رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماعًا لتعزيز الحوكمة الإلكترونية بالكليات    شعبة المخابز: ارتفاع سعر الخبز السياحي بما يتراوح بين 10 و15%.. والمواطن قد لا يشعر بالزيادة    أسعار السمك اليوم الأحد 19-10-2025 في محافظة قنا    المديرة الإقليمية لليونسكو تشيد بجهود وزير التعليم: إنجازات غير مسبوقة في خفض الكثافات وارتفاع الحضور إلى 87%    حماس تحمل الاحتلال المسئولية الكاملة عن أي تدهور أو انهيار للاتفاق    أول رد من بيراميدز على إمكانية انتقال إبراهيم عادل للأهلي    توقف مفاوضات تجديد عقد فينيسيوس جونيور مع ريال مدريد    إعادة تمثيل جريمة قتل طالب وتمزيق الجثة بمنشار كهربائي في الإسماعيلية    مشاجرة عائلية بالشرقية تنتهي بإصابة سيدة واتهامات بتحريض العم ونجله    إنجي علاء تتألق في العرض الخاص لفيلم "Happy Birthday" بمهرجان الجونة    السيسي للمصريين: أوعوا تنسوا كرم ربنا وفضله على بلدنا وحفاظه عليها    غدا بالإسماعيلية.. انطلاق جولة مشروع كورال وأوركسترا مصر الوطني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-10-2025 في محافظة قنا    عاجل- «الصحة» تطلق حملة شاملة لمكافحة الطفيليات المعوية تستهدف 4 ملايين طالب بالمحافظات الزراعية    فيديو.. نقيب الإعلاميين يكشف لأول مرة رأيه في التناول الإعلامي لقضية إبراهيم شيكا    محافظ كفرالشيخ يسلم 6 عقود تقنين أراضي أملاك الدولة للمستفيدين    ضبط نصاب انتحل صفة رجل دين بالإسكندرية    الداخلية تواصل جهودها لتيسير حصول المواطنين على الخدمات والمستندات    محافظ القاهرة يفتتح فعاليات ملتقى التوظيف والتدريب    زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب شرق السعودية    إنجاز جديد.. مصر تتوج بلقب بطولة العالم للأساليب التقليدية برصيد 54 ميدالية    الثلاثاء.. محمد الحلو وريهام عبدالحكيم على مسرح النافورة    6 أبراج تفضل أن تتعلم مدى الحياة    المخرج التونسي فريد بوغدير: «يوسف شاهين غير حياتي ونظرتي للسينما»    رئيس البرلمان العربي يهنئ المستشار عصام الدين فريد بمناسبة انتخابه رئيسًا لمجلس الشيوخ    معهد الفلك يكشف موعد ميلاد هلال جمادي الأول وأول أيامه فلكياً    فودين يُعدد مزايا هالاند فى تسجيل الأهداف مع مانشستر سيتي    جامعة المنوفية والتأمين الصحي يبحثان الإرتقاء بالمنظومة الصحية    تفاصيل إصابة محمد شريف ومدة غيابه عن الأهلي    مدرب الزمالك يتقدم باستقالتة والنادي يعلن رحيله    ياسمين الخطيب: «علمني أبي ألا أبكي أمام أحد.. فسترت آلامي كما لو أنها عورات»    شعبة الذهب تقدم نصيحة للمتعاملين.. شراء الذهب الآن أم التأجيل؟    منتخب المغرب يرفض مواجهة الأرجنتين لهذا السبب    40 ندوة توعوية، محافظ الفيوم يتابع أنشطة الصحة خلال شهر سبتمبر الماضي    لماذا يُعد الاعتداء على المال العام أشد حرمة من الخاص؟.. الأوقاف توضح    اللواء طيار عمرو صقر: نسور مصر قادرون على تغيير الموازين    عصابة العسكر تنتقم…حكومة الانقلاب تعتقل صحفيا بتهمة الكشف عن سرقة أسورة فرعونية من المتحف المصرى    البنك التجارى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بمنتصف التعاملات    إبراهيم العامري يكشف تفاصيل انضمامه لقائمة الخطيب في انتخابات الأهلي    اندلاع حريق في مصفاة نفط روسية بعد هجوم بطائرات مسيرة    الاستخبارات التركية تساهم في وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    نتنياهو يعلن عزمه الترشح مجددا بالانتخابات العامة في 2026    «الرقابة المالية» تنظم ورشة لمناقشة تطورات السوق غير المصرفية    التعليم تعلن مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الثاني الثانوي العام شعبة علمي    «الخارجية» و«الطيران» تبحثان توسيع شبكة الخطوط الجوية مع الدول العربية والأفريقية    توقيع وثيقة استراتيجية التعاون القُطري بين مصر ومنظمة الصحة العالمية    وزير الصحة: ميكنة جميع بنوك الدم بنهاية 2026 وربطها بغرفة الطوارئ والأزمات    حالة الطقس بالمنيا ومحافظات الصعيد اليوم الأحد 19 أكتوبر    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    خروج 6 مصابين بعد تلقى العلاج فى حادث انقلاب سيارة وإصابة 13 بالمنيا    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    ترامب: دمرنا غواصة ضخمة تهرب مخدرات كانت في طريقها للولايات المتحدة    حنان مطاوع تخوض سباق رمضان 2026 بمسلسل "المصيدة"    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    «الشيوخ» يبدأ فصلًا تشريعيًا جديدًا.. وعصام الدين فريد رئيسًا للمجلس بالتزكية    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    50 جنيهًا للحصة.. إجراءات جديدة من التعليم لتنظيم عمل المعلمين بنظام الحصة في المدارس 2025-2026    ياسر جلال: المسئول والفنان يتحملان ما لا يتحمله بشر.. وعندي طموح أخدم الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة الكتاب الجامعى..
نشر في الوفد يوم 13 - 10 - 2012

فى أواخر عام 1955، كان لقاؤنا الأول –نحن طلاب قسم الفلسفة- فى آداب القاهرة، مع رائد علم النفس فى الوطن العربى: الدكتور يوسف مراد، لنتعلم منه مقررا عن (مدخل إلى علم النفس)، فإذا به يكتب لنا على السبورة الخطوط العريضة لمنهج هذا المدخل،
ثم يُتبع ذلك بقائمة من المراجع، وكان من بينها كتاب له بعنوان (مبادئ علم النفس العام)، وهو ما يكاد يفى بمفردات المنهج المعلن.
لكن، لم يحدث أبدا أن أخبرنا الأستاذ، ولا أى أحد، بأن كتاب الأستاذ هو المقرر، فقد ساقه كأحد المراجع، مثله فى ذلك مثل غيره، بل وجدتنى مع الكثرة الغالبة من الزملاء، نهرع إلى المكتبة العامة للجامعة وكانت ملاصقة للآداب، بحثا عن كتب « تغطى « مفردات المنهج، لنقرأها، استعارة، أو بالجلوس فى المكتبة، وبعض المتيسرين من الزملاء، اشتروا عددا من هذه المراجع، وكان الفقراء أمثالى، يعتمدون على الاستعارة من دار الكتب، بجانب مكتبة الجامعة، وربما من بعض فروع الدار.
وكان هذا هو الشأن نفسه فى بقية المقررات، وطوال سنوات الدراسة الأربع.
حتى إذا أصبحتُ عضو هيئة تدريس بتربية عين شمس عام 1969، وجدت أن الأمر قد بدأ يختلف، فيكون للأستاذ «الكبير»، كتاب مرجعى، يتعامل معه الطلاب باعتباره هو الكتاب المقرر! ولم يكن لنا نحن «المدرسين» أن نفكر لحظة فى أن يكون لنا كتاب مقرر، حتى لو كان التدريس فى كلية أخرى، فكتاب الأستاذ الكبير، يظل هو المقرر.
ثم إذا بنا، بعد ما يقرب من عقد من الزمان، نسمع صيحة من بين صفوف من حصلوا على الدكتوراه، يتخذون شعار: نحن رجال وهم رجال، ولابد من التحرر من سطوة كبار الأساتذة، وهو منطق معقول، لكن الكارثة، أن هذا كان يتم بعد الحصول على الدكتوراه مباشرة، وقبل أن ينضج المدرس، وتتعمق ثقافته ومعرفته المتخصصة، وتثرى خبرته، فبدأ سوق التأليف الجامعى يعرف نوعية غير جيدة من الكتب.
ثم وجد عدد غير قليل من هؤلاء المؤلفين الجدد أن الناشرين يقاسمونهم العائد، فاختاروا أن يكون كتاب كل منهم «مذكرة» يطبعها بمعرفته فى أى مكتب (آلة كاتبة فى ذلك الوقت )، كى يختص بالعائد كله وحده.
وقد مثّل هذا التطور تراجعا ملحوظا فى القيم والعلاقات الجامعية، فضلا عن المستوى المعرفى المتخصص، كيف؟
كان التنوع الحاصل من قبل فى قرءاة المنهج المقرر، يتيح الفرصة للطالب أن يشهد زوايا رؤية متعددة، واجتهادات مختلفة، فإذا به بعد ذلك ينفرد بعقله شخص واحد، لا يُريه إلا ما يرى، فإذا بالطالب الجامعى ينسى أن تجاه كل اجتهاد، اجتهادات أخرى، قد تختلف مع بعضها البعض، وفى هذا إثراء مؤكد للمعرفة، وترسيخ لقيم المرونة فى التفكير والتعامل مع الآخر، والتنافس المعرفى.
وزاد الطين بلة، أن «المذكرة» إذ يتم إخراجها داخل أسوار الكلية فقط، لا يراها ولا يقرأها غير الطلاب الذين سُيمتحنون فيها، هبط مستواها إلى حد كبير، بل وصل الأمر إلى حد انتشار عمليات سطو على جهد آخرين، حيث إن العملية محصورة بين الأستاذ والطلاب، وقد حدث مرة –منذ عدة سنوات- أن وجدت «مذكرة» فى يد عامل بإحدى الكليات عن طرق تدريس الفلسفة، ولما كان هذا التخصص هو غرامى العلمى القديم، بحكم ما أتاحه الله لى من جهد إيجادها لأول مرة على خريطة كليات التربية بدءا من عام 1969، أخذت أقلب فيها، فإذا بى – وقد دخلنا القرن الحادى والعشرين- ألمح عبارة (العام الدراسى الحالى1971/ 1972)، فأدهشنى هذا، ودفعنى إلى أن أقلب صفحات المذكرة، فإذا بى أجد ما يزيد على ثلاثين صفحة مصورة من كتابى تدريس المواد الفلسفية الذى صدر فى ذلك العام، ولم يكلف السارق نفسه جهد تغيير رقم العام، بل وكان التصوير لكتابة جمعت بالمطبعة القديمة، حيث جمع الحروف باليد، ولم يكلف نفسه إعادة كتابتها بالحاسب الآلى الحديث.
وكان الأستاذ السارق ذكيا بحيث تعمد ألا يكتب اسمه على المذكرة، وإلا لخضع للمحاسبة القانونية والتى كان لابد أن تُخرجه من زمرة الجامعة كلية!!
ثم إذا بالأمر يتطور إلى خطوة أخرى- إلى وراء دائما- ففى الكليات التى يدرس فيها الطلاب مقررا واحدا فى كل الأقسام والشعب، بحيث، يُدَرّسه أكثر من أستاذ، ولتهدئة ما كان يجرى من تنافس وعراك على الاستئثار بالمجموعات الكبيرة، اتفق الجمع فى هذا القسم أو ذاك على ما سُمى خطأ بالتأليف الجماعى، والذى لو كان هذا حقيقيا لكان أروع، لكن الأمر الذى يحدث أن كل عضو يفتح درج مكتبه ليخرج بحثا، سبق أن تقدم به إلى ترقية، أو قدمه فى مؤتمر، أو كتبه طلبا لجهة ما، لشارك به فى الكتاب، الذى تحول إلى «سمك، لبن، تمر هندى»! حيث لا جلوس للمؤلفين معا ومناقشة الموضوعات، ولا أحد يقوم بدور «التحرير» الذى ينسق بين الموضعات وأسلوب كتابتها،وما بنها من تتابع، وتلافى التكرار.
ولأن الكتاب المذكرة يتكرر كل عام، حيث لا اهتمام بالتطوير والتجديد، فربما يشترى طلاب كل عام جدد نسخ زملائهم فى العام السابق، وهنا كان ابتكار ما يعرف «بالشيت»: جزء ملحق بالكتاب، وغالبا يكون «مختوما»، ويحمل هذا الملحق تاريخ العام الحالى دائما، ويطلب من كل طالب أن يفصل الشيت ويقدمه كأعمال سنة، ومن ثم يضمن الأساتذة أن الكتاب المذكرة لابد أن يشتريه الطلاب!!
وفى الوقت الذى يكسب فيه الأعضاء ألوفا مؤلفة من الجنيهات كل عام، تخسر المعرفة المتخصصة الكثير، حيث تراجعت الدافعية لتأليف كتب مرجعية، عن طريق ناشرين، تتاح للجميع، فيحرص مؤلفوها على أن تقدم جديدا، فضلا عن ضرورة الإتقان، والخشية من النقل عن الآخرين، وإلا افتضح أمرهم.
وإذا كانت هذه هى خسارة المعرفة المتخصصة، فإن الخسارة الأهم هى مجموعة قيم سلبية يتم ترسيخها بطرق غير مباشرة لدى الطلاب، فضلا عن تراجع واضح فيما يمثله الأستاذ الجامعة بالنسبة للطلاب...وكل هذا إنما هو بعض من كل!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.