النواب": الأزمات المتتالية خلقت وضعًا معقدًا.. ولابد من «توازنات»    سيناتور أمريكي: نتنياهو «مجرم حرب» لا يجب دعوته للكونجرس    رئيس الوزراء يُشدد على ضرورة تعيين 30 ألف مُعلم كل عام    مجلس الزمالك يسابق الزمن لتجهيز مستحقات الفريق.. ومفاجأة بخصوص جوميز (خاص)    «الحوار الوطني» يلتمس الإفراج عن المحبوسين لانخراطهم في أنشطة دعم فلسطين    متجوزين عرفي وعادي نتصور في أي وضع.. كواليس محاكمة إنجي حمادة وكروان مشاكل بسبب «فيديو المطبخ»    ضبط أطنان من دقيق أبيض وبلدي مدعم للتلاعب بالأسعار    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    قرار جديد من محكمة النقض بشأن قضية «شهيدة الشرف»    بدء تفويج حجاج القرعة من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة    أحمد حلمي يطالب بصناعة عمل فني يفضح الاحتلال الإسرائيلي: علينا تحمل مسئولية تقديم الحقيقة للعالم    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات في 4 كليات (صور)    رسمياً.. منحة 500 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لهذه الفئات (التفاصيل والموعد)    أضحية عيد الأضحى 2024.. وقت الذبح وحكم الاشتراك فيها (لا يجوز في هذين النوعين)    وسائل إعلام لبنانية: شهيدان مدنيان في غارة إسرائيلية على بلدة حولا    ضبط 9 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالعملات الأجنبية خلال 24 ساعة    تعيين الشيخ صباح الخالد الحمد وليا للعهد بالكويت    أول فيلم مصرى تسجيلى فى مهرجان «كان» السينمائى الدولى فى دورته77 .. بنات المنيا يحصدن جائزة «العين الذهبية» عن «رفعت عينى للسما»    مي عز الدين تعلن تعرض والدتها ل أزمة صحية تطلب الدعاء لها    الشرقية تحتفل بذكرى دخول العائلة المقدسة ومباركتها لأرض مصر في منطقة آثار تل بسطا    «عاشور»: الجامعات التكنولوجية تعتمد على أحدث النظم العالمية لتقديم تجربة تعليمية متميزة    معلومات مركز الوزراء يجرى استطلاعًا للرأى حول دور ومكانة المرأة فى المجتمع 82 % اعترضوا على أن «زواج الفتيات» أهم من إكمال تعليمهن الجامعى    الاتحاد السكندري يخشى مفاجآت كأس مصر أمام أبو قير للأسمدة    جواز ذبح الأضحية للمصريين المقيمين بالخارج: التفاصيل والأولويات    متحدث الزمالك: شيكابالا أسطورة الزملكاوية.. وهناك لاعب يهاجمه في البرامج أكثر مما يلعب    محامي الشيبي: عقوبة اتحاد الكرة استفزت موكلي.. وتم إخفاء قرار الانضباط    انتقادات أيرلندية وأمريكية لاذعة لنتنياهو.. «يستحق أن يحترق في الجحيم»    البابا تواضروس يستقبل قيادات الشركة المتحدة تزامنا مع عرض فيلم أم الدنيا في الكاتدرائية    ل برج الجوزاء والعقرب والسرطان.. من أكثرهم تعاسة في الزواج 2024؟    حزب الله يشن هجوما جويا بسرب من المسيرات الانقضاضية على مقر كتيبة إسرائيلية في الجولان    10 يونيو.. معارضة بطل مسلسل "حضرة المتهم أبي" على حكم حبسه    تداول 15 ألف طن و736 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    عاجل بالأسماء.. شلبي يكشف رحيل 5 لاعبين من الأهلي    غرفة الرعاية الصحية باتحاد الصناعات: نتعاون مع القطاع الخاص لصياغة قانون المنشآت الجديدة    "صحة الإسماعيلية": بدء تشغيل قسم الحضانات بمستشفى حميات التل الكبير    تحرير 139 محضرا للمحلات المخالفة لقرار الغلق خلال 24 ساعة    طريقة عمل الكيكة الباردة بدون فرن في خطوات سريعة.. «أفضل حل بالصيف»    ما هي محظورات الحج المتعلقة بالنساء والرجال؟.. أبرزها «ارتداء النقاب»    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    احمد مجاهد: انا مؤهل لقيادة اتحاد الكرة وهاني أبوريدة الوحيد اللي منزلش قدامه    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة الكتاب الجامعى..
نشر في الوفد يوم 13 - 10 - 2012

فى أواخر عام 1955، كان لقاؤنا الأول –نحن طلاب قسم الفلسفة- فى آداب القاهرة، مع رائد علم النفس فى الوطن العربى: الدكتور يوسف مراد، لنتعلم منه مقررا عن (مدخل إلى علم النفس)، فإذا به يكتب لنا على السبورة الخطوط العريضة لمنهج هذا المدخل،
ثم يُتبع ذلك بقائمة من المراجع، وكان من بينها كتاب له بعنوان (مبادئ علم النفس العام)، وهو ما يكاد يفى بمفردات المنهج المعلن.
لكن، لم يحدث أبدا أن أخبرنا الأستاذ، ولا أى أحد، بأن كتاب الأستاذ هو المقرر، فقد ساقه كأحد المراجع، مثله فى ذلك مثل غيره، بل وجدتنى مع الكثرة الغالبة من الزملاء، نهرع إلى المكتبة العامة للجامعة وكانت ملاصقة للآداب، بحثا عن كتب « تغطى « مفردات المنهج، لنقرأها، استعارة، أو بالجلوس فى المكتبة، وبعض المتيسرين من الزملاء، اشتروا عددا من هذه المراجع، وكان الفقراء أمثالى، يعتمدون على الاستعارة من دار الكتب، بجانب مكتبة الجامعة، وربما من بعض فروع الدار.
وكان هذا هو الشأن نفسه فى بقية المقررات، وطوال سنوات الدراسة الأربع.
حتى إذا أصبحتُ عضو هيئة تدريس بتربية عين شمس عام 1969، وجدت أن الأمر قد بدأ يختلف، فيكون للأستاذ «الكبير»، كتاب مرجعى، يتعامل معه الطلاب باعتباره هو الكتاب المقرر! ولم يكن لنا نحن «المدرسين» أن نفكر لحظة فى أن يكون لنا كتاب مقرر، حتى لو كان التدريس فى كلية أخرى، فكتاب الأستاذ الكبير، يظل هو المقرر.
ثم إذا بنا، بعد ما يقرب من عقد من الزمان، نسمع صيحة من بين صفوف من حصلوا على الدكتوراه، يتخذون شعار: نحن رجال وهم رجال، ولابد من التحرر من سطوة كبار الأساتذة، وهو منطق معقول، لكن الكارثة، أن هذا كان يتم بعد الحصول على الدكتوراه مباشرة، وقبل أن ينضج المدرس، وتتعمق ثقافته ومعرفته المتخصصة، وتثرى خبرته، فبدأ سوق التأليف الجامعى يعرف نوعية غير جيدة من الكتب.
ثم وجد عدد غير قليل من هؤلاء المؤلفين الجدد أن الناشرين يقاسمونهم العائد، فاختاروا أن يكون كتاب كل منهم «مذكرة» يطبعها بمعرفته فى أى مكتب (آلة كاتبة فى ذلك الوقت )، كى يختص بالعائد كله وحده.
وقد مثّل هذا التطور تراجعا ملحوظا فى القيم والعلاقات الجامعية، فضلا عن المستوى المعرفى المتخصص، كيف؟
كان التنوع الحاصل من قبل فى قرءاة المنهج المقرر، يتيح الفرصة للطالب أن يشهد زوايا رؤية متعددة، واجتهادات مختلفة، فإذا به بعد ذلك ينفرد بعقله شخص واحد، لا يُريه إلا ما يرى، فإذا بالطالب الجامعى ينسى أن تجاه كل اجتهاد، اجتهادات أخرى، قد تختلف مع بعضها البعض، وفى هذا إثراء مؤكد للمعرفة، وترسيخ لقيم المرونة فى التفكير والتعامل مع الآخر، والتنافس المعرفى.
وزاد الطين بلة، أن «المذكرة» إذ يتم إخراجها داخل أسوار الكلية فقط، لا يراها ولا يقرأها غير الطلاب الذين سُيمتحنون فيها، هبط مستواها إلى حد كبير، بل وصل الأمر إلى حد انتشار عمليات سطو على جهد آخرين، حيث إن العملية محصورة بين الأستاذ والطلاب، وقد حدث مرة –منذ عدة سنوات- أن وجدت «مذكرة» فى يد عامل بإحدى الكليات عن طرق تدريس الفلسفة، ولما كان هذا التخصص هو غرامى العلمى القديم، بحكم ما أتاحه الله لى من جهد إيجادها لأول مرة على خريطة كليات التربية بدءا من عام 1969، أخذت أقلب فيها، فإذا بى – وقد دخلنا القرن الحادى والعشرين- ألمح عبارة (العام الدراسى الحالى1971/ 1972)، فأدهشنى هذا، ودفعنى إلى أن أقلب صفحات المذكرة، فإذا بى أجد ما يزيد على ثلاثين صفحة مصورة من كتابى تدريس المواد الفلسفية الذى صدر فى ذلك العام، ولم يكلف السارق نفسه جهد تغيير رقم العام، بل وكان التصوير لكتابة جمعت بالمطبعة القديمة، حيث جمع الحروف باليد، ولم يكلف نفسه إعادة كتابتها بالحاسب الآلى الحديث.
وكان الأستاذ السارق ذكيا بحيث تعمد ألا يكتب اسمه على المذكرة، وإلا لخضع للمحاسبة القانونية والتى كان لابد أن تُخرجه من زمرة الجامعة كلية!!
ثم إذا بالأمر يتطور إلى خطوة أخرى- إلى وراء دائما- ففى الكليات التى يدرس فيها الطلاب مقررا واحدا فى كل الأقسام والشعب، بحيث، يُدَرّسه أكثر من أستاذ، ولتهدئة ما كان يجرى من تنافس وعراك على الاستئثار بالمجموعات الكبيرة، اتفق الجمع فى هذا القسم أو ذاك على ما سُمى خطأ بالتأليف الجماعى، والذى لو كان هذا حقيقيا لكان أروع، لكن الأمر الذى يحدث أن كل عضو يفتح درج مكتبه ليخرج بحثا، سبق أن تقدم به إلى ترقية، أو قدمه فى مؤتمر، أو كتبه طلبا لجهة ما، لشارك به فى الكتاب، الذى تحول إلى «سمك، لبن، تمر هندى»! حيث لا جلوس للمؤلفين معا ومناقشة الموضوعات، ولا أحد يقوم بدور «التحرير» الذى ينسق بين الموضعات وأسلوب كتابتها،وما بنها من تتابع، وتلافى التكرار.
ولأن الكتاب المذكرة يتكرر كل عام، حيث لا اهتمام بالتطوير والتجديد، فربما يشترى طلاب كل عام جدد نسخ زملائهم فى العام السابق، وهنا كان ابتكار ما يعرف «بالشيت»: جزء ملحق بالكتاب، وغالبا يكون «مختوما»، ويحمل هذا الملحق تاريخ العام الحالى دائما، ويطلب من كل طالب أن يفصل الشيت ويقدمه كأعمال سنة، ومن ثم يضمن الأساتذة أن الكتاب المذكرة لابد أن يشتريه الطلاب!!
وفى الوقت الذى يكسب فيه الأعضاء ألوفا مؤلفة من الجنيهات كل عام، تخسر المعرفة المتخصصة الكثير، حيث تراجعت الدافعية لتأليف كتب مرجعية، عن طريق ناشرين، تتاح للجميع، فيحرص مؤلفوها على أن تقدم جديدا، فضلا عن ضرورة الإتقان، والخشية من النقل عن الآخرين، وإلا افتضح أمرهم.
وإذا كانت هذه هى خسارة المعرفة المتخصصة، فإن الخسارة الأهم هى مجموعة قيم سلبية يتم ترسيخها بطرق غير مباشرة لدى الطلاب، فضلا عن تراجع واضح فيما يمثله الأستاذ الجامعة بالنسبة للطلاب...وكل هذا إنما هو بعض من كل!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.