"الانتحار"، ظاهرة انتشرت خلال الفترة الأخيرة بشكل مروع ومخيف، كاد أن يلتهم كل ما هو يدعو للتفائل، وبدأت في التصاعد والتزايد، والتفنن في أشكال وألوان عديدة للانتحار، فهناك من ألقي بنفسه أسفل عجلات المترو، وأخر ألقى بنفسه في ترعة الإبراهيمية في أسيوط، فضلًا عن الشاب طالب كلية الهندسة الذي ألقى بنفسه من أعلى برج القاهرة، وهي الحالة التي أثارت ضجة كبيرة على مواقع العتواصل الاجتماعي خاصة عقب انتشار الفيديو المرتبط بالواقعة. وفي هذا الصدد أعلنت مبادرة "100 مليون صحة"، عن قيام أمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان بتخصيص خط ساخن لمساعدة الأشخاص الذين لديهم ميول انتحارية، وتلقى شكواهم في محاولة لحل أزماتهم النفسية التي قد تودي بحياتهم. إقرأ أيضًا: 1183 حالة انتحار بمستشفيات جامعة المنوفية في 2019 ومن جانبه، قال الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن تفعيل مبادرة 100 مليون صحة لخط ساخن لمساعدة أصحاب الميول الانتحارية على الإقلاع عن تلك الحالة النفسية السيئة، والحفاظ على حياتهم، وحدها خطوة غير كافية، لأنه من النادر أن يفكر شخص بائس كارهه للحياة في الاتصال على الخط الساخن. وأضاف هاني في تصريحه ل"بوابة الوفد"، أن الحل الأفضل والأمثل هو إطلاق سلسلة من المؤتمرات والندوات التثقيفية، والكورسات التأهيلية بالتعاون بين الجهات المعنية ومؤسسات الدولة، ومحاولة جذب أكبر عدد ممكن من الشباب، وأيضًا أصحاب الفئات العمرية المختلفة، فالجميع يعانون من ضغوط الحياة. وأكد استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، على ضرورة دمج الشباب في المجتمع بطريقة صحيحة، وتأهيلهم نفسيًا وأيضًا تاهيلهم لسوق العمل، لذا يجب أن يكون هناك انتشار لتلك الندوات على مستوى الجمهورية، وتوسيع الدائرة لمساعدة المكبوتين نفسيًا، فحوالي 80 % من الأمراض النفسية علاجها يكون من خلال الدعم النفسي ومنحهم طاقة أمل وسعادة للإقبال على الحياة، وليست بالأدوية كما يظن البعض. إقرأ أيضًا: تفاصيل واقعة ألقاء طالب نفسه من أعلى برج القاهرة فيما قال الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، إن الانتحار أحد أهم الطوارئ النفسية وأهم ما يواجه الطبيب النفسي في حياته العملية، حيث إنه قد يكون أفكار أو محاولات أو واقع بإنهاء الحياة، وفي الطب النفسي يوجد كثير من المرضى يهددون بالانتحار لكن غالبًا ما ينجح منهم مرضى الفصام ومرضى الاكتئاب الشديد، والشخصيات المتهورة. وأضاف النبوي، أن واجب الطبيب النفسي أن يهتم لكلمة انتحار، فمجرد أن يسمع أو يعرف عن المريض أن لديه أفكار انتحارية يقوم الطبيب لعمل ملاحظة عن قرب من هيئة التمريض والمعاونين له ومراجعة العقاقير التي يتناولها المريض، ومراجعة أسباب الانتحار وعلاجها بشكل مكثف. وأوضح أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن هناك أدوية كثيرة قد تحسن حركة المريض واندفاعه قبل أن تحسن حالته المزاجية، وهنا يجب على الطبيب أن يراعي ذلك فمثلًا العلاج بالجلسات الكهربائية التي تعالج الاكتئاب تحسن حركة المريض قبل مزاجه، وبالتالي لابد من مراقبة وملاحظ المريض كي لا يؤدي ذلك إلى الانتحار. ولفت إلى إعلان مبادرة 100 مليون صحة عن خط ساخن لمساعدة أصحاب الميول الانتحارية، بأنها خطوة رائعة لكنه يخشى أن الضغط الإعلامي على هذا الموضوع يثير انتباه الكثيرين ممن كانت لديهم أفكار ولا توجد محاولات، فهي خطوة تعد سلاح ذو حدين، لأننا قد نهتم بعلاج السبب دون ذكر كلمة انتحار، وبالتالي من الأفضل علاج الاكتئاب والإحباط والضغوط دون ذكر كلمة انتحار، أما إذا قولنا أننا نعالج الانتحار فأننا بذلك نثير انتباه من لديه احباط للتفكير في الانتحار. إقرأ أيضًا: مريض نفسي ينهي حياته بمروحة السقف في المنوفية وتابع: أن بالنسبة للخط الساخن فهي فكرة رائعة قام بها أحد الأطباء النفسيين الكبار فترة الثمانينيات واعترض عليها كثيرين حيث باعتبارها مدعاة لكثرة الشكوى، ولكن هي خطوة لها مزايا وعيوب، فمن مزاياها أنها قد تساعد في إنقاذ حياة مريض يرى من يسمعه، والعيوب أنه ما أكثر الشكاوى. وأكد النبوي، على أهمية توجيه بعض الأسئلة للشخص الذي يعاني من اضطرابات نفسية للتعرف على مدى ارتباطه بالحياة منها، الأشياء التي تسعده والهوايات التي يهتم بها والأصدقاء المقربين لقلبه والهدف القريب الذي يريد تحقيقه، فهذه هي روابط أي شخص بالحياة، فإذا تقلصت الهوايات وانعدمت الصداقات وقل الأمل فإن هذا الشخص عرضة لإنهاء حياته، لأنه لا يوجد ما يربطه بها. وشدد النبوي، على أهمية الوعي والإعلام الجماعي لتثقيف المجتمع عن فكرة زيارة الطبيب النفسي عند الإحساس بالضيق او الاكتئاب أو الانفعال الزائد أو الإحساس بالعجز أو الإحساس بقلت الحيلة أو التشاؤم المستمر، أو فقدان الاستمتاع بالحياة، وكما هو معروف أن الوقاية خير من العلاج معروف أيضًا أن المعالجة المبكرة والتدخل العلاجي في الفترة الأولى من المرض قد يكون أكثر فاعلية وشفاء من الذهاب مؤخرًا.