كتبت في مقالي السابق عن سنوات الحرمان التي عاني منها الصعيد طوال العقود الخمسة الماضية، واستكمالاً لما سبق فقد حملني الأهالي هناك، برسالة إلي النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، ورئيس مجلس الوزراء الدكتور عصام شرف، يعبرون فيها عن مدي الظلم الذي وقع عليهم من الحكومات السابقة، وبعض السياسيين والعاملين في الحكم المحلي، ورغم أن مطالبهم محدودة للغاية، تكاد تتمثل في وجود كوبري أو طريق أو توفر بعض المرافق الأساسية، إلا أنها تمثل بالنسبة لهم صمام الأمان لوجود معيشة كريمة ولائقة. والخلاصة عزيزي المواطن أن هناك مركزين في جنوب محافظتنا الحبيبة سوهاج، أحدهما يسمي البلينا، والآخر هو دار السلام، يضم الأول بين جنباته عدداً كبيراً من السكان يزيد علي النصف مليون مواطن، وهو يتميز بوجود بحيرة من الآثار الفرعونية القديمة، في منطقة عرابة أبيدوس، التي كانت قبلة الحجاج المصريين القدماء، حيث تضم مجموعة من المعابد لسيتي الأول ورمسيس والأوزوريون، وهو ما جعل هذا المركز يحظي بمكانة متميزة علي خريطة مراكز الجمهورية، بالإضافة إلي ما به من مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في الوادي وفي الظهير الصحراوي، تساهم في حل جزء من الأزمة العالمية، ألا وهي أزمة القمح، بالإضافة إلي زراعات القصب والزراعات الأخري المتنوعة، التي تجهز سنوياً للتصدير، وتضم البلينا كتلة بشرية متنوعة المهن، واستعدادات هائلة تساعد علي وجود منشآت صناعية ضخمة، نظراً لتوفر العامل البشري والمساحات الصحراوية، وتلك المعطيات أغرت الكثير من طلاب الصناعة والتجارة لاستيطان هذا المركز، وسرعان ما التحم المركز وعج بالسكان من قاطنيه ووافديه، فما كان من الحكومات السابقة إلا أن انتبهت لهذا المركز ووضعت خطة لربطه بمركز دار السلام، المقابل له من الناحية الشرقية، من خلال كوبري علي النيل يربط المركزين ويربط الخط السريع الشرقي والغربي، وكان في ذلك نظرة بعيدة للمستقبل. إن سكان دار السلام لديهم متسع لاستيطان الكثير من سكان مركز البلينا، نظراً للمساحات الشاسعة بظهيرهم الصحراوي، وانخفاض أسعار الوحدات السكنية بمعدل الضعف ووجود وفرة في المنازل الريفية وقلة في الكثافة السكانية، لكنه في المقابل نجد أن مواطن دار السلام يعاني من مشكلة يومية، تؤرق معيشته، إنها مشكلة التنقل بين مكانٍ وآخر، فعند استخدامه للقطار خاصة في أوقات الليل، يتعذر عليه الانتقال إلي محطة السكة الحديد أو الرجوع منها، وذلك لوجود المحطة في مدينة البلينا التي يفصل بينها وبينه نهر طويل من النيل العظيم، في الوقت الذي يتعذر فيه أيضاً استخدام وسائل النقل النهري ليلاً، نظراً لوجود عبارة واحدة تابعة لمجلس المدينة تعمل لساعات محددة بالنهار، وهي عبارة متهالكة كثيرة الأعطال، لا يأمن فيها المواطن علي نفسه أو أغراضه، وبما أن أهالي دار السلام أغلبهم يعيش علي مهنة الزراعة، فإنهم يجدون أنفسهم في حاجة ماسة لتسويق منتجاتهم الزراعية بمركز البلينا، لكنهم سرعان ما يجدون أنفسهم أمام أحلام قد تبخرت، فقد قام بعض المنتفعين من السياسيين وقطاع الحكومة من تغيير خطة وضعتها الدولة لرفع مستوي المعيشة بهذين المركزين، من خلال وسيلة مواصلات سهلة، تؤّمن لهم التسويق والتسوق والتبادل والتنافع، لكنها سرعان ما أُلغيت لنجد الصناع والتجار والمستثمرين يفرون هاربين، لعدم وجود وسيلة انتقال ترتبط بين هذين المركزين، رغم ارتباطهما التاريخي كمركز واحد يضرب بأصالته في دروب التاريخ، ووجود الكثير من علامات الدم والنسب والمصاهرة، وراح أهالي البلينا يعانون الأمرين عند الدخول والخروج من المدخل الضيق الوحيد علي مزلقان السكة الحديد، وراح الفساد ينتشر حتي طال الرقعة الزراعية من أرضي الوادي، وتحولت إلي كتلة خرسانية تحت مرأي ومسمع من جميع المسئولين، ولم يشعر الناس بأنهم يغتالون أرزاقهم وأرزاق أولادهم، بتحويل الرقعة الزراعية إلي غابات أسمنتية لا تأتي بالخير الأخضر مرة أخري. وفي المقابل أهملت الحكومات المتعاقبة الظهير الصحراوي، ولم تنظر إلي توصيل الطرق أو المياه أو الكهرباء أو المرافق الأساسية لتلك المناطق، واهتمت بمراكز وقري أخري تابعة لشخصيات بعينها، فإلي من يشكو مركزا البلينا ودار السلام حالهما، بعد سنوات طويلة من الحرمان الذي نتج عن تلك الحكومات الفاسدة، إلي من يشكون هؤلاء الأشخاص الذين تسببوا في تغيير مسار الكوبري، الذي تم اعتماد جميع مخططاته لمركز البلينا، وفي ليلةٍ وضحاها وجدوه يتحول إلي مركز آخر لا تربطه بدار السلام أي علاقة، ولدينا ملف كامل عن فساد بعض المستفيدين الذين ساعدوا علي ذلك. وإنني من منطلق كوني حريصاً علي مصلحة المركزين، فإني أرفع صوتي وأضمه لأصوات الأهالي، لنرفعه جميعاً إلي السيد الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، عله يصلح ما أفسدته الحكومات السابقة، مع العلم أنني قمت أثناء فترة وجودي القصيرة نائباً بمجلس الشوري قبل حله، بتقديم شكوي للدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق بصفته وشخصه، عما آلت إليه أحوال المركزين وعدم اهتمام الحكومات السابقة. ولكنه لا حياة لمن تنادي!!