يسأل الكثير من الناس عن حكم الدفن فى مقبرة خاصة فأجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله رئيس لجنة الفتوي بالازهر الشريف وقال جاء فى "المغنى لابن قدامة" ج 2 ص 388 أن الدفن فى مقابر المسلمين أولى عند الإمام أحمد من الدفن فى البيوت ، لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته ، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه ، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون فى الصحارى . فإن قيل :فالنبى صلى الله عليه وسلم قُبر فى بيته ، وقبر صاحباه معه ، قلنا : قالت عائشة رضى الله عنها : إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا ، رواه البخارى ، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ، وفعله أولى من فعل غيره ، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ولأنه روى : يدفن الأنبياء حيث يموتون ، وصيانة لهم عن كثرة الطُّراق ، وتمييزا للنبى عن غيره . اه . وفى مشارق الأنوار للعدوى "ص 52 " أن الدفن فى مقابر المسلمين أولى من الدفن فى البيت ، وأرى أن الوصية بالدفن فى قبر خاص فى بيته لا يلزم تنفيذها ، فالدفن فى المقابر أفضل. وقال تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ يخبر تعالى إخباراً عاماً يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}، فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخراً كما كان أولاً، وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت، فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر اللّه وجودها من صلب آدم وانتهت البرية، أقام اللّه القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها، كبيرها وصغيرها. فلا يظلم أحداً مثقال ذرة، ولهذا قال تعالى: {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة}، وروى ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: لما توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم وجاءت التعزية، جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته {كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة} أي في اللّه عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، دركاً من كل فائت، فباللّه ثقوا وإياه فارجو، فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، قال جعفر بن محمد: فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام، وقوله: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} أي من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز. وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} ""رواه ابن أبي حاتم وأصله في الصحيحين"") وقوله تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} تصغير لشأن الدنيا، وتحقير لأمرها، وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى}، وقال: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها، وما عند اللّه خير وأبقى} وفي الحديث:( واللّه ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه) وقال قتادة: هي متاع متروكة أوشكت - واللّه الذي لا إله إلا هو - أن تضمحل عن أهلها، فخذوا من هذا المتاع طاعة اللّه إن استطعتم ولا قوة إلا اللّه. وقوله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم}، كقوله تعالى: {ولنبلونك بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات} إلى آخر الآيتين، أي لا بد أن يبتلي المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلي المؤمن على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً} يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر، مسلياً لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين، وآمراً لهم بالصفح والعفو حتى يفرج اللّه، فقال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} قال ابن أبي حاتم، عن أسامة بن زيد: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللّه، ويصبرون على الأذى، قال تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} قال: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره اللّه به حتى أذن اللّه فيهم. وعن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد حدثه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية فطيفة فَدَكية: كساء غليظ منسوب إلى فَدَك بلد على مرحلتين من المدينة وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، حتى مر على مجلس فيه عبد اللّه بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم ابن أبي، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، وأهل الكتاب واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد اللّه بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمّر عبد اللّه بن أُبي أنفه بردائه وقال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم وقف، فنزل ودعاهم إلى اللّه عزّ وجلّ وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد اللّه بن أُبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد اللّه بن رواحة رضي اللّه عنه: بلى يا رسول اللّه فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي صلى اللّه عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : (يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟) يريد عبد اللّه بن أُبي، قال كذا وكذا، فقال سعد: يا رسول اللّه اعف عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك اللّه بالحق الذي نزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة، فلما أبى اللّه ذلك بالحق الذي أعطاك اللّه شرق بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ""رواه البخاري"". وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللّه ويصبرون على الأذى قال اللّه تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} الآية، وقال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفاراً، حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي اللّه بأمره} الآية. وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره اللّه به حتى أذن اللّه له فيهم، فلما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدراً فقتل اللّه به صناديد كفار قريش، قال عبد اللّه بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول على الإسلام، فبايعوا وأسلموا، فكل من قام بحق أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر فلا بد أن يؤذى فما له دواء إلا الصبر في اللّه، والاستعانة باللّه والرجوع إلى اللّه.