صناعة الفرعون، صناعة مصرية قديمة عندما استخف فرعون قومه فأطاعوه.. أطاعوه في جبروته وظلمه حتي قال لهم «أنا ربكم الأعلي» فجعلوه إلها.. وقد التصقت بنا «لعنة الفراعنة» وأقصد بها حكم «الفرعون الإله» ولم تذهب اللعنة مع الفراعنة مثلما ذهبوا بل بقيت تراثا غزيرا وجرما مصونا يحميه المصريون بالروح والدم وتحولت المسألة الي ما يشبه قدرا مرصودا ختمت به مصائر المحروسة وأهلها حتي وقتنا هذا فنحن في مصر مازلنا مصرين علي أن نجعل من رئيس الجمهورية فرعونا فبعد أن يجلس علي كرسي الرئاسة ينفخ الزبانية في بوق مديحه حتي يعتقد أنه فوق الجميع وأنه الحاكم بأمره ثم تلتف بطانته حوله وتعزله عن الشعب والبطانة تعني في زماننا هذا التوليفة والخلطة السرية من الجلساء وأهل الثقة والمسئولين الذين يحيطون بالرئيس ويغض الرئيس لهم بصره ويصدقهم فيما يخبرونه به مما يخفي عليه من أمر رعيته ويعمل بمقتضاه.. هذه البطانة تحجب ولا تشف فلا يري الرئيس في وجودها الدنيا من حوله فتكون عينه التي تري وعقله الذي يفكر وقلبه الذي يحب ويكره وبالتالي يصبح الرئيس معزولا عن شعبه الموجود خارج قصره فلا يشعر بألمه ولا يفرح لفرحه ويتحول الي «الفرعون الإله» ونحن نعلم أن الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يبدأ حياته الرئاسية فرعونا لكن حاشيته جعلوه فرعونا بعد أن عزلوه عن الشعب وأوهموه أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء وأن ما يقوله هو الحق وما يفعله هو الصواب وما يوافق عليه هو النعمة التي ينتظرها الناس فصدق نفسه وتحول إلي «الفرعون الإله» وبعد أن انتهي مبارك وانتهت حاشيته بعد ثورة 25 يناير قلنا لأنفسنا انتهي عصر الفراعنة وأن مبارك هو الفرعون الأخير في حكم مصر ولن نقبل أن يحكم مصر فرعون جديد ولكن بعد أن جلس الدكتور محمد مرسي علي كرسي الرئاسة كأول رئيس منتخب لمصر للأسف هناك البعض من بطانة الرئيس وبالأخص من جماعة الإخوان المسلمين من يحاول أن يجعل من الرئيس مرسي فرعونا جديدا لمصر، وذلك عندما يهمسون له بين الحين والآخر بأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء وأن يتخذ ما يحلو له من قرارات، وأكبر دليل علي ذلك عندما اتخذ قرارا جمهوريا بعودة مجلس الشعب المنحل متحديا بذلك حكم المحكمة الدستورية العليا. إذاً فالعيب فينا وليس في الرئيس ونحن سوف نتحمل وزرا كبيرا إذا تحول الرئيس مرسي الي فرعون جديد، فالكل يتحمل هذا الوزر سواء بحسن نية أو بسوء قصد أو رغبة في مصلحة، وأعتقد أن محاولات البعض من المقربين للرئيس مرسي أو من لهم مصلحة في إعادة صناعة الفرعون يحاولون بشتي الطرق خلق المبررات بأن الرئيس يجب أن نمنحه كل الصلاحيات وهناك أياد متعمدة تلعب في هذه المنطقة لصناعة الفرعون وهو الأمر الذي سيرفضه كل المصريين فلن يقبل المصريون بفرعون بعد المخلوع ولا أظن لرئيس يحفظ كتاب الله يقبل أن يتحول الي فرعون. كذلك هناك من ينظر الي الرئيس محمد مرسي علي أنه يملك العصا السحرية لتحقيق الآمال والطموحات وحل الأزمات المعقدة ووسط هذا الجو المضطرب وحالة عدم اليقين وفقدان الثقة والتربص التي تحياها مصر.. لا شك أن المصريين يعلقون كعاداتهم آمالا كبارا علي شخص الرئيس محمد مرسي ومنصبه وهو ما يعني أننا مازلنا بعد الثورة واقعين في شرك «الشخصنة» الذي ورثناه عن أجدادنا الفراعين القدماء الذين جعلوا من النظام وشخص الحاكم شيئا واحدا، فكان الفرعون هو صاحب الحل والعقد والأمر والنهي وبيده مقاليد الأمور كبيرها وصغيرها للأسف لم تتغير ومازلنا في اليوم أسري شخصنة المناصب والوظائف من أدناها لأقصاها ومهما يكن شخص الرئيس مرسي أو مؤهلاته وخبراته وبرامجه فلن يستطيع بمفرده أن ينجز أو يصلح من الأمر شيئا ما لم تكن هناك منظومة دستورية وقانونية تعكس بالفعل آمال وطموحات ومصالح الشعب بجميع فئاته وليست فئة أو جماعة بعينها وتحظي بالقبول العام والتوافق الشعبي.. ومن المؤكد أن الرئيس محمد مرسي في بداية فترة حكمه سيتعلم من درس الماضي، فالدنيا إذا حلت أوحلت وإذا غلت أوغلت وإذا كست أوكست، وأذكر الرئيس مرسي بالحديث الشريف «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله».