تحت عنوان "على شرطي العالم ألا يتراجع عن مناطق العالم الأكثر خطورة، بل على أمريكا أن تفعل المزيد"، نشرت مجلة "إيكونوميست" مقالا حول ما أسمته "جريمة قتل فى ليببا" فى إشارة لمقتل السفير الأمريكى فى ليبيا. وقالت المجلة إنه بالنسبة للعديد من الأميركيين، يعتبر مقتل "كريستوفر ستيفنز"، سفير أمريكا إلى ليبيا، هو كل شىء متوقع من العالم العربي، وبالتحديد من بلد ساعده الغرب العام الماضي فى إسقاط طاغية قاتل ( معمر القذافى )، فقد هاجم الغوغاء السلفيون، القنصلية الأمريكية في بنغازي، مما أسفر عن مقتل "ستيفنز" وزملائه الثلاثة، كما شهدت السفارات الامريكية فى اليمن ومصر عمليات اقتحام وقتل وأعمال الشغب بعد بث شريط فيديو مبتذل عن النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم"، أدانته إدارة الرئبيس الامريكى "باراك أوباما". وقالت المجلة إن العديد من الأميركيين يتساءلون،:" لماذ ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تحاول مراقبة وحماية منطقة (تقصد الشرق الاوسط)، بينما كل ما يحصل في المقابل هو الاعتداء الطائش، والأحداث التى لا يمكن السيطرة عليها، وعنف الغوغاء؟ لا أمن فى الشرق الأوسط وأشارت المجلة إلى أن ذبح "ستيفنز" ليس المثال الوحيد والأخير على ضعف الامن العربي وحالة عدم الاستقرار.. فقط منذ سبعة أيام قبل الحادث، قتل في العراق عشرات الاشخاص في تفجيرات في يوم واحد، وحكم على نائب الرئيس بالإعدام غيابيا بتهمة القتل المزعوم؛ وفي اليمن نجا وزير الدفاع من محاولة اغتيال، وفي إسرائيل تم قتل ستة مسلحين فى قطاع غزة، في تونس، حيث بدأ الربيع العربي، دمر السلفيون المتطرفون "بارا" يقدم الكحول، وفي سوريا تجاوز عدد القتلى في الحرب الأهلية البشعة أكثر من 25الف قتيل. التخلى عن المنطقة ومما لا شك فيه أن "باراك أوباما"، لكونه حريصا جدا على الصحوة العربية، لا يريد معاداة التيارات الجديدة فى تلك البلدان، الا ان العديد من الأميركيين المحافظين ربطوا ما يحدث بالإسلاميين وسياساتهم المعادية للغرب، ومنهم جماعة الاخوان المسلمين وأصدقاؤهم الذين يديرون مصر وتونس حاليا، ويرى هؤلاء المحافظون أن ذلك يمثل تهديدا لاسرائيل حليف أميركا. واوضحت المجلة ان الأمريكيين مترددون فى الانجرار الى سوريا او ايران التى تسعى للحصول على القنبلة النووية، وفى ظل تعالى النزعات الطائفية بين الشيعة والسنة والسعودية وايران والوضع المتدهور فى العراق، وتعثر الجهود المبذولة لدفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والمحاولات الامريكية للحد من الاعتمادعلى النفط العربي، فإن البعض من الامريكيين ربما يرى انه حان الوقت لترك هذه الشعوب الأقل ترحيبا بالامريكيين، ليديروا شئونهم ويتحملوا الفوضى بمعرفتهم. خطأ كبير واشارت المجلة الى ن هذا هو الحديث الذى سيحتل الصدارة في الحملة الانتخابية الرئاسية الامريكية بين "اوباما" و"رومنى" بعد وفاة "ستيفنز"، الا انه من الخطأ العميق في التحليل والاستنتاجات على حد سواء ، ان يفكر الامريكيون بهذه الطريقة ، لأن هناك أجزاء كثيرة من العالم العربي هي في الواقع تسير في الاتجاه الصحيح، وفي الأجزاء التي ليست كذلك ، ولا سيما سوريا، هناك حاجة للولايات المتحدة ، ان تزيد من الجهد ، من أي وقت مضى. ورأت المجلة ان الربيع العربي، لا يعنى الفوضى في كل شيء، فهو لا يزال يتحرك على نطاق واسع في الاتجاه الصحيح. ففي تونس ومصر ليبيا ، تم استبدال الطغاة بالحكومات الديمقراطية، وهي أكثر عداء لإسرائيل من بعض الحكام المستبدين السابقين، ولكن ذلك ناتج عن الديمقراطية كما هو الحال في تركيا التى تبدى أكبر التعاطف مع الفلسطينيين، وهى بذلك تعكس الرأي العام . واذا كان الإخوان المسلمون يحملون وجهات نظر غير مستساغة عن المرأة والتعليم وأشياء أخرى كثيرة، الا أن الحكومة لن تنظر الى هذه الأمور فى الوقت الراهن بل انها ستسعى الى تهدئة الناخبين الذين يريدون وظائف وخبزا أكثر مما يريدون تطبيق الشريعة. مساعدة الديمقراطيات الناشئة ومن المؤكد أن الامر سوف يستغرق سنوات عديدة، ولكن في نهاية المطاف هذه الديمقراطيات الناشئة ستتبنى أسلوب الحكم الذي هو أشبه بالديمقراطية في تركيا، حيث التيار الإسلامي المعتدل، بدلا من تينى "الثيوقراطية" القاسية المطبقة فى إيران، وعلى أمريكا في ذلك ألا تدخر جهدا فى مساعدة تلك الديمقراطيات، ومن الممكن أن تكون كل من تركيا ومصر قوى إقليمية فعالة تساعد المنطقة والعرب عامة فى مواجهة المشاكل. وعلى الرغم من مقتل السفير ، الا انه يجب على امريكا الا تتخلى عن دورها فى ليبيا، والذى بدأته فى الحملة ضد نظام "القذافي"، وان تواصل مساعدتها لمصر، وان تمارس ضغوطا على دول الخليج لتغيير نظمها السياسية. وفي الديمقراطيات العربية الناشئة، يمكن أن تقدم الدعم الاقتصادي الحيوي، حيث البطالة المرتفعة في مصر وتونس وليبيا، بينما تعانى الحكومات بصعوبة في استبدال رأسمالية المحسوبية من الحكام المستبدين. الفشل مدمر للعالم وقالت المجلة إن كميات صغيرة من المساعدات، لا سيما إذا كان يتوقف على الإصلاح الاقتصادي، يمكن أن تحدث فرقا كبيرا، واشارت الى انه " إذا كانت الاقتصادات العربية ستفشل، فإن التكلفة ستكون عالية وباهظة على العالم كله ، لأن اندفاع الشبان الغاضبين العاطلين عن العمل سيؤدى الى كوارث هائلة. واكدت المجلة ان امريكا لا تستطيع التخلى عن الشرق الاوسط، بينما لا تزال محطات الوقود بها تعمل ببترول العرب، كما ان وجود اسرائيل حليفها القوى فى المنطقة يجعل وجود امريكا امر لامفر منه. بشكل عام، يجب بذل المزيد من الجهد في الشرق الأوسط، سواء فيما يتعلق بالسلام بين اسرائيل والفلسطينيين اوما يتعلق بالملف النووى الايرانى، او الملف السورى الذى يمكن ان يؤدى الى كوارث غير متوقعة تطول المنطقة باثرها، حيث اصبح لبنان والاردن على شفا الاضطرابات. ومما لاشك فيه ان قتل "ستيفنز"، ربما يجعل فكرة التدخل في بلد مسلم آخر (سوريا) امر بعيد المنال لكثير من الأمريكيين، ولكن إذا كانوا يعتقدون أن ليبيا اليوم هي خطيرة وعنيفة، فماذا كنا نتخيل لو ان المعركة مستمرة حتى الان فى لبيبا؟ من المؤكد ان الوقوف بعيدا عن سوريا وعدم التدخل سيؤدى الى تكاليف استراتيجية وإنسانية اكبر. وهذا هو الحال مع منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وفي نهاية المطاف، فإن العنف المناهض للولايات المتحدة يزدهر تحت الطغاة والدكتاتوريين، اما وعود الربيع العربي لوضع الشرق الأوسط في أيدي الشعوب لأول مرة، فإنه يوفر مستقبلا أفضل، وحتى اذا كانت لا توجد ضمانات، ولكن أمريكا لديها كل شيء لتكسبه من كونها في قلب هذه الصحوة العربية الكبرى.