ما قصتنا نحن المسلمين مع الغرب المسيحي.. وثقافته ومبادئه وقيمه وشعاراته الحضارية في ظاهرها والعنصرية البغيضة في باطنها؟ ولماذا الإساءة إلى الشعوب والفئات الأخرى من البشر، وإلى رموزها ورجالها وقوادها وكتبها وسننها خصوصا المسلمين منهم وشعائرهم الدينية والدنيوية على السواء، فالإساءة مرة إلى العادات، ومرة إلى العبادات والممارسات، ومرة إلى الحجاب والنقاب، وأخرى إلى الرموز والأنبياء والرسل؟ ولماذا تتكرر الإساءات إلى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟ والتفنن فيها بصور وأشكال مختلفة.. مرة في شكل كتب ومؤلفات أدبية روائية، ومرة في شكل رسوم كاريكاتورية، وأخرى في صورة أفلام سينمائية، وكله يندرج في خانة الابتكار والإبداع الفني، وباسم المبادئ وحرية التعبير وحرية الرأي والحرية الإبداعية؟ وكأن هذه الحرية لا يستقيم لها الأمر إلا بالإساءة إلى الإسلام والمسلمين، ورموزهم ومثلهم العليا، وليس أدل على ذلك من تنافس المؤسسات الإعلامية والهيئات المدنية والجمعيات المهنية، والأحزاب الفكرية الأيدلوجية في الغرب على تقديم ما يثبت عداءه للإسلام والمسلمين، فهناك حزب في ألمانيا يجاهد بكل ما أوتي من قوة لعرض الفيلم المسيء للرسول الكريم، إلا أن الحكومة الألمانية مشكورة حالت دون ذلك بإصدار قرار بمنع عرضه تحاشيا لإثارة مشاعر المسلمين في كل بقاع الأرض، وهناك مجلة مغمورة تتفاخر وتتباهى بنشر رسوم مسيئة للإسلام، دون اعتراض من الحكومة الفرنسية غير معيرة مشاعر المسلمين أي اعتبار، وقبلها كان هناك قس أمريكي مغمور أحرق نسخا من القرآن الكريم، وهناك جنود أمريكيون دنسوا مصاحف من القرآن في العراق، وفي سجن أبو غريب تحديدا،.. وهناك وهناك.. إلى آخر المسلسلات والمنافسات، واستعراض العضلات باسم الحرية وحرية التعبير، متجاهلة بذلك مشاعر مسلمي هذه الدول الغربية مثل فرنساوألمانيا والدنمارك وأمريكا وغيرها من الدول التي تطاول مثقفوها وإعلاميوها وصفوتها على الإسلام والمسلمين في السنوات الأخيرة الماضية. فقصتنا معهم تتجسد في طرفي معادلة العقوبة والأدب.. فمن أمن العقوبة، أساء الأدب، وهاهم يسيئون الأدب، ويتطاولون، ويسخرون ويستهزئون بنا على مرأى ومسمع حكامهم وحكوماتهم وقساوستهم دون تأنيب ولا تأديب، ولا شجب ولا إدانة، بل تأييد وتعزيز، ودعم وحماية، فمن أين يأتي الأدب واللياقة، والذوق واللباقة في غرب يغيب في الردع والمحاسبة والمساءلة للإساءات الدينية. إنه لغرب مسيحي عنصري يناقض نفسه ويغالطها، ويخالف مبادئه ويخل بها، ويدعي الحضارة والمدنية، وحقوق الإنسان، ويتغنى بالحرية.. وحرية الرأي والتعبير، واحترام الآخر بغض النظر عن العرق والجنس والفكر والدين، ويكيل بألف مكيال ومكيال، ووفقا للمواقف والمصالح والانتماءات العرقية والإيديولوجيات الفكرية، ويُغلّب المصالح على المبادئ، ويتعامل مع الغربي والأمريكي المسيحي بشكل، ومع العربي والمسلم بشكل آخر ولو كان مواطنا في بلد غربي (فرنسي، ألماني، إنجليزي، أو أمريكي.. إلى غير ذلك من المعتنقين للدين الإسلامي، أو المحسوبين على المسلمين من أبناء هذه الجنسيات). فأين مبادئ الحرية وحرية الرأي والتعبير التي يتحدثون عنها ويصدحون بها عندما يتعلق الأمر بالمصالح الإسرائيلية، ومحرماتها وخطوطها الحمراء؟ فأين هذه المبادئ من مجرد انتقاد السياسة الإسرائيلية في فلسطين، وحصارها الجائر لغزة، والاعتداء على سفن الإغاثة الإنسانية لأهل غزة في عرض البحر، وفي محيط المياه الدولية؟ وأين هذه المبادئ من مجرد التشكيك في حقيقة المحرقة اليهودية المقدسة (الهوليكوست)؟ وهذا يدفع بنا نحن العرب والمسلمين إلى تحدي أي وسيلة من وسائل الإعلام الغربية والأمريكية (صحف ومجلات، وقنوات تليفزيونية، وإذاعة، ومواقع إلكترونية وغيرها) من مجرد الحديث بريبة عن هذه المحرقة، وما يتصل بها من معلومات حول عدد الضحايا والمبالغة فيها. إنها لحرية رأي زائفة غير عادلة تطبق على فئة دون أخرى في المجتمعات الغربية، وتستثنى فئة دون أخرى محليا ودوليا، وعلى المستويين الشعبي والرسمي، ووفقا للمصالح والأجندات المحلية والعالمية على حساب المبادئ التي يتشدقون بها. أليس في هذه الإساءات والانتهاكات البغيضة استفزاز للشعوب العربية والإسلامية؟ فكيف يستفزوننا، ولا يريدوننا أن نغضب؟ ولماذا يغضبون لغضبنا على تصرفاتهم المشينة؟ وعندما يتعلق الأمر برسولنا الكريم محمد، ويذكر بسوء، فمن الطبيعي أن نغضب ونثور ننتصر لنبينا عليه أفضل الصلوات والتسليم؟ وإذا لم نغضب في هذه المواقف، وبسبب هذه التجاوزات اللاأخلاقية العاكسة للحقد الغربي المسيحي الدفين، فمتى نغضب إذن؟ ومتى ننتصر لمقدساتنا ورموزنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وما هذه الهبة والتظاهرة الجماهيرية الإسلامية المتفاوتة في قوتها وعنفوانها في كل بقاع الأرض إلا رد فعل طبيعي، وتعبير جماهيري إسلامي عن الغضب الشديد الناجم عن مثل هذه الاستفزازات المتعمدة بغض النظر عما أسفرت عنه من تدمير وتخريب وهجوم على السفارات الغربية، وقتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى انتمائهم إلى تلك المجتمعات المستفزة الحاقدة، وتمثيلهم لحكوماتها في البلاد العربية والإسلامية. ورغم الخسائر المادية والبشرية الناجمة عن موجة الغضب هذه، والتي يؤسف لها لما تسببه من مضار وإساءة للأمة الإسلامية ككل، وتحسب عليها وليس لها، مما يبرر وصفنا كعرب ومسلمين من قبل المتصيدين الحاقدين بالهمجية واللامسؤولية وغيرها من ألفاظ وأوصاف القذف والسب والشتم والتجريح والتقليل من الشأن بسبب أو من دون سبب، إلا أن الغضب في هذه الحالة واجب، ومطلوب، وحق لا يمكن أن يصادره أحد مهما كانت قوته وسلطانه وجبروته. فمن حقنا أن نغضب ونثور وننتصر لأمتنا ونبينا عليه الصلاة والسلام، وننصره بكل ما أوتينا من قوة وحيلة ووسيلة. أما هذه الزمرة، وأفرادها الحاقدون الفاسدون المفسدون في الأرض، والمسيئون والمستهزئون بدين الله تعالي ورسوله الكريم، فلن يفلتوا من عقاب الله عز وجل الذي كفل نبيه ووعده بالحماية والرعاية والكفاية لقوله تعالى "إنا كفيناك المستهزئين" وأولهم كان أبو لهب وامرأته حمالة الحطب، اللذان نزلت فيهما سورة كاملة هي سورة "المسد" بقوله تعالى "تبت يدا أبي لهب وتب.". إلى آخر السورة. فمصير هؤلاء متروك لله تعالى، فهو كفيل بعقابهم وعذابهم في الدنيا والآخرة. أما نحن، فعلينا ألا نصمت ولا نسكت إزاء هذه الإساءات المتكررة، ولا نقف مكتوفي الأيدي دون أن نحرك ساكنا في هذا الشأن، بل ينبغي علينا التحرك والدفاع عن حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي اتجاه حضاري يعكس أخلاقنا وقيمنا الدينية السمحة، وبنفس السلاح الذي يهاجموننا به، ويحاربوننا به، ولكن بأسلوب أرقى وأسمى وأعلى من القذف والسب والإساءة التي يتميزون بها، ويتفننون فيها، ويتنافسون على تبنيها. ولذا، فيمكن الرد عليهم من خلال النشر الإعلامي في صورة مسلسلات وأفلام وروايات تظهر جبلة رسولنا محمد بن عبدالله النبي الأمي الكريم، وطبيعته وأخلاقه القرآنية حيث كان خلقه القرآن كما قالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها. ولذا، فلا يسعنا هنا في هذا المقام إلا أن نشكر دولتنا الحبيبة لتبنيها تمويل وإنتاج فيلمٍ عالميٍ لسيرة رسولنا الكريم العطرة المليئة بالمواقف السمحة والتسامح مع مَن أساءوا إليه من بني جنسه في بداية دعوته، وعفوه عنهم في الوقت الذي كان قادرا على النيل منهم، ومعاقبتهم على أفعالهم، ولكنه بطبيعته وجبلته التي خلقه الله عليها كان رحيما بأهله وقومه وبني جنسه، ومصداقا لقوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. وجزى الله الغيورين والمدافعين عن رسولنا خير الجزاء، ووفقنا الله وإياهم لما يحب ويرضى، فإنه ولي التوفيق والقادر عليه.